جولة الصحافة\العدد الخامس والأربعون - ربيع الأول 1428هـ
تنامي الدور الإيراني سببه العرب والأمريكيون
الثلاثاء 20 مارس 2007
تنامي الدور الإيراني سببه العرب والأمريكيون
خالد الدخيّل – فوربز العربية / 3/2007
إدارة بوش مضطرة إلى مواجهة تداعيات فشل حربها على العراق، أبرز وأخطر هذه التداعيات في العراق نفسه: اندلاع حرب أهلية غير معلنة على أسس طائفية، وفشل ظهور حكومة وحدة وطنية مؤهلة لمعالجة الموقف المتدهور هناك. تنامت بشكل متواصل معارضة محلية ودولية لهذه الحرب، كان من نتيجتها خسارة حزب الرئيس بوش الجمهوري في انتخابات الكونجرس الأخيرة. لكن أهم تداعيات الحرب الأمريكية على العراق، هو تنامي الدور الإيراني في منطقة الخليج العربي، وعلى امتداد المشرق العربي كله، حيث وجدت إدارة بوش نفسها وجهاً إلى وجه أمام هذا التطور الذي تعتبره مصدر تهديد للمصالح الأمريكية. المفارقة أن مكاسب إيران المتمثلة في تنامي دورها لم يكن إلا نتيجة مباشرة للحرب الأمريكية على العراق. بفضل هذه الحرب اكتسب الوجود الإيراني في لبنان وسورية ثقلاً وتأثيراً لافتين. وبدرجة أكبر امتد هذا الوجود إلى العراق، وهو تحت الاحتلال الأمريكي، بعبارة أخرى، الفشل الأمريكي في العراق هو نجاح إيراني باهر ومجاني.
كيف يمكن تحليل هذه العلاقة بين فشل الحرب الأمريكية في العراق، وتنامي الدور الإيراني في المنطقة؟ المسألة المركزية هنا هي ضعف أو إضعاف الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة. لا يبدو أن الأخيرة تأخذ المصالح الإقليمية الاستراتيجية لحلفائها العرب بعين الاعتبار في سياستها تجاه الشرق الأوسط. هي معنية باستقرار هذه الدول داخل حدودها، ترتكز السياسة الأمريكية على التحالف مع هؤلاء العرب، وإسرائيل. لكن هذين الطرفين في حالة صراع. والولايات المتحدة في هذه المرحلة ليست معنية بشكل جاد بالتوصل إلى حل لهذا الصراع. بدلاً عن ذلك تتبنى واشنطن بشكل كامل المصالح والأهداف الإسرائيلية في المنطقة، ضد مصالح حلفائها العرب، آخر المؤشرات على ذلك أن المحافظين الجدد ـ أو حلفاء الدولة العبرية في واشنطن ـ تفوقوا على حلفاء أمريكا الإقليميين وأقنعوا إدارة بوش بغزو العراق. ما يعني أن تأثير الحلفاء العرب في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة محدود، حتى عندما تصطدم تلك السياسة مع مصالحهم. أول ضحايا هذه المعادلة كان الدور المصري الذي ضعف وتضاءل أخيراً إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. أوكلت إلى مصر مهمة ضبط الفلسطينيين، وتوفير غطاء عربي للتنازلات المطلوبة منهم. أصبح الدور المصري لا يتجاوز الوساطة بين فتح وإسرائيل، والآن بين حماس وإسرائيل، ثم بين حماس وفتح، وفي كل ذلك لم تتمكن مصر من تحقيق أي تقدم في أي من تلك الوساطات.
الضعف العربي أوجد فراغاً في المنطقة، وهو ضعف لم يكن جديداً تماماً. لكن جاء الفشل الأمريكي الكارثي في العراق فبرز المأزق الأمريكي إلى جانب الضعف العربي، هذه فرصة تاريخية أمام إيران لتوسع من دورها، وتمد نفوذها. الدور الإيراني في هذه الحالة ليس نابعاً تماماً من تغير في طبيعة الدولة الإيرانية، أو نتيجة لنمو ملموس في قدرات إيران السياسية والاقتصادية، بقدر ما هو نتيجة طبيعية لفشل الآخرين. السؤال: ما هي معالم الفشل الأمريكي؟ وكيف جاءت نتيجته لمصلحة الدور الإيراني تحديداً؟
أولاً بعد سقوط العراق تحت الاحتلال، استبعدت إدارة بوش تحت تأثير أحداث سبتمبر، أي دور عربي، وخصوصاً الدور السعودي، ثانياً أنها كقوة احتلال استبعدت السنة وعقدت تحالفاً مع القوى الشيعية والكردية، وسلمتهما السلطة تحت سيطرتها. ثالثاً أن القوات الأمريكية المحتلة لم تكتفِ بحل النظام السياسي السابق، بل حلت الدولة بكاملها من خلال حل الجيش والمؤسسات الأمنية، في كل ذلك تكون إدارة بوش قد أجهزت على أهم وأخطر خصم لإيران، أو النظام العراقي السابق، وقبله كانت قد قضت على خصم آخر، وهو نظام طالبان في أفغانستان. تحالف إدارة بوش مع المجلس الأعلى للثورة في العراق، وحزب الدعوة العراقي، هو تحالف مع حلفاء إيران، بل إن نشأة المجلس الأعلى للثورة كانت في طهران، وكانت كوادره تتلقى تدريبها على يد الإيرانيين، حتى أحمد الجلبي، الذي كان مقرباً من وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد. اتضح أن علاقته مع الإيرانيين وطيدة. وهذا يعني أن السياسة الأمريكية تجاه عراق صدام حسين لم تخلص طهران من أقوى خصومها في المنطقة وحسب، بل جاءت بحلفاء ورجال طهران إلى الحكم في بغداد. بعبارةٍ أخرى، نقلت إدارة بوش العراق من كونه ألد خصوم إيران على مدى قرون، ليصبح أهم حلفائها في المنطقة، أحد أهداف إدارة بوش من غزو العراق كان إضعاف هذا البلد، وإخراجه من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. لكن ما تحقق هو أن إيران أصبحت من أقوى دول المنطقة. على مدى التاريخ كان العراق البوابة الشرقية للعالم العربي أمام النفوذ الإيراني، بعد الغزو الأمريكي، تحول العراق إلى بوابة غربية لامتداد النفوذ الإيراني في المنطقة كيف يمكن تفسير ذلك؟
يقال إن قناعة إدارة بوش كانت، وربما لا تزال، بان إسقاطها لنظام صدام حسين، وتسليم الحكم لقوى المعارضة العراقية كاف لتخلي هذه القوى عن تحالفها مع طهران لمصلحة تحالف جديد مع واشنطن وحتى الآن ليس هناك ما يؤشر إلى حدوث مثل هذه الانعطافة، فعلاقة حلفاء واشنطن من القوى الشيعية مع إيران لا تزال كما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي للعراق، بل إن هذه القوى تنجه إلى الاحتفاظ بهذه العلاقة. قال رئيس الوزراء العراقي. نوري المالكي، أخيراً إن موقف واشنطن من دول الجوار غير ملزم لبغداد. من ناحية أخرى، هناك من يقول إن تطورات الوضع في العراق، وعلى مستوى المنطقة ككل يجعل من احتمال تفاهم الولايات المتحدة وإيران، خصوصاً في ما يتعلق بالبرنامج النووي للأخيرة، وارداً كما هو احتمال المواجهة العسكرية بينهما.
أفضى الاحتلال الأمريكي للعراق إلى إضعاف حلفاء أمريكا العرب، ليس فقط في الخليج العربي، بل في بقية العالم العربي. لم يأتِ الاحتلال بلبن الديموقراطية، بل فجر الصراعات الإثنية والمذهبية في هذا البلد، ودفعه إلى منزلق حرب أهلية، ولا يقل سوءاً عن ذلك، أن الغزو الأمريكي جعل من تقسيم العراق خياراً مطروحاً للخروج من المأزق، وهو ما يؤكده التقرير الأخير للاستخبارات الأمريكية، المذهل أن الأمريكيين لم يأتوا إلى العراق إلا بآلتهم التدميرية فقط، لا يملكون خطةٌ للبقاء، ولا خطة للخروج، ولا خطة لإعادة بناء الدولة على أسس تحفظ للعراق أمنه ووحدته واستقراره، والنتيجة انهيار أحد أعمدة النظام الإقليمي العربي، وتحوله إلى مصدر تهديد للمنطقة بشبح انتشار الطائفية، وبمخاطر التقسيم المدمرة. المدهش أيضاً طلب الإدارة من السعودية ومصر، عدم التدخل في العراق، تحت ذريعة أن هذا التدخل سيفاقم من التوتر الطائفي والإثني. يبدو هذا الموقف الأمريكي استجابة لرغبة حكام العراق الجدد. في مقابل ذلك فشلت إدارة بوش في مراقبة قنوات التدخل الإيراني، ما حدا بوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، إلى اتهام الإدارة بتسليم العراق لإيران.
عدم التدخل السعودي تحديداً فاقم من اختلال التوازن في المشهد السياسي العراقي، فالقوى الشيعية تتمتع بدعم وحماية الأمريكيين والإيرانيين، والقوى الكردية تحت حماية ودعم الأمريكيين. في المقابل بقي السنة معلقين في الهواء من دون أي دعم أو حماية، لا من الداخل ولا من الخارج، الأسوأ من ذلك أنه أصبح ينظر إلى السنة على أنهم يجب أن يدفعوا ثمن جرائم حكم صدام حسين، على اعتبار أنه كان حكم الطائفة السنية، وكان من الطبيعي أن تنفجر في ظل هذا الوضع أعمال المقاومة والعنف في العراق. نتائج الحرب الأمريكية على العراق واضحة إسقاط نظام صدام واستبدال حلفاء طهران بنظامه، وإضعاف العراق، ومعه حلفاء أمريكا في المنطقة، ترتب على ذلك انقلاب في توازنات القوة في الخليج العربي بشكل صارخ لمصلحة إيران، الأمر الذي كان من الطبيعي أن يترتب عليه تنامي الدور الإيراني، كان العراق قوة توازن مع إيران في المنطقة، بخروجه من هذه المعادلة أصبحت إيران هي الطرف الأقوى فيها. كانت السياسة الأمريكية حتى نهاية عهد إدارة بيل كلينتون الديموقراطية تقوم على أساس الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران. ثم جاءت إدارة بوش لتنقلب على هذه السياسة، وتنشر الفوضى في المنطقة. وهذا لا يمكن وصفه إلا بواحد من اثنين: إما أنها تعبير عن فشل سياسي مدمر، أو تعبير حقيقي عما يسمى في واشنطن بـ "سياسة الفوضى الخلافة". السؤال: "سياسة خلاقة" بالنسبة إلى من؟ إلى إسرائيل؟ أم إلى واشنطن؟ أم إلى كليهما معاً؟
من ناحيتها أدركت إيران فائدتها السياسية من فشل الأمريكيين والعرب، خصوصاً لناحية تعزيز دورها في المنطقة. وحيث إن طبيعة تنامي دور إيران في هذه اللحظة هو نتيجة لفشل الآخرين أكثر منه انعكاساً لتنامي قدراتها الذاتية، تعمل القيادة الإيرانية على قلب المعادلة، من خلال تطوير هذه القدرات، حيث تصبح المصدر الأول لتعزيز هذا الدور، وبما يجعل منه جزءاً طبيعياً من توازنات القوة في المنطقة. أي إن إيران تطمح لأن تجعل من دورها الجديد شيئاً مكملاٌ للخريطة السياسية وتوازناتها التي ترتسم حالياً في منطقة الخليج العربي، وفي هذا الإطار تحديداً، تأتي الأهمية الحيوية للبرنامج النووي بالنسبة إلى طهران، وإصرارها على سرعة استكمال هذا البرنامج، بعبارةٍ أخرى، الاحتلال الأمريكي للعراق قلب البيئة الاستراتيجية في المنطقة لمصلحة الدور الإيراني، وجعل من السلاح النووي بالنسبة إلى طهران خياراً لا يمكن التخلي عنه لحماية وتعزيز هذا الدور. فالحزام العسكري الأمريكي المحيط بإيران يشكل تهديداً لهذا الدور. وهو حزام يمتد من قاعدة غارسيا العسكرية في المحيط الهندي جنوباً، مروراً بالأسطول الأمريكي في الخليج والقواعد الأمريكية في قطر والعراق. إلى قاعدة إنجيرليك في تركيا شمالاً، والعراق هو العمق الإستراتيجي الوحيد المتوافر لإيران. وتحوله من خصم لدود طوال القرون الماضية إلى حلف هو تطور لا يمكن لإيران التفريط فيه. لمواجهة الحزام العسكري الأمريكي، وللمحافظة على عراق حليف، يتطلب أن تكون لإيران قوة عسكرية رادعة، وهذا غير ممكن من دون سلاح نووي، هنا تبدي قمة فشل الغزو الأمريكي الذي جاء لمنع العراق من تطوير سلاح نووي، فإذا به يمهد لتوسع نفوذ إيران، ويواجه برنامجها النووي، ويدفع بالعراق إلى أن يكون الحليف الذي لم تحلم به طهران من قبل.
 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: