تفاصيل الغزل البريطاني والأميركي لشيعة البحرين
الوطن العربي 24/3/2010 باختصار
فتحت الزوبعة التى أثارها الشيخ على سلمان النائب البحرينى زعيم حركة الوفاق الشيعية فى البحرين، بعد مطالبته العلنية بتحويل البحرين لمملكة دستورية الباب لجدل لم يزل مستمرا، وقد يتحول لإعصار، خاصة أن الشيخ سلمان خريج حوزة قم الفارسية رفض حتى إدانة احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، فى حوار لنا معه منذ عدة أسابيع. ولقد تهرب عدة مرات من الإجابة عن توقيت هذه المطالب التى طرحها واعتذر عن الإجابة.
سيطرة الشيعة على الحكومة: وفهم السنة فى البحرين أن هدف المطالبات الشيعية سيطرة الشيعة على رئاسة الوزراء وإبقاء الأسرة الحاكمة المالكة لا تملك إلا سلطة اسمية دون أن تحكم، مثل ملكة بريطانيا. وقد قامت الوفاق بتطمين هؤلاء أن هدفها تحويل نظام البحرين الملكى لنظام يشبه الأردن أو المغرب. لكن أحدًا لم يقتنع بذلك واعتبر المطالبة زلة لسان كشفت خطط الوفاق الشيعية الحقيقية.
سلمان القمى أم البريطانى ؟! فى الماضى كانت توجه الاتهامات له حول علاقاته مع قم وملالى إيران، والآن تحولت الاتهامات لوجهة أخرى بعد ارتباط إثارته هذه المطالب باجتماعه مع السفير البريطانى بالبحرين. لأن بريطانيا كانت تؤوى الشيخ سلمان ورفاقه لسنوات طويلة كلاجئ سياسى وهى التى أقنعت الحكومة البحرينية بعودته للبحرين. وأن سلمان يتبع التقية والمهادنة فيصعد تارة مطالبه للإطاحة بالحكم الحالى ثم يتراجع مدعيًا سوء الفهم. ويحاول الشيخ سلمان توريط العائلات الشيعية الكبرى التى تدعم النظام الملكى معه، فيرفضون ويدينون محاولاته .
هل هى عمالة لبريطانيا ؟ ويقول البعض إن سلمان يلعب لعبة ذكية فهو يحاول إلباس مطالبه الإيرانية لباسًا بريطانيًا، ولذا لا يهمه أن يتهم بأنه بريطانى التوجه، لأن هذا مفيد جدًا له ولحركته، ويقول آخرين إن الهدف تحجيم الوفاق الشيعية ومحاصرتها بعد أن عربدت وصالت وجالت، خاصة أن الانتخابات القادمة نوفمبر -تشرين الثانى- ،2010 ستكون حاسمة. ويجرى الحديث عن انشقاقات داخل الوفاق بين من يدعم إيران كليًا ومن يدعم البحرين أو بريطانيا .
لكن الوفاق أثبتت أن لديها الشعبية الكبرى ولديها القدرة على السيطرة على الشارع، فمثلاً، عندما وجه النائب البحرينى جاسم السعيدى انتقادات حادة للزعيم الروحى للوفاق الشيعية عيسى قاسم واتهمه بالعمالة لإيران نزل 120 ألف متظاهر للشارع. إن ما يحدث بالبحرين الآن ضجة مفتعلة سنعرف ما وراءها بعد فترة .
تفاهمات مشتركة: من اللافت التوحد بين نواب البحرين السنة والشيعة لأول مرة لمنع الخمور، وإحدى النظريات أن الرد الكبير الثائر للحكومة على مطالب الوفاق قد يكون سببه معرفتها بخطر هذه التفاهمات بالبرلمان. ودهش المراقبون فى الـ6 أشهر الماضية لتغلغل الشيعة فى الأوساط السنية وإقناعهم بالتحالف معهم.
شيعة الخليج العربى: يعتبر أتباع المذهب الشيعى فى الخليج العربى أقليات دينية، حيث لا تتجاوز نسبتهم فى بعض الدول 10% باستثناء البحرين التى يمثـل الشيعة فيها نصف السكان أو أقل، بينما تصــل لأقل من 5% فى دول أخرى. ورغم أن عددهم قليل إلا أنهم يحاولون حاليًا إبراز أنفسهم كقوة شعبية تؤثر على السياسة العامة للدول الخليجية وإلى البروز بشكل أكبر، مستفيدين من الأحداث الأخيرة التى حصلت فى العراق وأدت لزيادة نفوذ الشيعة فيه .
ويقول خبير وباحث استراتيجى: إن الشرق الأوسط يعيش حربًا باردة بين قطب عالمى هو أميركا وقوة إقليمية صاعدة تحاول فرض نفسها كقوة إقليمية دولية هى إيران. وجذور الأزمة دوليا بدأت من مساعٍ أميركية منذ انتهاء الحرب الباردة لعولمة الشرق الأوسط والعالم وإنشاء أنظمة متشابهة متجانسة تتماشى مع السياسة الدولية من المنظور الأميركى .
ورأى الخبير أن أميركا تحاول عبر العولمة نشر الرأسمالية وإنشاء أنظمة تتماشى مع مبادئ الرأسمالية ويكون فيها للشركات دور أساسى فى صنع القرارات. والسياسة الأميركية بعد الحرب الباردة ركزت على العولمة وإنهاء القوميات لتسهيل دخول الرأسمالية لهذه الدول، إلا أن أحداث ما بعد الـ11 من سبتمبر -أيلول- غيرت المعايير لحد بعيد وفرضت عوامل جديدة، كالحرب على الإرهاب التى أثارت حزازات اثنية ودينية وقومية كما أحدثت انقسامًا داخل الإدارة الأميركية حول الأهداف الرئيسة لهذه الحرب التى يسعون للوصول إليها على المستوى الدولى. وقد برز عامل الانقسام المذهبى ودعم الأقلية الشيعية فى العالم العربى .
تقارير رسمية مضخمة: وقد جاء تقرير الخارجية الأميركية السنوى لحقوق الإنسان ليكشف المفارقة بين النظرية والممارسة. فالتقرير يتسم عادة بمستوى معقول من الموضوعية، فيسرد الانتهاكات فى بلدان العالم كافة، وضمنها الدول الصديقة لأميركا نفسها، كما يتعرض لقضية الحريات العامة فى تلك البلدان مستعرضا مدى التزام الحكومات بها. لكن تركيزه على قضايا شيعة الخليج وتضخيمها أثار تساؤلات كبيرة عن الهدف الأميركى المستمر من إرضاء إيران، وكأنها منافح عن الشيعة فى المنطقة بعد أن سلمتهم حكم العراق. لكن سياسات واشنطن ليست بهذا النقاء والطهر، بل تتسم بعدد من الظواهر المقلقة كالانتقائية وازدواجية المعايير وتباين مستويات التركيز على القضايا موضع الانتهاك. ومع أن أميركا ليست محكومة بنظام أيديولوجى محدد الهوية وواضح المعالم، فإن المفارقات بين المثل من جهة والسياسات من جهة أخرى توحى بوجود مستويين من التعامل مع العالم .
ديمقراطية أميركا العربية: والبعض يرى أن هذه المفارقة شكل من -النفاق السياسى- يؤكد ميكافيلية مستمرة. ومع أن أوباما وعد فى خطابه الشهير بأن الديمقراطية فى الوطن العربى يجب أن تكون نابعة من الداخل إلا أن الديمقراطية التى تريدها أميركا الآن فى الخليج يمكن أن تتمثل بتصدير الديمقراطية المفترضة بالعراق، حيث أكدت الإدارة الأميركية أكثر من مرة أنها تريد إقامة أنظمة ديمقراطية فى المنطقة انطلاقًا من العراق ليكون مثالاً يحتذى. وهى إشارة واضحة، لأنها الديمقراطية التى تسمح للعراق بأن تحكمه الطائفة الشيعة، وأنها يجب أن تطبق ببقية دول الشرق الأوسط، ومنها دول الخليج .
وهذا الأمر يعنى أن شيعة الخليج سيطالبون، بدعم أميركى، ليس فقط للحصول على مكتسبات اجتماعية واقتصادية، بل سياسية أيضاً من خلال حكم محلى مستقل. ويشار هنا لانخراط مركز -إن أى دى- أو صندوق الهبات القومية للديمقراطية بواشنطن الذى يدعمه الكونغرس ماليًا فى دول الخليج وتركيزه على دعم شيعتها بالتحديد. حتى أن نظرة على كشفه المالى السنوى يدهش المرء، لأنهم يعتبرون دعم الديمقراطية بدول الخليج يعنى أساسًا دعم التنظيمات الشيعية بملايين الدولارات. حتى أنه تم تعيين ليث كبه الشيعى ممثل حزب الدعوة الشيعى مديرًا تنفيذيًا لصندوق الهبات منذ سنوات. وحتى عندما استدعاه الجعفرى ليكون ناطقًا باسم حكومته الطائفية أعارته الـ-إن أى دى- لسنة ثم استرجعته ليستمر بدعم المنظمات الشيعية بالخليج .
أحلام أم كوابيس أميركية؟ وهناك حجج أميركية واهية لتبرير دعم الأقليات الشيعية فى المنطقة انطلاقًا من كون الشيعة فى المنطقة العربية يحددون مستقبل إيران !.
ويقول الكاتب الأميركى فرانك سميث :إن -قيام حكومة موالية للغرب ببغداد يلعب فيها الشيعة أدوارًا كبيرة، يمكن أن تتحوّل لرافعة دعم للمثقفين ورجال الدين الشيعة المعتدلين بإيران الذين يعارضون سياسة السلطة الدينية المحافظة. وهذا يمكن أن يوّسع قاعدة الإصلاحيين الإيرانيين، ويجذب نحوهم شخصيات دينية مهمة-. حتى أن محمد عبدالجبار، الرئيس السابق لحزب -الدعوة-، يوافق تماماً على ما يقوله سميث، ويضيف إليه ما هو أهم: -إن حكومة جديدة فى العراق ستحدث تغييرات فى كل العالم الإسلامى وليس فقط فى إيران. والشيعة العراقيون سيلعبون دوراً كبيراً فى مثل هذه التغييرات-. فالعراق الشيعى يعتبر نفسه العاصمة الروحية للإسلام الشيعى. وهو بهذه الصفة قادر على التأثير فى كل مجريات الأمور فى إيران وخارجها.!!
وهذا حلم أو بالأحرى كابوس أميركى خرج وسط خيبات الأمل من الأغلبية السنية فى المنطقة. وهناك من يقرأ هذا التوجه الغربى الجديد -الأميركى - البريطانى- إزاء شيعة الخليج قراءة مغايرة بوصفه عملاً مخططًا هدفه إبعادهم عن -المظلة الإيرانية- ومعالجة قضية كل أقلية منهم كشأن داخلى فى الدولة التى ينتمون إليها، ما قد يعنى فى النهاية فصل الرابطة المذهبية التى تربطهم بإيران عن ولائهم السياسى لأوطانهم، ما سيعنى - لو نجح - سلب إيران بعض أهم أوراق اللعب الإقليمية التى تملكها .
مطالب شيعية: وتتراوح تطلعات الشيعة فى الخليج حسب الدولة التى ينتمون إليها، فبينما بدأت تطالب فى دولة خليجية بمطالب ومكتسبات قدمت لحكومة البلد، وحصلت فى بلد آخر على تمثيل برلمانى ونيابى، فإنهم الآن يتطلعون للمستقبل القريب للاستفادة من الأوضاع التى خلفها سقوط العراق تحت الاحتلال الأميركى. ورغم أن شيعة الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام دولهم، إلا أن هذا لا ينفى تطلعهم لإقامة حكم ذاتى شيعى بمناطق تواجدهم كأغلبية، أو حتى إقامة حكومة منفصلة شيعية على أبعد تقدير، ذلك أن من سياساتهم الدينية مبدأ -التقية-، حيث يعتبر اتقاء القوى ومجاراته مطلباً دينياً ومبدءاً أساسياً لهم .
ويقول مصدر شيعى لـ " الوطن العربي" إنه مهما تواضعت مطالب الشيعة واندمجت اليوم فى إطار المطالب الوطنية العامة، فلا بد من الإقرار بأن شيئًا ما تغير بالفعل بعد الهزات التى عاشتها منطقة الخليج. وليس أقل التغييرات أن يأخذ الشيعة ثقلاً سياسيًا جديدًا، بعد أن كانت إيران تحتضنهم لسنوات .
ويؤكد المصدر: أنه آن الأوان لمبادرة جريئة وحادة لمعالجة هذه القضية من منطلق الحرص على وحدة الوطن وأمنه بدلاً من تركها تتفاقم وتتصاعد بصورة خطيرة، وتتحول لمشكلة مستعصية تصعب السيطرة عليها. وعلى أرجح التقديرات فإن تحركات الشيعة بدأت بالفعل بعيد سقوط النظام العراقى السابق، وهى إن أتيح لها اليوم فرصة لاستغلال مكاسب سياسية واقتصادية ودينية، فإنه قد لا يتاح لها فرصة قريبة بها الحجم، لذلك فمن المنطقى جداً أن الشيعة بدأوا بالفعل اقتناص الفرصة .
وذلك عبر الاستحواذ على كبريات الشركات الاقتصادية العملاقة فى العالم، إلا أن شيعة الخليج حاولوا لعب دور مهم غير معلن فى الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية فى الأهمية داخل مجتمعاتها. حيث يلاحظ وجود كثير من النشاطات التجارية المهمة والقوية التى يتحكمون بها فى الخليج، بعضها معروف للناس، وأكثرها غير معروف .
بالإضافة لذلك، يلاحظ كثرة التوجه التحصيلى لدى شبابهم فيما يتعلق بالدراسة فى الجامعات الخليجية، فبالإضافة للأعداد الكبيرة من المدارس التعليمية فى مناطقهم، فإن الكثير منهم يتابعون دراساتهم وتحصيلهم العلمى فى الجامعات والمعاهد، كما يلاحظ توجههم لدراسة التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها، والفروع الخاصة بالبتروكيميا واستخراج النفط والمعاهد التقنية والتكنولوجيا. كما يحتل تُجّارهم مكانة كبيرة ومهمة فى تجارة بعض أنواع البضائع فى المنطقة، منها الذهب والسمك.....
ولا يقتصر الأمر على الاهتمام بالنواحى الاقتصادية، حيث يبدو أن لهم سياسة اجتماعية تتمثل بمحاولة زيادة أعدادهم بتشجيع الزواج والتناسل فيما بينهم، ولذا فإن من الملفت للنظر إقامتهم مهرجانات زواج جماعى يتزوج فيها بليلة واحدة العشرات منهم. كما أنهم يسعون لتوزيع كتبهم الشيعية لعامة الناس، ونشر معتقداتهم وأفكارهم، والترويج لشيوخهم وأئمتهم، كما يطالبون ببناء أضرحة وإقامة حوزات علمية، وما إلى ذلك من محاولات تضخيم مكانة الشيعة فى الخليج عموما.ً