ديفيد شينكر – مدير برنامج السياسات العربية بواشنطن انستتيوت لسياسة الشرق الاوسط
مجلة الوطن العربي 24/3/ 2010 باختصار يسير
بعد مرور أيام قليلة من زيارة أعلى مسؤول اميركي لسورية منذ سنوات، جاء الاستقبال الحار لاحمدي نجاد عقب الزيارة الدبلوماسية الاميركية ذات النوايا الحسنة بمنزلة استخفاف سوري موجه لإدارة أوباما، والاكثر من ذلك هو ضيف الشرف الآخر للرئيس الأسد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني.
وبالنسبة لدمشق وطهران فإن حزب الله كان دوما أحد الاصول الاستراتيجية ومثار فخر، وبالفعل عقب قتال المنظمة الشيعية عام 2006 ارتفعت أسهم حزب الله في العالم العربي فحسب، بل صار حزب الله التجسيد الاكثر إيجابية للشيعة في المنطقة التي تسودها أغلبية من المسلمين السنة.
كان ذلك خلال عام 2006 أما اليوم ففي الوقت الذي يظل فيه حزب الله قوة مقاومة مخيفة، فقد شهد العامان الماضيان عدداً من الانتكاسات التي لطخت صورة المنظمة التي تم ترسيخها بعناية في لبنان والعالم العربي ككل، ويمكن ألا تكون السلطة العسكرية لحزب الله مثار شك، غير أنه الآن وللمرة الأولى، بدأ اللبنانيون وغيرهم من مواطني الشرق الاوسط في إثارة الاسئلة حول الاخلاقيات المجردة عن المبادئ للمنظمة، فبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على تأسيسها، تحولت المقاومة لمؤسسة تسودها البيروقراطية، وبدأ حزب الله يصبح كغيره من المنظمات اللبنانية الفاسدة الأخرى.
بدأت مشكلات حزب الله في مايو/ أيار 2008 عندما خالفت المليشيا قانونها الأساسي وصوبت أسلحتها تجاه مواطنين لبنانيين وذلك عندما غزت الجماعة بيروت، واستمراراً لهذا النهج، وبعد مرور ثلاثة أشهر فتحت المليشيا النار "دون قصد كما يدعي حزب الله" على هليكوبتر تابعة للجيش البناني ليلقى مساعد الطيار مصرعه، لاحقاً تم القبض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 على خلية تابعة لحزب الله تتألف من 49 عضواً في مصر.
وتواصلت الانتكاسات خلال عام 2009، وكانت أولاها تقريراً مسيئا ورد في عدد شهر مايو/ أيار من مجلة دير شبيجل يشير ضمنيا الى تورط الجماعة في اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري عام 2005 ( قامت صحيفة لوموند بتأكيد هذه المزاعم مؤخراً)، وبعد مرور شهر، خسرت المليشيا اللبنانية ذات التأييد الكبير الانتخابات اللبنانية أمام معارضيها الموالين للغرب.
وما زاد الامر سوءاً أنه بعد أقل من أسبوع على هزيمة الحزب في الاقتراع، تلقى الحزب ضربة أخرى عندما اندلعت المظاهرات الحاشدة في ايران معارضة للانتخابات التي جرى وصفها بالمزورة. وتحدت الحشود القيادة الدينية وعقيدتها المثيرة للجدل وهي ولاية الفقيه "الحكومة الاسلامية" مهددين سلطة علي خامنئي الزعيم الروحي والراعي المالي لحزب الله.
وكأن ذلك لم يكن كافيا، ففي سبتمبر/ أيلول 2009 أشهر صلاح عز الدين إفلاسه في مخطط فساد ضخم، ويعتبر صلاح عز الدين من كبار ممولي الحزب المحليين، وكان عز الدين الذي يعد بمعدلات عائد تصل إلى 80 % قد انتهى به المطاف متهما بخداع 10 آلاف شيعي لبناني والاستيلاء منهم على مبلغ يصل إلى 300 مليون دولار أميركي.
ومن بين الانتكاسات التي شهدها العامان الماضيان، كانت قضية عز الدين القضية الاكثر ضرراً بحزب الله حيث كانت قيادة حزب الله على علاقة وثيقة بهذا الممول الموصوم بالخزي، وهي العلاقة التي دفعت العديد من المستثمرين إلى الثقة به ومنحه اموالهم لاستثمارها (كان عز الدين قد اطلق على المطبعة الخاصة به اسم الهادي على اسم نجل حسن نصر الله) وأدت العلاقة مع عز الدين لتوريط حزب الله في النوع نفسه من الفساد الذي يتم به الحزب عادة الحكومة السنية الموالية للغرب في بيروت بارتكابه.
وإدراكا من الحزب لأثر العواقب عليه دخل الحزب مرحلة احتواء الضرر، حيث أنكر نصر الله في أكثر من مناسبة أي صلة بتلك القضية، مدعياً أن الحزب نفسه خسر 4 ملايين دولار، ووفقاً لموقع إيلاف فقد طلب حسن نصر الله من علماء حزب الله إصدار توجيه "شبه فتوى" يحظر ذكر المليشيا فيما يتعلق بالفضيحة خشية أن يوفر ذلك مادة خصبة تستغلها الدعاية الاسرائيلية والأمريكية في زيادة تلطيخ اسم المنظمة.
غير أن الضرر كان قد وقع بالفعل، وكان مقال نُشر بجريدة "الأخبار" اليومية المؤيدة للحزب، كتبه إبراهيم الامين محرر الجريدة، قد رسم صورة معبرة عن مشاعر مؤيدي حزب الله، وذلك عقب اندلاع الفضيحة بفترة قصيرة، فقد اتهم "الأمين" المنظمة بالنعومة بعد مرور عقود من الصعوبات وبدء حياة رغدة يشوبها "الطمع"، وكتب أن نمط الحياة هذا "معارض لمبدأ التضحية"، الذي كان ذات مرة علامة مميزة للمقاومة، واختتم الأمين مقاله بتلميح حيث أشار إلى أورى لوبراني مستشار وزارة الدفاع الاسرائيلية الشهير في لبنان الذي قال منذ سنوات إن اسرائيل لن تتمكن من هزيمة حزب الله إلا عندما "تصيبه عدوى منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان أي عندما يغير مظهره ويصبح برجوازياً".
وليس من الواضح إلى أي مدى تؤثر تلك الفضيحة وغيرها من العثرات على موقف الحزب في أرجاء العالم العربي، ورغم أن العديد من استطلاعات الرأي الإقليمية لا يمكن الاعتماد عليها، إلا أنها تعكس بعض الاتجاهات، وتشير استطلاعات أجراها مركز بيو عامي 2007 و 2009 إلى استمرار زيادة ثقة الشيعة في نصر الله بنسبة كبيرة تصل إلى 97% عام 2009، ورغم ذلك وخلال العامين نفسيهما تراجعت ثقة المسلمين السنة في السيد حسن لتنخفض من 9 % الى 2 % (و أوضح الاستطلاع نفسه الذي أُجري عام 2009 تراجع وجهات النظر المؤيدة للحزب عام 2007 بين المصريين والأردنيين والفلسطينيين).
كما أوضحت الاستطلاعات الاخرى تراجع تأييد العرب للحزب، و وفقا للاستطلاعات التي أجرتها مؤسسة زغبي الدولية مؤخراً، كان نصر الله قد تصدر أعلى الاصوات عام 2008 "بنسبة تصل إلى 27 % "، وذلك عندما سُئل العرب عن أكثر القادة الخارجيين إثارة للإعجاب، بينما حصل على نسبة 11% فقط عام 2009- وذلك حتى قبل الاعلان عن قضية عز الدين.
ورغم صعوبة اثبات ذلك، فقد استند الاستطلاعان إلى استطلاع الرأي العام والادلة القصصية، ويبدو أن العامين الماضيين أضعفا من شعبية حزب الله في المنطقة التي جاهد كثيراً للفوز بها، وبالطبع فإن الرأي العام متقلب، وهناك شك ما بأن شعبية الميليشيا ستزداد إذا اندلعت جولة جديدة من القتال بين الجماعة والحزب، فخلال حرب صيف 2006 التي دامت 33 يوماً، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة مشاهدة قناة المنار التابعة لحزب الله من المرتبة 38 لتصبح بين القنوات العشر الأعلى مشاهدة.
ومع ذلك تشير التحركات الاخيرة التي قام بها حزب الله إلى أن المنظمة تهتم بصورتها في لبنان والعالم العربي، ففي نوفمبر/تشرين الثاني على سبيل المثال وبعد شهرين من اندلاع الفضيحة، قام نصر الله بتغيير الموضوع ونشر "الميثاق" الجديد لحزب الله الذي يعتبر تحديثا لميثاق 1985، وكمثيله السابق كشف ميثاق 2009 عن العدواة لاسرائيل وأميركا، ورغم ذلك وفي الوقت نفسه سعى الميثاق الجديد لاجتذاب الجمهور العريض من المسلمين السنة عبر تخفيف نبرة الولاء التاريخي للقيادة الدينية في طهران، وبالمثل وبدلاً من حث المسيحيين البنانيين على التحول -بعبارات مثل "ندعوكم لاعتناق الإسلام" مثلما ورد في ميثاق 1985 تبنى الحزب لغة تصالحية أكثر استساغة تجاه رفاق الوطن.
وبالمثل ففي ديسمبر/كانون الأول ولمواجهة الانطباع المتنامي عن الفساد في حزب الله، أدلى حسن نصر الله بخطاب يهدف لتعزيز الولاء للقوانين اللبنانية، وضمن ذلك احترام اشارات المرور ودفع ثمن المياه والكهرباء التي تقوم الحكومة بتزويدها للمواطنين –وليس سرقتها- والامتثال لقوانين البلاد والقوانين المدنية ووضع حد لعمليات التهريب التي تُضعف الشركات اللبنانية، وتأكيد أهمية حضور الموظفين المدنيين لأداء وظائفهم وتأدية واجباتهم بالفعل.
وفي فبراير/ شباط الماضي بدأت المقاومة في العمل الحقيقي بأقصى طاقة، ففي البداية تعهد نصر الله خلال خطاب له في "أسبوع القادة الشهداء"- في سعي ملحوظ لاستعادة وضعه في الشارع العربي-بأنه خلال الحرب القادمة مع اسرائيل، فإن حزب الله سيجاري اسرائيل مهدداً "بضرب مطار بن جوريون" إذا استهدفت الدولة اليهودية مطار بيروت الدولي.
لاحقا وعقب خطاب اسبوع الشهداء، نشر موقع حزب الله على الويب مقابلة غريبة مع "خبراء اقتصاد" لبنانيين يدّعون أن إنشاء تهديد رادع موثوق به وهو ما يمتلكه حزب الله بالفعل "قد حسّن الموقف الاقتصادي في لبنان"، وبخاصة أداء بورصة بيروت، وليس من باب الصمادفة أن تنشر جريدة "الأخبار" في الوقت نفسه تقريباً استطلاعا لمركز بيروت للأبحاث والمعلومات الموالي لحزب الله، يشير إلى أن 84% من اللبنانيين "يثقون بقدرات المقاومة أمام أي هجوم اسرائيلي " وكان الجزء الأخير من لغز الجهود الذي يبذلها حزب الله لاعادة تحسين صورته في الداخل والخارج يتمثل في تعويض ضحايا مخطط الاحتيال الذي قام به عز الدين، ونظراً لعلاقة حزب الله الوثيقة بالممول فإن الشيعة الذين تعرضوا للنصب يطلبون من المنظمة استرداد اموالهم، وليس اللبنانيون فقط، و وفقاً للتقارير التي نشرتها الصحافة العربية خسر العديد من الشخصيات البارزة في نظام الاسد في سورية، وبينهم ماهر الأسد شقيق الرئيس وفاروق الشرع نائب الرئيس، استثماراتهم ويتطلعون إلى حزب الله –الذي اعتقل عز الدين حيث كان هارباً و يحمل في يده حقائب من النقود-لاستعادة حوالي 17 مليون يورو.
ومما لا يعتبر مثيراً للدهشة قالت صحيفة السياسة الكويتية بعددها الصادر بتاريخ 28 فبراير / شباط: إنه منذ وقت مضى اتصل نصر الله بخامنئي القائد الأعلى طالباً مبلغ 300 مليون دولار كتمويل لاحتواء أزمة الثقة في أوساط ناخبيه، وقد وافق خامنئي على الالتماس، و وفقا لجريدة السياسة تم تحويل الأموال لنصر الله بواسطة أحمدي نجاد عندما التقيا في دمشق خلال الاسبوع الماضي.
ومع توافر النقود سيتمكن حزب الله من استرضاء مناصريه، وبتهديده لاسرائيل فربما تتمكن المليشيا مرة أخرى من خلق بعض الحراك في العالم العربي، ورغم ذلك فإن ما أثبته العامان الماضيان هو انه إذا لم تكن "المقاومة" منخرطة في أعمال مقاومة فعلية " أي القتال الفعلي" ضد إسرائيل فسيكون اهتمام العالم العربي بالميليشيا محدوداً وبخاصة إذا كانت تهاجم السنة في الداخل وتقوض الانظمة العربية في الخارج.
وخلال العشاء الذي أقيم الاسبوع الماضي في دمشق أحمدي نجاد ونصر الله تعهد الاسد باستمرار دعم نظامه لحزب الله ، وقال الاسد إن دعم المقاومة واجب اخلاقي و وطني وشرعي ، وبعد انقضاء اربعة أعوام منذ آخر حرب مع اسرائيل ، والسلسلة اللاحقة من تجاوزات حزب الله ، رغم هيمنة الميليشيا الشيعية على السياسة اللبنانية يبدو أن عواطف الاسد اليوم يؤيدها من مواطني الشرق الاوسط ، وفي الوقت الذي تبذل فيه المنظمة جهوداً كبيرة لاستعادة الوضع في صالحها ، في ظل غياب حرب أخرى مع إسرائيل ، فمن المحتمل ان يستمر الاتجاه الاقليمي الخاص بتدني الدعم العربي لحزب الله.