جولة الصحافة\العدد الثالث والثمانون - جمادى الأولى 1431 هـ
فتوى قتل سلمان رُشدي أنقذت الخوميني من تدهور شعبيته
السبت 10 أبريل 2010

حمد بن عبد العزيز العيسى - صحيفة القاهرة المصرية 6/4/2010 العدد 517

[ هذا المقال يبرهن لنا على ضرورة تفحص الشعارات الجماهيرية التي تطلقها النظمة الثورية للتعمية على مصائبها وخياناتها، وأن أمتنا للأسف تنساق بسهولة خلف هذه الشعارات الزائفة، ولذلك لا يزال سلمان رشدي يتنفس الهواء في حين أن ألوف السنة قتلهم الخميني ونظامه في كثير من بلاد الإسلام، مثل تفجيرات بغداد الخيرة عقب ظهور نتائج الإنتخابات. الراصد]

تُنسب إلى الفوهرر أدولف هتلر مقولة وجدتها مناسبة لتقديم هذا البحث " الناس لا تصدق الكذبة الصغيرة بل تفضل الكذبة الكبيرة " وفي السطور التالية سنفكك بحول الله وتوفيقه واحدة من أكبر الكذبات في التاريخ الاسلامي المعاصر، بل لعلها أكبرها على الإطلاق، ونقصد تحديداً دوافع الإمام آية الله الخوميني لإصدار فتواه الشهيرة ضد رواية "آيات شيطانية" للروائي الهندي البريطاني سلمان رشيدي، وتعتمد هذه الدراسة على كتاب "الرقابة في المجتمعات الإسلامية" censorship in Islamic societies  الصادر بالانجليزية عن دار الساقي في بيروت عام 2002 للمؤلف البريطاني تريفور موستين في 216 صفحة من الحجم الوسط.

ونظرا لمكانة الإمام آية الله الخوميني لدى عشرات ملايين الشيعة في العالم قمنا بشراء وقراءة أهم مرجع اعتمد عليه موستين من ضمن 27 مرجعا اعتمد عليها في مناقشة وتحليل موضوع تلك الرواية في كتابه، ونقصد تحديداً كتاب المؤرخ الإيراني "باقر معين" كاتب تلك السيرة الذاتية الموثقة بالانجليزية للخوميني، (التي يمكن وصفها بشبه الرسمية) وصدرت باللغة الانكليزية بعنوان " خوميني حياة آية الله " komeini : the life of the ayatollah  ، وقد حصلنا على الطبعة الفاخرة من كتاب باقر معين (غلاف صلب "هارد كوفر دار "توماس دن" 369 صفحة حجم وسط) وقمنا بمراجعة وتدقيق (بعض) استشهادات واقتباسات موستين ومطابقتها مع كتاب باقر معين حتى نتأكد مع صحة كلام موستين الذي وجدنا كلامه ونقله دقيقا للأسف وينسف خرافة الدافع الديني لتلك الفتوى الشهيرة، ولكن لأن الحقيقة أهم من أي اعتبار لدينا، نرصد ونحلل ونترجم ثم نلخص ونكتب أهم ما وجدناه في كتابي "موستين" و"معين" ونخلص في النهاية إلى النتيجة المؤلمة بعد سرد المقدمات والله أعلم بما في النفوس وهو حسبنا ونعم الوكيل.

تعريف بالمؤلف: تريفور موستين، صحفي ومؤلف بريطاني ومستشار إعلامي متخصص في شؤون العالم العربي وإيران والهند، سافر إلى الهند لأول مرة عام 1965 وعاد منها عبر أفغانستان وإيران والعراق مكتسبا خبرات عديدة ومسجلا ملاحظات كثيرة، و كتب لمجلة نيوستيتمان وهيرالد تربيون والفاينانشيال تايمز ومن ثم أصبح مدير النشر لمنطقة الشرق الأوسط لدار ماكميلان البريطانية العريقة والضخمة، كما واصل الكتابة لمجلة بروسبكت المرموقة وملحق تايمز الأدبي الشهيرTLS  وعمل محاضراً في معهد رويترز للصحافة التابع لقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد، كما قدم برنامجا على التلفزيون بعنوان "الشرق الأوسط اليوم" وأصدر عدة كتب مهمة عن الشرق الأوسط، يعمل حاليا محررا في مجلة "ميد"MEED المرموقة والمتخصصة في اقتصاديات الشرق الأوسط.

عوامل سياسية داخلية وخارجية: بحسب موستين "هناك العديد من العوامل والضغوط السياسية الداخلية والخارجية التي دفعت الإمام آية الله الخوميني لإصدار فتواه الشهيرة ضد رواية آيات شيطانية وسنحاول تلخيص أهم هذه الضغوط مع دعوة ورجاء للقراء لملاحظة وتأمل "تواريخ" بعض هذه الأحداث خاصة "الخارجية" نظراً لأهميتها الفائقة.

صدرت الطبعة الأولى من رواية "آيات شيطانية" في بريطانيا في 19 سبتمبر 1988 عن دار "فايكنغ برس" في 547 صفحة في طبعة فاخرة ذات غلاف صلب"هارد كوفر".

أول تعليق للخوميني: بحسب باقر معين في بداية فبراير 1989 قدم أحد مستشاري الخوميني ملخصا بالفارسية للرواية المعروفة وقرأ الخوميني الملخص ثم علّق باستخفاف أمام بعض مريديه ونُشر تعليق الخوميني في الصحافة الإيرانية في 2 فبراير 1989 وجاء فيه حرفيا "بحسب موستين": العالم كان دائما مليئا بالمجانين الذين يقولون مثل هذا الهراء، هذا الأمر لا يستحق حتى مجرد الرد عليه"!!

الضغوط السياسية الداخلية والخارجية العنيفة المتتالية والمستمرة منذ نجاح الثورة نتج عنها تدهور شعبية الإمام آية الله الخوميني وبالتالي بحثه عن أي طريقة لاستعادة شعبيته داخلياً وخارجياً، وسنقوم بسرد هذه الضغوط بالتفصيل لاحقاً.

سببت العوامل السياسية "الداخلية" ضغوطاً عصبية هائلة على نفسية الخوميني بسبب كثرة النقد الموجه ضده داخليا وفقدان شعبيته داخليا في الغالب بسبب تدهور وضع حقوق الإنسان مما أدى إلى استياء المثقفين وهجرتهم وتمرد بعض كبار رجالات الثورة عليه.

الضغوط الداخلية تكونت بصورة تراكمية بحيث أدت في النهاية لتهيئة البيئة النفسية المناسبة في فكر الخوميني لصدور الفتوى ولكن الضغوط الخارجية حددت تاريخ صدور الفتوى بالضبط كما سيرد لاحقاً.

وبخصوص الضغوط الداخلية فقد كانت تتلخص في نقد عنيف للنظام من شخصيات مقربة منه وتركزت معظم بل ربما جميع الانتقادات حول تدهور وضع حقوق الإنسان بصورة مرعبة، ولم تؤد الضغوط الداخلية بصورة مباشرة إلى تحديد تاريخ صدور الفتوى الشهيرة بالضبط ولكنها تراكمت حتى أوجدت المناخ النفسي الملائم للفتوى في تفكير الخوميني كما سنذكر لاحقاً.

الضغوط الداخلية: دعونا نبدأ بالعوامل الداخلية التي سنسردها بسرعة نظرا لكثرتها، ويمكن اعتبار هذه العوامل بمثابة المقدمات التي تؤدي للنتائج "كما يقول الفلاسفة وقد لا يكون هناك روابط مباشرة واضحة بينها وبين صدور الفتوى ولكنها كما أسلفت خلقت البيئة النفسية و الظروف المناسبة ومهدت الطريق حتى حسمت الضغوط الخارجية وقت صدورها بالضبط، وسنبدأ بسرد سريع للضغوط الداخلية العنيفة العديدة ثم ننتقل للضغوط الخارجية الحاسمة:

* تمرد بازركان: تسبب انقلاب بعض أبناء الثورة عليها ونقدهم لنظام الثورة بصدمة  نفسية كبرى للخوميني ويأتي في مقدمة هؤلاء المنتقدين المنقلبين المتمردين المهندس الدكتور مهدي بارزكان أول رئيس وزراء لإيران بعد الثورة والذي اختاره الخوميني لنفسه لرئاسة الوزراء ومنحه ذلك الاختيار درعاً واقياً ضد أية اتهامات كيدية مرسلة لاحقاً خاصة التهم المعلبة " مناهضة الخوميني" أو "مناهضة الثورة الإسلامية".

وكان بازركان قد استقال من رئاسة الوزراء احتجاجاً على اقتحام السفارة الأمريكية في طهران من قبل طلاب ثوريين إيرانيين ومساندة الخوميني لذلك الاقتحام والاحتجاز مما أدى بحسب بازركان إلى "تشويه سمعة إيران إلى الأبد ووصمها بالدولة التي لا تحترم ولا تعترف بالقانون بطريقة أكسبتها سمعة سيئة لا يمكن وصفها بالكلمات وبصورة لا يمكن إصلاحها مطلقاً"!!

وبعد استقالته واصل بازركان نشاطه داخل إيران ليقود الحركة الوطنية الديمقراطية، وكان سر وقوة نفوذ بازركان الطاغي وقدرته على توجيه النقد اللاذع للنظام من كون الخوميني اختاره بنفسه لرئاسة الوزراء، وتم ذلك الاختيار لكون بازركان في الاصل مهندساً مرموقا حيث كان أول رئيس إيراني لقسم الهندسة في جامعة طهران ولكونه قيادياً تكنوقراطياً لامعاً، لأنه أول شخص إيراني يرأس "شركة النفط الإيرانية" بعد تأميمها وفي نفس الوقت كان يُعتبر أيضا بحق "مفكراً إسلامياً " إيرانياً مرموقاً، ومواطناً إيرانيا متديناً ونظيف السمعة وليس فاسداً لا يمكن وصفه بعلماني أو ملحد ولا يمكن مطلقا المزايدة على حبه لوطنه إيران ولدينه الإسلام، وكان حلمه الأكبر الذي سعى له طوال حياته هو تحقيق "حكم القانون" و "حماية حقوق الإنسان" في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ويلخص موستين في صفحة 24 ( نقلاً عن باقر معين) مأساة الفكر بازركان حرفياً: " ناضل أول رئيس وزراء لإيران بعد الثورة بقوة لترسيخ دور القانون في إيران، ولكن خوميني كان لديه أجندة أخرى".

هجرة المثقفين الإيرانيين: وبعد تردي وضع حقوق الإنسان بدرجة مرعبة برزت ظاهرة هجرة جيل كامل من المثقفين (أساتذة جامعات وفنانين وكُتّاب) إلى المنفى في الغرب خوفاً من الاتهام  بـ ( معاداة الثورة/ الإسلام / الخوميني).

تجرأ بازركان كمثقف تهمه مصلحة وطنه ودينه وكتب رسالة تاريخية مفتوحة إلى رئيس البرلمان وقتها حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني نقد فيها النظام الثوري مباشرة بعنف، ونقد الإمام الخوميني بصورة مبطنة غير مباشرة، وطالب بازركان البرلمان في رسالته بجرأة غير مسبوقة مطلقا "بحماية حقوق الإنسان، وتحقيق الحكم بالقانون وتغيير اسم "الجمهورية الإسلامية الإيرانية "إلى "الجمهورية الديمقراطية الإسلامية"  لتحقق الحكم الدستوري بالقانون بدل حكم رجال الدين، وبسبب هذا التصريح القوي والجرئ الذي أصاب الثورة في مقتل من رجل لا يمكن اتهامه بمعاداة الثورة أو الخوميني أو الشعب الايراني كما أسلفنا بأي صورة وتحت أي تأويل، تم التضييق على بازركان سياسياً ومُنع عدة مرات لاحقاً من حقه المشروع للترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية حتى وفاته عام 1995 بل واضطر بازركان – في فترة ما- للهجرة الى سويسرا خوفا على حياته من الرعاع والغوغاء.

وبعد منعه حقه في الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية لاحقاً قال بازركان: "إن أعظم تهديد للمسلمين في إيران منذ الثورة كان ولا يزال تجربة العيش تحت حكم الجمهورية الإسلامية"!!.

تمرد الرئيس بني صدر: ويؤكد موستين:" ولكن أبرز ضحية للخوميني كان بحق أول رئيس للجمهورية الإسلامية السيد أبو الحسن بني صدر صاحب التاريخ النضالي الناصع ضد الشاه، ولكن لسوء حظه أشار بني صدر بحسن نية في حوار صحفي عابر وسريع بأن من أهدافه كرئيس للجمهورية تحقيق حكم القانون وفُهم هذا من بعض المتربصين به بأنه يخطط لعزل الخوميني الذي كان البعض يعتقد أنه يحكم بتفويض إلهي بسبب فكرة "ولاية الفقيه"، ولذلك في اليوم التالي بعد نشر تصريحه عزله الخوميني من رئاسة إيران، ثم أصدر رجل دين مغمور فتوى تهدر دم رئيس الجمهورية (بني صدر) بدعوى معاداة الإسلام والثورة (أي الخوميني) ليسدد بعدها بني صدر أكبر طعنة وإهانة للخوميني وللثورة الإيرانية عندما اختفى بعد فتوى هدر دمه ثم هرب إلى فرنسا متنكراً في زي امرأة بعدما حلق شنبه خوفا على حياته، ولا يزال بني صدر يعيش في باريس تحت حراسة أمنية مشددة لحمايته من الاغتيال حتى اللحظة.

وسبّب هرب بني صدر حرجا ضخما للخوميني ونظامه ونتج عنه ضغط نفسي هائل على الإمام آية الله الخوميني لكون هروب رئيس الجمهورية يعني عملياً "فشل" الثورة ونظام الخوميني (ولاية الفقيه) وخاصة لكون الخوميني هو الذي اختاره بنفسه لرئاسة الجمهورية.

تقرير صحفي محرج: ويشير موستين ثم تزايدت الضغوط النفسية على الخوميني وبدأت الثورة بالفعل تأكل أبناها كما يقال حين نشرت جريدة صنداي تايمز المرموقة والموثوقة وذات المصداقية العالمية تقريراً خطيراً عن نظام الخوميني جاء فيه أن هناك على الأقل 1700 مواطن ايراني قُطعت أيديهم خلال سنة واحدة، كما تم إعدام 2000 مواطن إيراني تقريبا خلال سنة أيضا لأسباب سياسية منهم 48 مثقفاً بدون محاكمات قانونية مطلقا وبتهمة واحدة تقريباً "معاداة الثورة".

وجاء في تقرير صنداي تايمز أن القانون الإيراني هو القانون الوحيد في العالم الذي يعاقب على ممارسة افعال ثقافية مثل التفكير والقراءة واستشهدت الجريدة ببنود محرجة للخوميني من القانون الإيراني تُجرم أفعالا ثقافية كالقراءة والتفكير بخلاف ما يراه رجال الدين مناسباً.

تمرد آية الله منتظري: ثم برز الناقد الأهم والضحية الكبرى للخوميني وهو آية الله حسين منتظري (1922-2009) تلميذه وصديقه وخليفته الذي كان الخوميني يحبه ويعامله كابنه والذي أهانه الخوميني وحكم عليه بالإقامة الإجبارية، عندما تجرأ على نقد تدهور وضع حقوق الإنسان الذي وصل إلى الحضيض بعد قتل واغتيال بعض المثقفين بصورة غامضة على يد بعض المتزمتين دينيا مما نتج عنه ظاهرة هجرة جيل كامل من المثقفين الى الغرب (كتاب وفنانين وأساتذة جامعات) يقدرون بالآلاف كما أسلفنا واستغلت الصحافة العالمية تلك الهجرة للطعن في الإسلام وليس إيران.

وكانت القشة التي قصمت ظهر منتظري وقضت على مستقبله السياسي نهائيا، هي تلك الرسالة الشخصية الجريئة والصريحة التي وجهها إلى أستاذه الخوميني والتي جاء فيها حرفيا (بحسب مسوتين): "سجون الثورة أسوأ من سجون السافاك والشاه"، وذلك بسبب انتشار أخبار مؤكدة عن انتهاكات رهيبة لحقوق الانسان في السجون وصلت لدرجة متوحشة مثل الاغتصاب والتعذيب والقتل للمعارضين لنظام الخوميني، وهي الرسالة التي تم تسريبها عمداً (بحسب موستين) للصحافة العالمية، وسببت حرجا عظيما للخوميني مما جعل الخوميني يغدر بتلميذه وصديقه وخليفته الذي اختاره بنفسه ليكون مرشدا للثورة بعد وفاته حيث أهانه وشتمه علناً، ولم يناقش معه رسالته الناصحة وحكم عليه بالإقامة الجبرية في منزله وعزله من جميع المناصب باستثناء التدريس لأنه لا يملك منعه من ذلك بحسب التقليد الشيعي.

يقول معين (ص 299) بينما كان منتظري يجادل دفاعا عن آرائه بوجوب حماية حقوق الإنسان مستشهداً بأمثلة من رحمة وعفو الرسول صلى الله عليه وسلم عن أعدائه، كان الخوميني يرد في أحاديثه مستشهدا بحوادث عنيفة من السيرة خارج سياقها لتبرير العنف.

ثم يتهكم موستين بحق (ص 24) هذا هو الرجل الذي وصفه كاتب سيرته الذاتية باقر معين      (خوميني: حياة آية الله صفحة 277) بأنه إنسان رحيم لدرجة أنه يتفادى قتل الذباب الذي يضايقه بحيث يقوم الخوميني بهش وطرد الذباب برقة ولطف بطرف عباءته !

نكتفي بهذا السرد السريع لبعض الحوادث التي شكلت الضغوط الداخلية لصدور الفتوى والآن ننتقل الى الضغوط الخارجية:

ضغط "لقب خادم الحرمين": في عام 1986 أعلن عاهل السعودية الملك فهد عن تغيير لقبة من ملك إلى "خادم الحرمين الشريفين"، وشعر الخوميني بالصدمة والأسى لأنه كان يتمنى مثل هذا اللقب العظيم ليتوج نفسه "زعيما للعالم الإسلامي" لانه كان "يتوهم" أن نجاح ثورته ضد الشاه تؤهله لذلك الشرف الرفيع وتسبب الإعلان عن ذلك اللقب في صدمة نفسية عميقة للخوميني كما نقل ذلك مريدوه.

فشل الحرب العبثية مع العراق: ويضيف موستين ثم كان استمرار الحرب مع العراق بدون حسم يشكل ضغطا مدمرا وكارثيا لشعبية الخوميني حيث استمرت الحرب سجالا بين البلدين إلى أن وافق الخوميني لقبول وقف اطلاق النار في 8 أغسطس 1988 بعدما حققت القوات العراقية تفوقا عسكريا مهما وملحوظاً بعد تلقيها دعما لوجستياً غربياً قويا بما في ذلك خرائط بالأقمار الصناعية عن مواقع وتحرك القوات الإيرانية.

ووصف الخوميني قبوله بوقف إطلاق النار بأنه مثل تجرع كأس السم، ولم يكن يبالغ في ذلك الوصف بل يعكس حقيقة حالته العصبية والنفسية المتأزمة لكثرة النقد الداخلي من أقرب المقربين ولكونه كان قد تعهد مراراً بتحرير شيعة العراق من حكم صدام حسين ثم فشل في تحقيق وعده!! أما نتيجة الحرب فكانت تدمير اقتصاد البلدين وعودتهما إلى الوراء عشرات السنين كما هو معروف، وأخيراً انتهت الحرب العبثية بهدنة كانت عبارة عن تسوية لحفظ ماء الوجه للطرفين بعد دمار ضخم للبلدين وفشل الخوميني في تحقيق وعوده بتحرير شيعة العراق.

سبب الفتوى المباشر: ويؤكد موستين: وبعد فشل الحرب مع العراق، تدهورت شعبية الخوميني داخل إيران إلى الحضيض بسبب وجود بيئة مهيئة لذلك تمثلت في وجود انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وهجرة المثقفين وتمرد بعض كبار رجالات الثورة كما أسلفنا، وهكذا تواصل الضغط النفسي الهائل على الخوميني ولكن أضيف إليه هذه المرة ضغط سياسي عنيف من خارج إيران، عندما اقترب موعد انسحاب آخر جندي سوفيتي من أفغانستان وهو التاريخ المحدد سلفاً تماما وبالضبط في 15 فبراير بحسب اتفاقية ومعاهدة دولية "غير رسمية" تمت في جنيف بين أطراف النزاع الرئيسة في 1988 والتي عقدت قبل عشرة شهور تقريبا من صدور فتوى الخوميني وتم فيها إعلان موعد معين ومتفق عليه لانسحاب آخر جندي سوفيتي رسميا من أفغانستان وهو تاريخ 15 فبراير 1989.

وكان اقتراب هذا هذا التاريخ يعني تحقق وثبوت هزيمة الاتحاد السوفيتي الملحد وبالتالي حدوث كابوس مزعج للخوميني يتمثل في حصول خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز والمملكة العربية السعودية التي دعمت بقوة المجاهدين الأفغان على سمعة حسنة وشعبية ضخمة في العالم الإسلامي كحامية للإسلام ومدافعة عن المسلمين نظراً لنجاحها في صد عدوان الملاحدة السوفيت عن أفغانستان، وكان هذا الأمر يمثل كابوساً غير مقبول مطلقا عند الخوميني لا سيما وأنه كان يتوق ويتوهم أنه "يقود الشعوب الإسلامية" بسبب نجاح ثورته ضد الشاه كما أسلفنا وهي ثورة غير مسبوقة تاريخيا أكسبته كثيراً وجعلته يتوهم أنه يقود الشارع الإسلامي ولكنها أخفقت داخليا كثيراً وأصابها العطب بعد تمرد أبناؤها عليها كما سلف.

وهكذا كان لاقتراب الموعد الرسمي المحدد سلفاً لانسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان بالضبط في 15 فبراير 1989 ضغط نفسي هائل على الإمام آية الله الخوميني أو زعيم شيعة العراق.

مظاهرة في باكستان: وفجأة حدثت في 12 فبراير 1989 مظاهرة سياسية ضخمة في مدينة إسلام أباد في باكستان حيث تظاهر عشرة آلاف باكستاني تقريبا وحاصروا المركز الثقافي الأمريكي محتجين على صدور رواية "آيات شيطانية"، ونتج عن ذلك مقتل العشرات من الباكستانيين الأبرياء بسبب التدافع والفوضى وكان الخوميني يحلم ويأمل دائماً في كسب ود وتعاطف الشارع الباكستاني السني المشهور بالغوغائية لوجود حزب إسلامي قوي ومشاغب في المعارضة وأيضا بسبب الحماس/الالتزام الديني الكبير في الشارع الباكستاني وكذلك بسبب القرب والتجاور الجغرافي بين البلدين.

الخوميني يبلع كلامه: وهكذا ونظرا لما سبق ذكره وبصورة مفاجئة تماما للمراقبين أصدر الخوميني في 14 فبراير 1989 بعد يومين فقط من مظاهرة باكستان وقبل يوم واحد فقط من انسحاب السوفييت رسميا من أفغانستان الفتوى الشهيرة التي جاء فيها "أدعو جميع المسلمين الغيورين على الإسلام لقتل مؤلف وناشر هذه الرواية " وذلك تماما بعكس تصريحه الأول في أوائل فبراير 1989 الذي قال فيه كما أسلفنا بعدما قرأ ملخص الرواية بالفارسية " العالم كان دائما مليئا بالمجانين الذين يقولون مثل هذا الهراء، هذا الأمر لا يستحق حتى مجرد الرد عليه" !!

نجاح ساحق للفتوى: وهكذا نجحت الفتوى نجاحاً ساحقاً في تحقيق هدفها ولفت الأنظار إلى الخوميني وزيادة شعبيته المتدهورة والتغطية جزئيا على مشاكله الداخلية وحصوله على سمعة كبيرة في الشارع الإسلامي، لأنها دغدغت مشاعر المسلمين نظراً لكون تلك الرواية الحقيرة كانت قد سببت بالفعل صدمة نفسية وإهانة ضخمة للمسلمين في كل مكان، بل ونجحت الفتوى في التغطية والتفوق تماما إخباريا على انسحاب السوفيت من أفغانستان، وحرمت السعودية مؤقتا من الحصول على فضل صد عدوان ودحر السوفيت، وأكبر دليل على هذا النجاح هو أننا اضطررنا إلى كتابة هذه الدراسة السريعة لتوضيح أمر واضح لكل من عاش تلك الفترة حيث يقول الفلاسفة من المعضلات توضيح الواضحات !! ومن أدلة نجاح هذه الفتوى الساحق كذلك عدم تذكر الناس خبر انسحاب السوفييت بينما يعرف الجميع خبر صدور تلك الفتوى الشهيرة !! فيا للعجب.

ورغم كل ما سقنا من شواهد وأدلة دامعة فنحن لا نجزم بصحة تحليلنا 100 % لأن الله سبحانه وتعالى وحده هو العالم بما في  النفوس.

 

 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: