كاظم حامد ابراهيم الربيعي – ميدل ايست اونلاين 2/4/2010
لست منشغلا بتحليل تطورات الاحداث السياسية والميدانية في العراق، فقد جرد العشرات من الكُتاب والمحللين اقلامهم لهذا الغرض، وإنما يجب في ظل هذه الصورة المعقدة التي ما زال تهيمن على المشهد العراقي أن نعلم أن المتضرر الأول من كل شر يصيب العراق هم أهل السنة. فهم يشتركون مع باقي المكونات العراقية في أحوال المعيشة الصعبة والقتل (التفجيرات) والوقوع في ظل حكومة فاسدة. لكنهم يتميزون عن غيرهم بأن إيران لن تقبل بأن يقع في أيديهم شيء من زمام الامر أو أن يستعيدوا شيئا من قوتهم في العراق، وذلك لأن إيران تعي بقوة أن قوة المقاومة الوحيدة لوجودها في العراق (المعنوي والمادي) تتمثل في العرب السنة، وكذلك يؤمن القادة الايرانيون بأن أحرص الناس على بقاء العراق قويا عربيا موحدا هم العرب السنة، فلشيعة الجنوب رغباتهم وسعيهم نحو الانفصال، والعمل على الأرض باتجاه فصل الجنوب (أو على الأقل البصرة) جار على قدم وساق.
لعل الادوات الرئيسة التي تستخدمها إيران في ضرب المكون السني العراقي هي الحكومة الطائفية، وتنظيم القاعدة. فالطرف الأول يستخدم سلطته السياسية والأمنية لإضعاف السنة وإقصائهم، والثاني يستخدم الاعتقاد المنحرف لتكفيرهم واستحلال دمائهم، على أن يد الحكومة هي الأشد بطشا والاكثر فتكا. ولربما استخدمت الحكومة ايضا حجة القاعدة في تركيز وتوجيه عملياتها داخل المناطق السنية، او داخل المناطق الشيعية لتقبل رد الفعل الشيعي والذي سيكون مبرراُ دون ادنى شك! وهذا الامر يقطع به الكثير من العراقيين.
قد يوصف رأيي بالانحيار في هذا الجانب لأني تعودت على انتقاد طائفية حكومة بغداد والقوى الموجهة لها في إيران، لذا فإني سأنقل ما أريد توضيحه من كلام الفريق الركن وفيق السامرائي المستشار السابق لجلال طالباني للشؤون الأمنية، وهذا الرجل لا يؤهله فكره وتاريخه والاطوار التي مر بها في حياته إلى الحديث بالطائفية والانحياز للعرب السنة، لكن الحقد الذي اظهره حلفاء غيران في العراق، اضطر كثير من الناس إلى الحديث بالحقائق التي كانوا يتحاشون التطرق إليها بحجة تجنب الخطاب واللهجة الطائفية.
يقول السامرائي متعرضا لذكر بعض صور معاناة السُنة والارهاب الحكومي لهم: "الطائفيون من فريق الحكم فقدوا توازنهم من قوة صدمة الرفض المطلق لهم في مناطق من بغداد وشمالها وغربها ومن تنامي الصوت الليبرالي جنوبا، فضاعفوا من صخب الحديث عن عودة البعثيين، غافلين عن أنهم يدفعون الطرف المستهدف إلى الرد عليهم بـ: نعم كنا بعثيين وافعلوا ما شئتم إن استطعتم".
الرد على التسلط والتشبث بالسلطة وأي محاولة للاضطهاد، حتى لو كان معنويا ينبغي أن يشمل التلويح بفتح الملفات والتحضير لها جديا وليس صوريا، فما نعرفه، وما يصل إلينا، يحتاج إلى جهد مركزي كبير للتدقيق فيه وتوثيقه وتحريكه لكي لا تضيع حقوق الضحايا والأبرياء. وهذا يتطلب أن تباشر القوى الليبرالية بفتح مركز رئيسي لحقوق الإنسان وفتح فروع له في المحافظات والمناطق التي تعرضت للقمع والظلم خلال السنوات الأربع الأخيرة. وإذا كانت الموارد المالية لا تسمح بذلك، فالمهجرون من ديارهم والأرامل والأيتام قادرون على تغطية النفقات.
قال لي أكثر من شخص مطّلع إن من مدينة الخالص الصغيرة وأطرافها تم تهجير نحو 4200 عائلة، وحُرق كثير من ديارها أو نُهبت أو تم الاستيلاء عليها! فبأمر مَن حدث هذا؟ أليس القائد العام مسؤولا عن نتائج العمليات والتحركات العسكرية وغيرها؟ والقصص المأساوية تدمي القلوب من الزركة شمال النجف، إلى محاولات تغيير الهوية في ما يوصف بحزام بغداد، إلى إجراءات القهر الاقتصادي في سامراء وغيرها، أما الحديث عن آلاف المختطفين والمغيبين قسرا والمعتقلين على غير وجه حق فلا حدود له.
وأنا هنا، أتلقى مزيدا من الاتصالات للتوسط والتشبث من قبل أشخاص يبحثون عن آباء وأبناء وإخوان اختطفوا من قِبل مَن يوصفون بعناصر السلطة، ودفع ذووهم عشرات آلاف الدولارات من أجل معرفة مصيرهم «فقط»، بلا نتيجة!" (من مقال "الانحاط الوطني").
وعن التحالف الشيعي- الكردي يقول السامرائي: "الاتفاق الكردي الشيعي، بما يتمخض عنه من تهميش لدور العرب السنة، يمكن أن يكون مقدمة فعلية لمشروع تقسيم العراق، لأن العرب السنة ليسوا مستعدين للقبول بتهميش طويل الأمد أو حرمانهم من حصة متساوية من الثروات كما هي الحال الآن... إن ما أفهمه من حقوق العرب السنة هو أن يحصلوا على حصتهم كاملة من الثروات، والتوقف عن تسييس القضاء والأمن ضدهم، والشراكة العادلة في الحكم، وأن لا يقع تجاوز على هوية مدنهم. وهذا يتطلب أن يكون صوتهم واحدا" (من مقال التحالف الشيعي الكردي.. مشروع للتقسيم).
ويلخص السامرائي بعض الحقوق السنية المسلوبة "مشكلات العراق التي تسببت في الكثير من أعمال العنف تكمن في عدد من النقاط، أهمها: غياب التوزيع العادل للثروات، فما حصلت عليه مناطق العرب السنة من مشروعات وتخصيصات مالية «لا وجود له» مقارنة بما خصص للمناطق الكردية، ولا يصل بأي حال إلى نسبة ضئيلة مما أنجز أو صرف في المحافظات الشيعية! والتذرع بمفهوم المناطق المتضررة من النظام السابق لا يتمتع بالمصداقية، فالكل متضررون. وبحكم نسب السكان، ماذا يستطيع فريق معارض داخل البرلمان أو مشارك هامشيا في الحكومة، العمل في حال مضت الأمور على ما كانت عليه خلال السنوات الأربع الأخيرة؟ وأخطر ما في التمثيل أن يتحول البرلماني إلى مجرد ساعٍ إلى الجاه والثروة على حساب مصلحة شريحته وشعبه! فهؤلاء أكثر خطورة من الفئويين والطائفيين، الملف الأمني بيد الحكومة التي يهيمن عليها فريق من حزب الدعوة، وليس لرئيس الجمهورية ونائبيه القدرة على إطلاق سراح معتقل واحد، وقد كنت حاضرا جدلا بين الهاشمي ورئيس الوزراء حول هذا الموضوع، ولم يلق طلب الهاشمي استجابة ولو مجاملة. وحصة العرب السنة في الجيش أضعف من الضعيفة، وحتى من يوجد منهم في موقع قيادة معينة يشعر كأنه «أسير»، ولا أدري كيف قبلوا بذلك، هذه ليست ديمقراطية، بل ممارسة ظلم وقهر. لذلك، لا بد من التغيير ووقف عمليات الاستفراد ووقف حكم الأكثرية إلى أن تتحول إلى أكثرية سياسية وفق المعايير الغربية. تضمن التوزيع العادل للثروات وفقا للصيغة المتبعة مع إقليم كردستان، وتتخلص مرافق الدولة من التمييز الطائفي والحزبي المبرقع. وتبدو المطالب غير قابلة للتنفيذ مع أنها عادلة 100%. ففي حال كهذه، على القائمة العراقية أن تصر على موقف ثابت غير قابل للمساومة على حساب الحقوق، مثلما أصر الكرد على مطالب وأخذوها «كاملة»، فهي ليست أقل شأنا من الكرد إن حافظت على تماسكها.
بخلاف ذلك، فإن التكتل على حساب شريحة مؤثرة لها ثقلها التاريخي سيقودها إلى مراجعة الحسابات وفق خيارات مؤلمة، تستخدم كل السبل الديمقراطية المتاحة وفق القوانين والأعراف الدولية، وينبغي أن لا تُدفع هذه الشريحة إلى مثل هذه المواقف للمحافظة على هويتها ووجودها واستحقاقاتها في الشراكة الصادقة" من مقال (الانتخابات العراقية والخيارات المؤلمة).
ويعاتب السامرائي طارق الهاشمي على عدم اهتمامه بشؤون المعتقلين السنة فيقول "لديكم مبالغ كبيرة للمنافع الشخصية، وكنت «تمون» على صديقكم الرئيس طالباني في موارد إضافية. فلماذا لم تشكل يا أبا زياد ( طارق الهاشمي) مؤسسة حقوقية تتابع مظالم الناس والآلاف الذي اختطفوا وزج بهم في سجون سرية لا أحد يعرف عنها شيئا، وقد أشرت إليها في أحد تصريحاتك؟ ألا يتطلب وضع كهذا وضع العالم على المحك للتصرف لوقف التغييب القسري؟" من مقال (شكرا للسيد طارق الهاشمي..ولكن).
الكلام السابق لوفيق السامرائي لا يكشف عن حقائق مغيبة أو قضايا لا يتعرض لها سوى فئة قليلة من الكُتاب الطائفيين كما "يسمونهم"، لكنها تؤكد أن المحنة التي يمر بها أهل السنة في العراق والذي يتحاشى الكثير من الكتاب والمحللين التطرق لها والتفاعل معها والتحرك من أجل تخفيف شيء من آثارها التي تتخطى حدود القطر العراقي، قد أصبحت محل اهتمام حتى أولئك الذين لم نفكر يوما أن يكتبوا منتصرين لها، معاتبين من قصّر في حقها.
والكلام المتقدم للسامرائي لم يحركه شعور طائفي كما يعتقد البعض، لكنه الخطاب الطبيعي المنطقي الذي لا مجال للسكوت عنه، أو تجاهله أو التهوين من شأنه فالعراق في انحدار
إلى الاسوأ، كما أن من يعترض على تناول مواضيع حساسة كـ "طائفية الحكومة والاضطهاد للسنة، والإفساد الإيراني في العراق" لا يجد ما يرد به هذا الكلام، ولا يجد مجالا ينتصر فيه لفريق الحكم، لأنه حتى أبناء الطائفة الشيعية تلعن اليوم الحال المزري الذي يعيشونه والذي هو من بركات الحكم الطائفي.