الشيخ محمد علي جوزو:
سورية سجن كبير
الوطن العربي 28/2/2007
الشيخ محمد علي جوزو مفتي جبل لبنان، أحد أهم الشهود على أوضاع لبنان والمنطقة العربية، ولذلك فهو في هذا اللقاء يتحدث عن مستجدات الأوضاع في لبنان، وفي الشرق الأوسط عموما.
وفيما يلي نص الحوار:
ما هو وضع السّنة الآن في لبنان؟
ـ لاشك أن السنة الآن أقوى من الماضي بكثير، فلأول مرة تجتمع كلمة السنة في كل لبنان وزحفوا إلى السراي الحكومي لمؤازرة حكومة السنيورة رداً على مواقف حزب الله التي اتخذت مظهراً شيعياً مذهبياً حاداً، فكانت النتيجة ردة الفعل "السنية" التي رأيناها.
إذن في ظل هذا الوضع القائم الآن... ماذا على السّنة أن يفعلوا.. وهل سيؤدي ذلك مواجهة في الشارع؟
ـ المواجهة ستنعكس على الجميع ـ والشيعة اليوم في العراق يدفعون ثمناً أغلى من أي ثمن في العرق لأنهم حاولوا أن يلغوا دور السنة. فكانت النتيجة أن السنة في العراق أثبتوا وجودهم، ورغم حجم خسائرهم، إلا أنهم استطاعوا أن يهزموا أميركا وخامنئي نفسه حيا "شعب العرق" لأنه أذل أميركا ووضع أنفها في التراب.. وأنا أقول له أي "شعب" تعني... فالشعب العراقي ينقسم الآن إلى قسمين، قسم مع أميركا وهم الشيعة، الذين يدينون لإيران بالولاء، وقسم ضد أميركا وهم سنة العراق "الأنبار"، وهم تاريخهم طويل في محاربة الاستعمار، ولذلك فإنهم إذا ما قرروا فتح معركة على مستوى كبير فما من شك أنهم سيخسرون.
وإسرائيل هي المستفيد الأول من حرب بين السنة والشيعة، وأميركا بمخططها في المنطقة لا أحد يقف في وجهها ويفشل مخططها إلا السنة، وليس حزب الله هو الذي أفشل هذا المخطط، فسنة العراق هم الذين أفشلوا مخططات أميركا، ولذلك فإن واشنطن لا تقوى اليوم على خوض معركة أخرى ضد إيران، من هنا فإن من مصلحة إيران أن تنضم للجبهة العربية وألا تعمل على نشر نفوذها في العالم العربي، لأن هذا النفوذ الذي تسعى إليه إيران يجعل هناك حالة "حرب بين العرب والفرس" ونحن لا نريد هذا اليوم، وإيران من مصلحتها أن تظل في حضن الأمة الإسلامية، وألا تفرض نفسها بالقوة، فالأكثرية من أهل السنة، وليس من مصلحتها أن تستفرد بالأمر وحدها.
لذلك أنا قلت لخامنئي إنه من الأفضل له ولجماعته أن ينضم إلى السنة في العراق لحماية إيران نفسها بمحاربة الأميركيين حتى يخرجوا من العراق.
الاتجاه الدولي في الفترة الحالية لزيادة الضغوط على حزب الله وإيران، فإذا وصلنا إلى مرحلة المواجهة.. فهل تعتقد أن القيادات السّنية ستأخذ اتجاهاً راديكالياً متشدداً، مما ينعكس أثره على الجميع؟
ـ كما قلت.. ليس من المصلحة أن نخوض معركة بين السنة والشيعة، فذلك ليس من مصلحة الشيعة ولا السنة، والطموحات التي كانت تراود الخميني في بداية الثورة الإيرانية خطأ كبير، ولذلك فعليهم أن يرجعوا لعقلهم وصوابهم وأن يكون هناك صلح بين السنة والشيعة.. وحتى إذا كان هناك خطر على حزب الله فنحن الأقدر على حمايته أكثر مما يحمي هو نفسه.. الآن المشكلة أن حزب الله يعتقد أنه بهذا الشكل يحمي نفسه وأنا أعتقد أنه يكشف نفسه أكثر وأكثر ويثبت للخارج أنه ضلع من أضلاع عدم الاستقرار في المنطقة.
وماذا عن الإصرار على رفض المحكمة؟
ـ هذا الإصرار على رفض المحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الحريري أوجد الشكوك الغريبة وراء هذا الرفض، وأصبح الجميع على قناعة أن هذا الإصرار وراءه دوافع لإبعاد الكأس عن فم حزب الله نفسه، ولهذا فما يحدث الآن هو الخطأ بعينه سواء من إيران أو سورية أو من حزب الله على أرض لبنان، حتى إن البعض يظن أن حزب الله قام بأسر الجنديين الإسرائيليين حتى يعطل قرار المحكمة الدولية، لأن هذه العملية تمت في توقيت غير مناسب وهو موسم السياحة والاصطياف في لبنان فضرب موسم السياحة وعطل الاصطياف، ثم بعد انتهاء الحرب لم يكتف بهذا الضرر واستمر في ضرب الاقتصاد، إذن هناك خطة أبعد من محاربة إسرائيل، وحتى هذه الصواريخ التي أطلقها حزب الله والتي بلغت خمسة آلاف صاروخ، ماذا كانت نتيجتها؟ هناك 80 مدنياً إسرائيلياً قتلوا و 120 عسكرياً إسرائيلياً في الحرب، بينما في الجانب اللبناني هناك 1200 مدني لبناني قتلوا في الحرب إضافة إلى 500 من كوادر حزب الله... إذن المحصلة أننا دفعنا الثمن الأكبر، ودمر بلدنا، بينما إسرائيل أصيبت ببعض "الرضوض" ورغم ذلك فهم يحاسبون بعضهم الآن على هذا، أما نحن فلا نستطيع حساب المتسبب في دمار بلدنا، بل إنه هو الذي يحاسبنا، بعد أن تسبب في دمار البلد.
ما رأيك فيما يقولون حول وجود تنظيم "القاعدة" في لبنان.. هل هي فبركة أم أن هذا الأمر صحيح؟
ـ هم عندما تحدثوا عن "القاعدة" كانوا يقصدون مجموعة ذهبت إلى مخيم النهر البارد هم "جماعة أبو موسى" وهي جماعة سورية تسببت في حروب شرسة في لبنان بينها وبين جماعة "أبو عمار"... ولذلك فإن سورية هي من أذاعت أن "القاعدة" موجودة في لبنان.
وحتى حين قتل الحريري حاولوا نسب الجريمة إلى "أبو عدس" المنتمي لتنظيم "القاعدة"... وصرحت يومها في مقابله مع "الجزيرة" أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، لأن السلطة على الأرض فعلياً هي لسورية، وإذا كان "أبو عدس" هو من قتل الحريري، فمن قتل جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي وبيار أمين الجميل... هذه الجرائم المتعددة من قام بها.. هذا كلام كله لا يدخل في نطاق العقل أو المنطق ولا يمكن أن يقبل.. ولذلك فما يفعلون الآن يثبت التهمة عليهم.
الحرب الداخلية
ألا يبدو حزب الله وكأنه لا يهتم لمسألة الحرب الداخلية هذه؟
ـ أنا أقول إنه توجد طبقات فقيرة جداً في الجنوب. وعلى حزب الله ألا يعول كثيراً على الدولارات الإيرانية التي تمده بها، فلو حدث أن ضربت إيران فلن تستطيع أن تمده ولو بدولار واحد.. فماذا سيفعل عندئذ.
هل توجد أصوات أخرى تعبر عن الشيعة غير "حزب الله"؟
ـ نعم.. كثير.. ولكنهم لا يفسحون لها المجال.. وهناك عائلات وشخصيات شيعية كبيرة ضد ما يحدث من حزب الله فهناك عائلة الأسعد، ومحمد مهدي شمس الدين وعائلته، وبيت الأمين وعلى رأسه السيد علي الأمين. وبيت حمادة... وغيرهم كثير لا يرضون عن هذا العمل لكن القوة والنفوذ السلاح هو الذي يجعل بقية الشيعة لا تستطيع التعبير عن نفسها، فهناك حالة "خطف" للطائفة الشيعية بكاملها من جانب "حزب الله" وحركة "أمل".
وماذا عن موقف نبيه بري.. وهل يستطيع أن يخرج من هذا الموقف؟
ـ لا يستطيع.. فقبل أن يذهب إلى إيران صرح بأن الحكومة شرعية، ثم تراجع عن موقفه هذا هناك في إيران بعد الضغوطات التي مورست عليه، وكان عليه أن يكون أذكى من ذلك... ولأننا لا نريد دمار لبنان فإننا مازلنا نراهن على موقف نبيه بري بأن يفتح مجلس النواب لمناقشة مختلف القضايا.. ونبيه بري خسائره الآن أقل بكثير من خسائر "حزب الله" الذي فقد ثقة معظم اللبنانيين من سنة ومسيحيين، باستثناء هذه الأصوات السنية الذين اشتروهم بدولارات إيران.
من الواضح الآن أن يد طهران هي التي تحرك الأمور سواء في العراق أو لبنان أو غزة... فبعد يوم واحد من هدوء الأمور في لبنان اشتعلت النار في غزة؟
ـ إذا كانت هناك أخطاء داخل الصف الفلسطيني فلأننا كلنا كمنطقة منهارون ليس فقط الصف الفلسطيني، فالأحوال في لبنان وفي فلسطين سيئة جداً بسبب كثرة الأيدي التي تلعب في الخفاء والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، ولذلك فلا بد من وحدة الصف اللبناني والفلسطيني، وعلى الحكم في سورية أن يتغير وأن يعطي لشعبه حرية اختيار من يحكمه على الطريقة الديمقراطية وليس ديمقراطية "بوش"، فسورية الآن سجن كبير، والشعب السوري كله معتقل لدى نظامه.