خفايا علاقات إيران ـ إسرائيل
تأليف : د. جاسم الحياني
"إن احتلال إيران للجزر العربية الثلاث خدم الكيان الصهيوني كثيراً، لأن قيام دولة معادية للعرب باحتلال واحد من أهم الممّرات المائية في منطقة الشرق الأوسط والعالم يعين تطويق العرب، وإنهاء دور المقاطعة الاقتصادية التي استخدمتها الأقطار العربية كسلاح ضد الصهاينة..".
"إن الدور الإسرائيلي في احتلال إيران للجزر العربية الثلاث كان واضحاً ابتداءً من فكرة الاحتلال وخطة الإنزال الجوي، وكيفية تقديم القطعات المهاجمة، فقدمت (إسرائيل) دعماً لوجستياً كبيراً لإيران، في الوقت الذي ضغط فيه اللوبي الصهيوني على عدد من الدول الموجودة في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الضمان سكوتها على المخطط الإيراني العدواني".
تكاد الفقرتان السابقتان تلخصان جزءاً هامّاً من كتاب هذا الشهر: "خفايا علاقات إيران ـ (إسرائيل) وأثرها في احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث 1967 ـ 1979" ، فالكتاب ـ باختصار شديد ـ يؤكد أن إسرائيل قدّمت لشاه إيران دعماً سياسياً وعسكرياً ومعنوياً لاحتلال ثلاث جزر إماراتية هي: طَنْب الكبرى وطَنْب الصغرى وأبو موسى في سنة 1971، ثم يؤكد المؤلف الدكتور جاسم إبراهيم الحياني، أن هذا الاحتلال قدم لإسرائيل خدمة كبيرة.
والدكتور الحياني، وهو من العراق، يقسم كتابه الصادر عن دار الأوائل في سورية، في سنة 2007م إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وقد تناول في الفصل الأول العلاقات الإيرانية الإسرائيلية للفترة من 1967 ـ 1971، أي من عدوان حزيران وحتى قيام إيران باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث، في حين تناول الفصل الثاني الادّعاءات الإيرانية في الجزر الثلاث، موضّحاً أبعاد هذه الادّعاءات، وخطورتها النظرية، بوصفها مهّدت الإطار لعملية الاحتلال الفعلية، وفي الفصل نفسه يتحدث المؤلف عن احتلال إيران للجزر، والعمليات العسكرية التي رافقت عملية الاحتلال، وأحقية الإمارات في السيادة على هذه الجزر.
وعرض الفصل الثالث الموقف العربي والدولي من هذا الاحتلال، في حين بعث الفصل الرابع الدور الإسرائيلي في دفع إيران لاحتلال الجزر سنة 1971، وأهدافها من وراء ذلك، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بعلاقات إيران الشاه، وإسرائيل.
والمؤلف، وهو يشير في مقدمة الكتاب الصادر في 240 صفحة من القطع المتوسط إلى الاهتمام الذي حظي به احتلال إيران للجزر من قبل العديد من الباحثين العراقيين والعرب، إلاّ أنه ينتقد في الوقت نفسه "أن إبراز الدور الصهيوني في احتلال إيران للجزر العربية الثلاث لم يكن بالمستوى نفسه" ص9.
ومن أجل تجلية هذه الأمر، الذي لم يولهٍ الباحثون الآخرون الاهتمام الكافي، فإن د. الحياني يبين في الفصل الرابع من الكتاب أن هدف إسرائيل من مساعدتها لإيران في احتلال الجزر يكمن في رغبتها بإشغال العرب عن مواجهة الصهاينة، وإضعاف قوتهم العسكرية، وإيجاد مناطق توتر داخل المنطقة العربية، وإشعار الأقطار العربية بأنه ليس الكيان الوحيد الذي اغتصب أرضاً عربية، وإنما هناك دول مجاورة للأمة العربية، وتحتل أراضيٍ وجزراً تابعة له، ليغطي على اغتصابه لأرض فلسطين" ص 168ـ 169.
وبحسب المؤلف، فإن إسرائيل، وكذلك الولايات المتحدة وبريطانيا سعتا من دفعهما إيران لاحتلال الجزر ودعمها في ذلك إلى فتح جبهة جديدة في الخليج العربي، علاوة على الجبهة الصهيونية لكي تضع المنطقة العربية بين فكّي كماشة إيران، وإسرائيل، و "لهذا، نجد أن الصهاينة رحّبوا كثيراً بخطوة إيران في احتلال الجزر العربية الثلاث، وضم هذه الجزر إلى أطماعهم التوسعية" ص167.
وإضافة إلى الأسباب السابقة، يضيف بأن إسرائيل سعت إلى ضمان تدفق النفط، ومروره عبر الخليج العربي إليها (ص 179).
أما المساعدة التي قدمتها إسرائيل لإيران لتسهيل احتلالها للجزر الثلاث فيتحدث عنها المؤلف قائلاً:
"تجسّد التنسيق الصهيوني ـ الإيراني لاحتلال الجزر العربية عندما وضع عدد من الخبراء العسكريين الصهاينة خطة الهجوم على الجُزر في قاعدة عبادان الحربية مع عدد من ضباط الأركان الإيرانيين، وتضمنت الخطة قيام القوات الإيرانية المسلحة بشنّ هجومها المسلح بعد اجتياحها لخطوط الحدود البحرية عن طريق تحشيد عدة آلاف من القوات المحمولة جوّاً، وإنزالها في طَنْب الكبرى والصغرى و (أبو موسى) في آن واحد" ص 170.
وما دام احتلال إيران للجزر الإماراتية تم بتأييد ودعم إسرائيلي، وحققت في الوقت نفسه لإسرائيل منافع عديدة، فقد أيّدت إسرائيل الاحتلال، وينقل المؤلف عن مجلة (كجالية) الخاصة بجيش الاحتلال الإسرائيلي قولها: "إن الخطوة التي اتخذتها إيران بسيطرتها على الجزر الموجودة في منطقة الخليج تخدم أهدافنا على المدى القريب والبعيد استراتيجياً واقتصادياً" ص 171.
كما أكدت صحيفة معاريف الإسرائيلية ـ حسب ما ينقل المؤلف ـ " أن إيران ـ بإقدامها على هذه الخطوة الكبيرة ـ أثبتت للغرب بأنها القوة الوحيدة في المنطقة التي تستطيع أن تحل محل بريطانيا المنسحبة من منطقة الخليج" ص172.
"وأعقب احتلال إيران للجزر.. قيام وفد عسكري صهيوني بزيارة طهران، والالتقاء بعدد من ضباط الأركان الإيرانيين، وعلى رأسهم الجنرال نصيري الذي كان مسؤولاً عن جهاز السافاك الإيراني للاطلاع على كيفية تنفيذ خطة احتلال إيران للجزر.. وأشاد الوفد الصهيوني بإمكانات الجيش الإيراني، وقدرته على حسم الموقف في الجُزر لصالحه في ساعات معدودة، وبوقت قياسي" ص 173.
والمؤلف برغم ما أوضحه عن هذه المسألة، إلاّ أنه كان حريصاً ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ على حشر العراق ـ الذي كان في تلك الفترة تحت حكم حزب البعث ـ وإثبات أنه (أي العراق) هو الذي قاد المعارضة لاحتلال الجزر، ي حين تجاهل المؤلف مواقف دول عربية، وإسلامية أخرى، رافضة للاحتلال.
لكن الأمر المهم الذي يجب التوقف عنده، ولم يعطه المؤلف الاهتمام اللازم، هو الموقف الحالي للجمهورية الإيرانية التي يقودها رجال الدين الشيعة منذ سقوط نظام الشاه سنة 1979م، الذين ما زالوا يحتلون الجزر الثلاث، بل ويرسخون احتلالهم بإقامة مراكز إيرانية هناك، رغم ادّعائهم الالتزام بالإسلام والحرص على إقامة علاقات طيبة مع الدول العربية، وخاصة دول الخليج.
لد مرّ الدكتور الحياني على هذه المسألة مرور الكرام، في الوقت كان عليه عدم إنهاء كتابه عند سنة 1979، وهو العام الذي شهد سقوط انهيار شاه إيران محمد رضا بهلوي وقيام الجمهورية بقيادة الخميني، ذلك أن إيران في ظل الخميني وإلى الآن لم تكتفٍ بإبقاء احتلالها للجزر الإماراتية، بل تعاونت مع إسرائيل مرات عديدة، ونتج عن هذا التعاون إضرار بالمسلمين، كما تجلى ذلك بصفقة إيران ـ غيت الشهيرة ـ وكما تجلى ذلك أيضاً بغضّ إيران الطرف عن هجرة مجموعات من يهود إيران إلى فلسطين المحتلة ليكونوا جنوداً أوفياء للكيان اليهودي الذي مازال يغتصب أرض فلسطين.
ويبدو أن الدكتور الحياني لو استحضر مثال إيران ـ غيت سنة 1985، وغيرها من الأمثلة، وكذلك التسهيلات التي قدمتها إيران للولايات المتحدة لاحتلال العراق وقبلها أفغانستان، لجعل الفترة الزمنية التي تناولها الكتاب ممتدة إلى الوقت الحاضر.
ومع ذلك، قدّم د. الحياني جهداً طيباً، ويقول في خلاصاته واستنتاجاته: "إن مواجهة الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث يستلزم من العرب توحيد جهودهم وتضافرها، وتهيئة مستلزمات تحرير الجزر العربية من براثن الاحتلال الإيراني، سواء عن طريق الجهود الدبلوماسية، والضغط على النظام الإيراني الذي قام على أنقاض النظام الشاهنشاهي السابق، ولم يختلف عنه في نظرته إلى موضوع الجزر العربية الثلاث، أو عن طريق القوة العسكرية التي تستلزم تعزيز القدرات الحربية العربية بما يجعل إيران تتراجع عن الاستمرار في احتلال هذه الجزر الإستراتيجية" ص217.
ويضيف المؤلف حول هذه النقطة قائلاً: "ولكن سقوط الشاه لم يمنع النظام الجديد الذي جاء بعده من أن يستفيد من أخطائه، ويعيد ما أخذه الشاه بالقوة إلى الأمة العربية، ومنها الجزر العربية الثلاث، التي ظلّت تحت السيطرة والاحتلال الإيراني، فأثبت النظام الجديد الذي جاء في أعقاب نظام الشاه أنه لا يختلف عنه في النهج التوسعي العنصري، الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة أكاديمية أخرى مستقلة" ص 218.
وإلى أن تصدر دراسة الدكتور الحياني التي أشار إليها، يبقى السؤال المطروح هو: ما الذي يجعل إيران الخميني وخامنئي متمسكة بهذه المؤامرة الإسرائيلية، على جزر دولة الإمارات، ولماذا شكلت إيران ـ وما تزال تشكل ـ أحد فكي الكماشة ـ إضافة إلى إسرائيل ـ التي يراد للمنطقة العربية أن تكون بينهما؟!