إيران وإسرائيل نظامان يعتديان على الأمة الإسلامية بكل وحشية ووقاحة وهما يتبنيان إستراتيجية توسعية استيطانية، وأطماعهما معلنة معروفة وهي قائمة على أسس دينية، وإذا كانت سياسة إيران تقوم على حق الولي الفقيه الشيعي وأعوانه في حكم المسلمين وبلادهم باعتبارهم أنصار آل البيت، وأن المسلمين كفار مالم يؤمنوا بوليّهم الفقيه، فسياسة إسرائيل تقوم على حق أبناء شعب الله المختار بحكم فلسطين والعالم لأن البشرية بهائم خُلقت لخدمتهم!!
وإيران تسير على خطى إسرائيل لأنها في مقام الأخت الكبرى بالنسبة لها، من حيث التركيز على محاولة اختراق المجتمعات والتطبيع معها بعد أن خسرت إسرائيل تحقيق المكاسب من الحروب مع العرب، بعد أن أصبحت تواجه قوات وجيوشا تحررت من خيانة اليسار والاشتراكية كما حدث في معركة الكرامة بالأردن سنة 68 ومعركة العبور بمصر 73، ومعركة بيروت 82، ثم الانتفاضة الأولى 87، ثم انتفاضة النفق 96، ثم الانتفاضة الثانية 2000، وصمود غزة 2008، وانتصار غزة 2012، وطبعاً لا يذكر الإعلام الإيراني إلا حرب لبنان 2006!!
وكانت إسرائيل رسّخت وجودها بانتصارات في حروب كرتونية مع أنظمة العجز العربي عام 48 ومع أنظمة اليسار العربي عامي 56 و67 فكانت النتيجة ضياع فلسطين بالكامل، ولذلك تصارع إسرائيل بكل قوتها لبقاء نظام بشار الأسد !!
ومن هنا جاءت خطورة سياسة التطبيع مع الدول والمجتمعات التي تسعى لها إسرائيل وإيران بكل جدية وقوة، لما لها مكاسب عظيمة لتحقيق إستراتيجيتهم بشرعنة وجودهم في منطقتنا وتساهم بفاعلية على تغلغلهم في دولنا مما يجعلهم يمسكون بهدوء على مفاصل التحكم بالمجتمع، وعندنا نموذج التغلغل الإسرائيلي والإيراني في أفريقيا يكشف مخاطر سياسة التطبيع وأنها وصلت للهيمنة الكاملة على بعض الدول وقادتها.
والمقصود بالتطبيع بحسب تعريف الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل بأنَّه: "المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصًا للجمع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بين فلسطينيين، و/أو عرب، وإسرائيليِين، أفرادا كانوا أم مؤسَّسات، ولا يهدف- أي هذا المشروع أو النشاط- صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التَّمييز والاضطهاد الممارس بحقِّ الشَّعبِ الفلسطيني". وطبعاً التطبيع يكون على مستوى الأفراد والمؤسسات الأهلية، ويكون على مستوى الدول.
مكمن الخطورة في مفهوم "التطبيع" أنه يهدف بشكل أساسي لتمكين إسرائيل المتفوقة اقتصادياً وعسكرياً أن تتفرد بكل دولة عربية على حدة سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، بما يجعل من إسرائيل مركز النظام الاقتصادي والسياسي الإقليمي، وتكون الدول العربية هوامش وأطرافا.
وطبعاً التطبيع المرفوض هو شرعنة الوجود والعلاقة معه والتنازل عن الحقوق والمصالح من الدول والأفراد والمؤسسات الأهلية لعدم الحاجة والضرورة لها، لكن العلاقة السياسية مع إسرائيل على مستوى الدول خاصة دول الجوار بشرط عدم التفريط في الحقوق والثوابت وتكون العلاقات بمقدار الضرورة وبدون حميمية فهذا ليس من التطبيع المرفوض عند كل العقلاء.
ومن هنا نعود للتحذير من الجريمة البشعة التي يقع فيها كثير من الحركات والقوي والشخصيات الإسلامية والقومية بالتطبيع الفكري والديني والسياسي مع إيران برغم كل جرائمها البشعة بحقنا وعدوانها المستمر على ديننا ودمائنا وأموالنا بكل فجاجة ووقاحة وعلانية دون حاجة وضرورة.
قد نتقبل – تنزلاً – حاجة بعض الحركات الإسلامية للعلاقة السياسية مع إيران كما نتقبل علاقتها مع إسرائيل كحالة حركة حماس، لكن أن تحارب حماس وجماعة الإخوان التطبيع مع إسرائيل وتمارس التطبيع مع إيران وتحثّ عليه فهذا كيل بمكيالين، فما هو الفارق بين جرائم السياستين بحق أمتنا؟؟
خاصة وأن الثورة السورية فضحت المستور من السياسة الإيرانية المجرمة وأن إيران لا تدعم حماس إيماناً بدعم الحق بمقدار دعمها لما يحقق مصالح سياسة إيران، ولذلك حين رفضت حماس إبادة وتشريد الشعب السوري، أصبحت حماس عميلة لإسرائيل وخائنة للمسلمين، وزعيمها خالد مشعل مرتزق بلا ضمير!!
ومعلوم الجهود الكبيرة التي قامت بها جماعة الإخوان منذ ثورة الخميني 1979 لدعم الثورة والدعاية لشعاراتها وسياساتها، أما التقريب بين السنة والشيعة فهو نهج للإخوان يرجع لمنتصف الأربعينات من القرن الماضي على يد الأستاذ البنا رحمه الله، وهو ما عرّض جماعة الإخوان لسيل جارف من النقد واللوم على جهودها في تطبيع العلاقة الشعبية مع إيران والشيعة، واستمر هذا اللوم وزاد حين أصبح التطبيع مع إيران تقوم به الواجهات السياسية الإخوانية أيضاً مثل حركة حماس والنظام السوداني بقيادة حسن الترابي.
ولذلك صُدم الكثيرون من شكر قادة في حماس وحركة الجهاد لإيران عقب اندحار عدوان إسرائيل على غزة 2012 برغم تصريحات قادة إيران ببراءتهم من صواريخ حماس التي ضربت لأول مرة تل الربيع (تل أبيب) ومستوطنات اليهود في القدس!! وتفاقمت الصدمة مع ظهور يافطات ضخمة في غزة "شكرا إيران"، والجميع يعلم أن كثيرا من الصواريخ وصلت غزة من ليبيا عبر مصر عقب سقوط نظام القذافي وهي من أجمل بركات الربيع العربي!! ولعل من أجل هذا رفع خالد مشعل علم ليبيا ومصر وقطر في ذكرى إنشاء حماس في غزة.
فالدعم الإيراني – المبالغ فيه – للمقاومة الفلسطينية لم يكن مجاناً بل كان مشروطاً بالثناء والشكر لإيران والترويج لها، وكان مشروطاً بتقبل التشيع والسكوت عن نشاطاته وهو ما تحقق في قطاع واسع من قادة وأفراد حركة الجهاد الإسلامي خصوصاً، وتغاضي حماس عن ذلك لفترات طويلة.
فهذا الدعم الإيراني إن كان خالصاً لله لنصرة فلسطين فلماذا الإصرار على شكرها علناً وهي تتبرأ منه؟ وإن كان مشروطاً وهي الحقيقة فهذا هو التطبيع المرفوض، وإلا فتحنا الباب لشكر أمريكا على دعم المجاهدين الأفغان والثوار الليبيين، والجميع يعلم أن هذا الدعم لم يكن إلا لأن هناك مصلحة لهم في ذلك تتقاطع مع مصلحتنا.
لو حصل هذا الشكر لأمريكا من الأفغان والليبيين لكان الفلسطينيون وحماس أول المعترضين بدعوى أن هذا تفريط وتطبيع مع أمريكا العدوة للمسلمين وناصرة إسرائيل، ولكن شكر إيران هو أيضاً تفريط وتطبيع مع إيران العدوة للمسلمين والتي تحتل دولة الأحواز العربية والذين هم شيعة وتستولي على خيراتهم! وتحتل الجزر الإماراتية، وتهدد استقلال البحرين، وقتلت مئات الآلاف من العراقيين وخربت ديارهم وتتحكم في قيادة العراق الطائفية، وخطفت لبنان عبر ربيبتها حزب الله، أما سوريا فهي المأساة الدامية والجرح النازف.
فلذلك يجب على الحركات الإسلامية وخصوصاً حركة حماس إيقاف التطبيع مع إيران والشيعة وحصر العلاقة معهم في الشأن السياسي البحت إن لزم دون توسع أو حميمية.
ومن هذا المنطلق نثمن ونقدر بعض المواقف الإيجابية الجديدة للإخوان المسلمين التي تحارب التطبيع مع إيران على غرار تحذير الشيخ القرضاوي من خطر بث التشيع في مصر والدول الإسلامية، وفضح الكاتب المقرب من حماس ياسر الزعاترة من تمويل إيران وحزب الله لحمدين صباحي المرشح الرئاسي الناصري المتشيع ضد د.محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين لرئاسة مصر، وافتتاحية كلمة الرئيس المصري د.محمد مرسي بطهران في قمة عدم الإنحياز، وأيضاً فتوى د.همام سعيد المراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن بحرمة السماح بالسياحة الدينية الشيعية في الأردن.
إن التطبيع مع إيران على مستوى الدول والأفراد جريمة لا تغتفر لأنها تشرعن العدوان الإيراني على دولنا من جهة، وهي خذلان لكثير من إخواننا المسلمين وتفريط بدمائهم وحقوقهم من جهة أخرى، ولأن جماعة الإخوان تورطت بالتطبيع مع إيران والشيعة مدة طويلة فيقع على عاتقها اليوم أن تنبذه وتحاربه علناً وتقيم له لجانا شعبية خاصة على غرار التطبيع مع إسرائيل، لعلها تكفر عن خطئها ويتوب الله عزوجل عليها.