الهلال الشيعي اللبناني
الوطن العربي 7/3/2007
الملف المفتوح في لبنان ليس سوى فصل في الصراع الأميركي ـ الإيراني في الشرق الأوسط، لأن طهران التي تسعى إلى إقامة الهلال الشيعي تحاول ألا تحصر النزاع في المنطقة، وتحاول أيضا تأجيل المواجهة مع أميركا حول ملفها النووي، عن طريق زرع الألغام في العراق ولبنان.
وإيران تعتبر لبنان الجسر الأخير للهلال الشيعي عن طريق استلام فريق الثامن من مارس "آذار" ولاسيما حزب الله وحلفاءه، لذلك فإن الصراع بين الأكثرية والمعارضة يختصر الصراع الأميركي ـ الإيراني في المنطقة.
من هنا فإن الخلافات القائمة على الثلث المعطل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ليست سوى واجهة، فحدود اللعبة الكبرى تتجاوز لبنان وتمتد إلى جغرافية العراق، وربما دول أخرى في المنطقة مثل اليمن، وهو ما يدفع قوى 14 مارس "آذار" للتمسك بمواقفها لئلا تقع البلاد في محظور المخطط الإيراني ـ السوري.
ولكن هناك مؤشرات متعددة ومتنوعة تدل على أن هناك محاولات لإقامة هلال شيعي مصغر في لبنان من خلال ربط المناطق الشيعية بعضها بالبعض الآخر، ابتداء من ضاحية بيروت الجنوبية امتدادا إلى جنوب لبنان الذي قد يرتبط جغرافياً وديمغرافيا بالبقاع عبر بوابة "جزين" ذات الغالبية المسيحية، وهذا ما يفسر عمليات شراء الأرض في المناطق المسيحية في الجنوب من أجل إقامة هذا الهلال الشيعي، والواضح أن هذا الهلال بدأت تظهر ملامحه وصورته على الأرض، بعد أن تم وصل الجنوب بكامله عبر الطريق الممتد من بوابة منطقة مرجعيون إلى سائر بلدات وقرى البقاع من خلال شراء كل الأراضي المسيحية في "جزين" وكفر حونة والقطراني وصولا إلى مشغرة التي تربط البقاعين الغربي والشمالي بالجنوب، وبهذه الطريقة يكتمل الهلال الشيعي الذي يحاصر كل المناطق السنية والمسيحية، وقد رصدت إيران لتحقيق هذا المشروع أكثر من خمسة مليارات دولار، لأنها ستكون مضطرة لشراء آلاف الهكتارات من الأراضي لوصل المناطق الشيعية ببعضها.
والذي يؤكد هذه المعلومات قيام متمولين شيعة وجمعيات شيعية أخرى بشراء الأراضي إما بأموال خاصة من المغتربين الشيعة في أفريقيا وإما من إيران.
والخطير في هذا الموضوع أن المسيحيين في الجنوب وجزين لا يترددون في بيع أراضيهم في ظل الإغراءات المالية من أجل شراء الأراضي في كسروان وجبيل وغيرهما من المناطق المسيحية الصرفة أو بقصد الهجرة إلى كندا واستراليا أو فرنسا والولايات المتحدة، لذلك فإن البلاد تشهد حاليا فرزا ديمغرافيا ولكن بخطوات متباطئة ريثما يتقرر مصير اللعبة الكبرى.
واستنادا إلى مصادر في المعارضة فإن حزب الله سيحقق الهلال الشيعي وفق الأجندة الآتية:
1 ـ استكمال معالم هذا الهلال جغرافيا من خلال شراء ما تبقى من أراض في المناطق الممتدة من جسر الخردلي حتى مثلث كفر متى ـ كفر حونة ـ مشغرة، خصوصا أن هناك عددا من القرى المسيحية والدرزية التي مازالت تعوق هذا الهلال ولاسيما منطقة "طلة خازن" التي هي في الأصل مزرعة واسعة يملكها مواطنون دروز من آل علم الدين، من ثم شراء كل الأراضي من هذا المثلث وصولا إلى بلدة مشغرة بالذات.
2 ـ الإسراع في إقامة المجمعات السكنية وإنشاء المتاجر وأسواق الخضار وكل سبل الحياة في هذه المجمعات، وتاليا نقل بعض العائلات الشيعية من منطقة إلى منطقة، بحيث تصبح المناطق الشيعية مترابطة.
3 ـ تنفيذ العصيان المدني في المرحلة الثالثة من خلال الامتناع عن دفع كل الضرائب والرسوم إلى الدولة والامتناع أيضا عن دفع اشتراكات الماء والكهرباء، والهاتف الثابت، ودعوة موظفي الدولة الشيعة إلى عدم المداومة في مكاتبهم، يستثنى من هذا العصيان المطار والمرفأ. وفي حال نجاح هذا العصيان في مناطق معينة وفشله في مناطق أخرى، أي مناطق قوى 14 مارس "آذار" تتعرض البلاد إلى نوع من الانقسامات الحادة التي قد تشكل أمرا واقعا ديمغرافيا.
4 ـ رفض الرئيس نبيه بري دعوة مجلس النواب للانعقاد طوال الدورة العادية للمجلس التي تبدأ في 20 مارس "آذار" وتنتهي أواخر شهر مايو "آيار"، وهذا يعني تعطيل الحياة التشريعية في البلاد ووقف عجلة الدولة وهذه الخطوة تزيد في الانقسامات.
5 ـ دفع البلاد إلى مزيد من التأزم السياسي ورفض أي حل لا يناسب المعارضة ويتعارض مع قرار المعارضة بالتحكم بالسلطات الثلاث: رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، والحكومة، إضافة إلى احتمال تفجير الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن القنابل والعبوات الناسفة والمتفجرات الأخرى المتطورة تشكل في الأصل رسائل ضاغطة وتحذيرات بربط هذه المتفجرات بالصواعق اللازمة لتفجيرها. وهذا يؤدي حكما إلى حرب مذهبية وحرب أهلية.
6 ـ دفع البلاد إلى الفراغ الدستوري من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية وامتناع الرئيس إميل لحود عن تسليم صلاحياته وفقا لأحكام الدستور إلى مجلس الوزراء مجتمعا، لأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير شرعية وغير دستورية، وهذا أمر يدفع فريق 14 مارس "آذار" إلى الاجتماع برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بالأكثرية المطلقة، أي 70 نائبا، وفي هذه الحال ترفض المعارضة الاعتراف بالرئيس الجديد، وهذا يعني أن البلاد أصبحت منقسمة على نفسها، الأمر الذي تعلن معه المعارضة حكومة الأمر الواقع. وفي ضوء هذه الانقسامات ينشأ وضع خطير في البلاد من حروب أهلية متنقلة، ومن فرز جغرافي وديمغرافي. بحيث يصبح لبنان يهدد السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن مجلس الأمن، بناء على توصية من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وبناء على طلب الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، يتخذ قرارا سريعا بإرسال قوات دولية إلى لبنان لمساعدة الجيش اللبناني على فرض الأمن والاستقرار، إضافة إلى قوات دولية أخرى على طول الحدود مع سورية لوقف إمدادات الأسلحة، وفي هذه الحالة يتحول لبنان إلى يوغسلافيا ثانية، بحيث تقوم مناطق كيانية طائفية.
ولكن، في موازاة هذه الصورة السوداوية، هناك اتصالات ومشاورات في الداخل والخارج تهدف لإيجاد حل سريع للأزمة السياسية ومنع البلاد من الانزلاق في هذه الهوة العميقة.
ولهذه الحلول أكثر من محطة: الأولى في 11 مارس "آذار" حيث سيعقد في بغداد اجتماع دولي من أجل العراق بحضور إيران وسورية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أي أن هذه الاجتماع سيكون مناسبة لتوجيه إنذارات أميركية وأوروبية حاسمة لإيران وسورية، فإذا تمكنت الدول الكبرى من فرض تسوية للأوضاع في العراق. فإن ذلك سينعكس على الأوضاع اللبنانية والعكس صحيح أيضا، والمحطة الثانية ستكون في الرياض حيث ستعقد القمة العربية في 28 ، 29 مارس "آذار" الحالي للبحث في أوضاع المنطقة وخصوصا أوضاع العراق ولبنان.
وفي أية حال، فإن معطيات المعارضة لا تدل على أن الأوضاع تتجه نحو التسويات والاستقرار بل تنذر بمضاعفات خطيرة على صعيد وحدة لبنان والوحدة الوطنية والاستقرار الأمني، لأن السلاح يتدفق بوفرة على كل الأحزاب والتنظيمات في فريقي السلطة والمعارضة.