الصراع الإيراني - الإسرائيلي غرضه اقتسام النفوذ الإقليم
أما سورية وفلسطين والشيعة العرب فبيادق اللعبة
المحرر العربي 31/1/2009
في حديث الرئيس الأسد لفضائية »المنار« كثير من النقاط التي يحسن التوقف عندها ومناقشتها ، لبنانياً وفلسطينياً ، عربياً وإقليمياً . على أننا نتوقف من حديثه اليوم عند نقطة شديدة الأهمية والحساسية لصلتها بكل ما حدث ويحدث على امتداد منطقة يُعاد ، بالعجز الذاتي أو بالتواطؤ ، تشكيل هويتها . يعتبر الرئيس الأسد في حديثه أن الموقف العربي من إيران خطأ وأن هدفه إيجاد عدو بديل من إسرائيل ، أي الهرب من المسؤولية القومية في قضية فلسطين بإيجاد عدو إيراني . واضح طبعاً أن الغرض من السؤال الذي وجهته »المنار« ، بخلفيتها وما تمثل ، هو الحصول على هذا الجواب الذي يطمس معالم الصراع الجديد . على أن السؤال يظل قائماً ويحتاج لجواب واضح غير ملتبس . من حيث المبدأ ، فإن الموقف العربي من إسرائيل ليس موقفاً من اليهودية أو رفضاً للتعايش معها بما هي دين . إنه موقف من مشروع سياسي احتل أرض فلسطين وتمت تسويته بقرار من الأمم المتحدة لم تحترمه إسرائيل وما زالت تماطل ومعها الغرب في تنفيذه ومعه قرارات أخرى ملحقة أنتجتها حروب كثيرة أبرزها بعد الحرب الأولى حربان : حرب عام 1967 وحرب عام 1973 . لم يكن الموقف من إسرائيل موقفاً دينياً وإن هو تغطي بالدين أحياناً . فإسرائيل مشروع غربي وظف الدين لخدمة مصالحه في المنطقة وما زال يستخدم القضية اليهودية بقدر ما تستخدمه في صراع المصالح . وإذن ، فالحرب أو الحروب مع إسرائيل ، والصراع المستمر ليس دينياً في النقطة المركز من جوهره ، بل هو صراع دولي يستكمل المسألة الشرقية القديمة المتجددة منذ عهود السلطنة العثمانية وحتى اليوم . إنه الشرق الأوسط قطعة العقار الأغلى في العالم كما وصفه آيزنهاور قبل أكثر من نصف قرن . الأغلى لا بتاريخه أو بشعوبه أو بقيمه وعلومه ، بل بنفطه وموارده . أردنا من هذه المقدمة أن نقول إن الصراع المستمر مع إسرائيل ليس صراعاً دينياً إسلامياً يهودياً بقدر ما هو صراع مصالح ، وإن موضوعه هو الاحتلال الذي هو شكل ما من أشكال الاستعمار القديم يأخذ في فلسطين بعداً استيطانياً على حساب شعب يتم تشريده بالمؤامرة الخارجية مرة ، والضعف العربي مرة أخرى ، وبانقسامات وتمزق شعبه أخيراً . يقود هذا إلى توضيح لا بد منه وهو أن الاحتلال وتغيير هوية الأرض هو الموضوع . بهذا المعنى فإن أي احتلال للأرض ، وأي تغيير للهوية الدينية أو المذهبية أو القومية ، هو صيغة مماثلة للصيغة الإسرائيلية . نصل إلى جوهر المسألة ونطرح هذا السؤال : كيف سارت العلاقات الإيرانية - العراقية على امتداد عقود شملت وتشمل عهدي الشاه الراحل والنظام الإسلامي المستمر ..؟
ليس من يجهل ممن يتابع التاريخ أن نظام الشاه نجح في الضغط بالقضية الكردية على النظام العراقي ليأخذ منه على عهد صدام حسين أول تنازل عن بعض الأرض العراقية حين وقّع معه معاهدة الحدود في شط العرب واعتبر نقطة الوسط من الشط المائي حدود إيران والعراق ، خلافاً للحقائق التي تؤكد أن الشط عراقي عربي وأن حدود إيران تبدأ ما وراءه . لم يكن احتلال إيران لهذا الجزء من أرض العراق جديداً . فقد سبقه احتلال الأحواز وهي أرض عربية غنية تمد إيران اليوم بالكثير من مواردها البترولية والمائية وتقطن هذا الإقليم قبائل عربية ما زالت إيران تبذل جهد القوة لتفريس الأرض وتذويب هوية شعبها إلى اليوم . حدث في ما بعد ، ولزمن غير بعيد ، أن استولت إيران على جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وهما جزء عربي من أرض دولة الإمارات ، وأتبعت احتلال الجزيرتين في ما بعد بالاستيلاء على جزيرة أبو موسى ذات الموقع الاستراتيجي في الخليج . بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق نجحت إيران في التسلل ووضع اليد على أجزاء من الأرض العراقية ، وأقامت نظاماً خليطاً يحتل فيه أنصار إيران وتوابعها مواقع مركزية تتيح لها سلطة ونفوذاً وقدرة على المزيد من اختراق العراق واستلاب حقوقه الوطنية وتغيير هويته العربية . لا نتحدث من موقع مذهبي ، فشيعة العراق هم بعض عربه وأصحابه تماماً كسنّته وكُرْده والآخرين من تركيبته البشرية متعددة الأعراق والأديان والمذاهب . على أن الوجه العربي للعراق يظل الأطغى حضوراً بسنّته وشيعته . هذه الوقائع ، وما هو أكثر مما يعرفه ذوو القرار في أكثر من عاصمة عربية ، تضع إيران في الموقع الإسرائيلي ذاته ، مع فارق وهو أن إيران تحتل وتجد في الداخل العربي من يشرّع احتلالها مذهبياً ودينياً ، أما إسرائيل فيرفضها كل العرب متفقين في المبدأ وبمقادير مختلفة في المواجهة . تساوم طهران سراً صناع القرار في الغرب واسرائيل على اقتسام النفوذ الإقليمي .. تماماً كما كان عليه الحال في عهد الشاه . الفارق هو في التسمية ، فبدلاً من الشاه وفارس بالأمس ، هنالك ولي الفقيه والشيعة المذهبية التي يتم الاستيلاء على بعض أطيافها العربية وتوظيفه في اللعبة . يضاف إلى هذا الفريق أطياف دينية ومذهبية أخرى بينها ميشال عون في لبنان والممسكون بالسلطة من النظام السوري في دمشق . تفرض هذه الحقائق إعادة تقويم للعلاقة مع إيران التي يفترض أن تكون صحيحة وصحية تتسم بحسن الجوار لولا أن المطامع الإيرانية في أرض العرب تماثل المطامع الإسرائيلية وقد تزيد عليها . وإذن ، فعداء إيران ليس بديلاً من عداء إسرائيل وليس صناعة عربية أو موقفاً غربياً أو خارجياً . وربما كان صحيحاً أن إيران تحاول تغطية مطامعها وتمددها بالمشاركة في عداء اسرائيل تمهيداً لوضع اليد على مفاصل الصراع وصولاً به لمرحلة المساومة الإقليمية على تقاسم المنطقة بين ما تعتبره طهران حقها في مثلث القوة : تركيا ، إيران ، إسرائيل . وهو المثلث الذي يحلم بأن تمر المصالح الغربية في المنطقة عبره بعد أن يتم تغييب العرب واحتلال أرضهم إيرانياً وإسرائيلياً . أما تركيا ، فما تزال ضائعة تبحث عن دورها بين حطام تاريخها وبين واقعها الإقليمي ، أي بين حلميها : الغربي الأوروبي والشرقي الإسلامي .
وإذن ، فالموقف العربي السلبي المتوجس من إيران تصنعه سياسات طهران وليس بديلاً لعداء إسرائيل كما قال الرئيس الأسد . كلاهما : طهران وتل أبيب تصنعان ردود الفعل على سياستهما بمطامعهما والغرور . أخيراً نسأل عن التوقيت والوسيلة. فحديث الرئيس الأسد يجيء مباشرة بعد مؤتمر الكويت الذي خيّل فيه لبعض العرب أنه استعاد سورية بالمصالحة لموقعها العربي .. والحديث إلى »المنار« للمرة الأولى وبسرعة ، يجيء في سياق توضيح المواقف والسياسات .. والارتهان لمشروع غير عربي.
بقي أن نُذكّر من ينسى من العرب ، وما أكثر ما ينسون ، أن تركيا قبضت بعض ثمن دورها الإقليمي في تنازل الرئيس الأسد لها عن لواء الإسكندرون - وتشبه قصته في جوانبها قصة الجولان - وقد وقع معها - أي تركيا - اتفاقاً سرياً أوجب نزع اسم اللواء من الكتب المدرسية والتاريخ ومن خرائط الجغرافيا الوطنية .!!. هذا يعني كما سمعت من صديق أميركي ذي موقع ودور في رسم السياسات أن الزمن كفيل أيضاً بتنازل نظام دمشق عن الجولان لإسرائيل ثمناً لعلاقة طبيعية معها مستقبلاً ، كما تركيا اليوم ، أو ثمناً لاستمرارية النظام وتوريثه . وربما كان هذا هو الذي يجعل النظام لاعباً دائماً في الموضوع الفلسطيني على غير أرضه المحتلة ويسترهن قيادات التنظيمات المتطرفة على أرضه ليوم يستطيع فيه بيعها وتصفيتها ثمناً لدفع خطر داهم .. أو ثمناً لمجهول يلده مستقبل مجهول؟؟؟