برتقال إسرائيلي هدية احمدي نجاد الانتخابية
صباح الموسوي - العربية نت 27/4/2009
في الوقت الذي أصبحت فيه الشعارات الإيرانية المعادية للكيان الإسرائيلي البضاعة الأكثر رواجا في سوق التهريج الإعلامي الايراني، وسمة بارزة من سمات النفاق في السياسة الإيرانية التي وجدت ضالتها عند أصحاب النوايا الحسنة والبسطاء من الناس الذين أغلقوا منافذ العقول وفتحوا أبواب العواطف التي ترقص طرباً عند سماعها عوي الشعارات الإيرانية الفارغة من المضامين والأفعال، في ظل هذا الواقع المرير تظهر بين الحين والآخر مواقف وتصريحات من قبل نظام الروضة خونية ( الملالي) تكشف عن عمق الازدواجية و النفاق الذي يطبع مواقف هذا النظام . فالمتتبع لسياسة الإيرانية يعجز عن عد تلك التناقضات وصور النفاق التي غالبا ما تأتي في الأوقات التي تكون فيها التصريحات والشعارات الثورية الإيرانية المعادية للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية في أوج سخونتها.
ومثالا على ذلك نجد ان نظام الملالي الذي ابتدأ حربه الملعونةمع العراق تحت يافطة" تحرير القدس يمر عبر احتلال كربلاء" قد قام في تلك المرحلةبالتعامل مع الكيان الإسرائيلي من خلال شراء أسلحة وعتاد حربي ومواد كيمياوية منالكيان لمحاربة العراق . وفي تلك المرحلة أيضا، والتي كان فيها التهريج الإعلاميالايراني والشعارات الثورية الصاخبة ضد أمريكا في أعلى مستوياتها، فقد استقبلتطهران مستشار الأمن القومي الأمريكي في إدارة الرئيس ريغان" ماك فارلن" الذي زارهاحاملا معه صواريخ وأسلحة مختلفة هدية لإيران وقد اعترف الرئيس الايراني الأسبقهاشمي رفسنجاني فيما بعد بهذه الزيارة السرية التي بقي الملالي يصرون على نفيهالمدة طويلة . و رغم العداء المعلن ( ظاهرياً) بين الولايات المتحدة الأمريكية التيدأب الروضة خونية على وصفها بـ" الشيطان الأكبر" والنظام الإيراني. فقد دعمت طهرانوتعاونت بفعالية مع الغزو الأمريكي لأفغانستان والإطاحة بحكومة طالبان، و قد تكررهذا الموقف في دعمها الغزو الأمريكي للعراق حيث أصبحت شريكا وطرفا أساسيا في عمليةالاحتلال وما آلة إليه المأساوية في العراق . و في مرحلة رئاسة محمد خاتمي ( 1997-2005م) التي أراد النظام الإيراني من خلالها تغيير صورته المتشددة بأخرى سميتبـ"الإصلاحية" لمواكبة الاستعدادات التي كانت تجريها أمريكا والقوى العالمية الكبرىللمنطقة، فقد أعلنت إيران عن طرحها مشروعا لحل القضية الفلسطينية عبر الاستفتاء علىشكل ونظم الدولة، يشارك فيه الفلسطينيون واليهود على حد سواء‘ وكان هذا المشروع قدعد اعتراف إيرانيا واضحاً بشرعية الاستيطان اليهود في فلسطين ومقدمة للاعترافبالكيان الإسرائيلي.
و في يوليو 2008م صرح نائب الرئيس الإيراني" رحيماسفنديار مشائي" ان إيران صديقة الشعب الإسرائيلي"، و جاء هذا التصريح في الوقتالذي كان فيه صدى تصريحات احمدي نجاد ضد الكيان الإسرائيلي تلعلع في سماء الصحافةوالإعلام الإيراني و أصبح فيها أذناب الملالي في داخل إيران وخارجها يرقصون طرباعلى صدى تصريحات نجاد تلك الذي أنكر فيها مذبحة اليهود "الهلكوست" والتي عاد فيمابعد الكثير من القادة الإيرانيون وعلى رأسهم فيما ذهب المستشار الأعلى لمرشد الثورةالإيراني علي خامنئي ووزير خارجية إيران السابق الدكتور" علي ولايتي" الى تأييد وقعالمحرقة وإدانتها. علما ان لا إيران ولا العرب ولا المسلمون عامة متهمون بارتكابهذه المجزرة، وإنما المتهم فيها ألمانيا النازية وقد قبلت ألمانيا مسؤوليةتلكالمحرقة، فلماذا أصبح احمدي نجاد أكثر ألمانية من الألمان أنفسهم في نفيه للمحرقة. فإذن أليس هذا من أوجه النفاق الإيراني?.
وهناك الكثير من المواقف المماثلةالتي طبعت السياسة الإيرانية خلال السنوات الثلاثين الماضية من عمر نظام الروضةخونية، غير ان هذا النفاق لم ينتهي عند تلك المواقف التي اشرنا إليها وإنما بقيمتواصلا بصور وأشكالا مختلفة، و آخر ما صدر من هذه المواقف الإيرانية النفاقية، هواستيراد البرتقال الإسرائيلي وعرضها في سوق الفواكه المركزي في طهران الذي يخضعمباشرة لأمانة العاصمة، كما جرى توزيعه في أسواق مدن أخرى.
وعلى الرغم منان البرتقال المستورد كان معبئ في أكياس ورقية كتب عليها بعبارة واضحة ( jaffa sweetie israel-po ) فقد قامت الهيئة المشرفة على الحملة الانتخابية لاحمدي نجادبتوزيعه البرتقال الإسرائيلي مجانا كدعاية انتخابية له وذلك تزامناً مع زيارة احمدينجاد لمدينة اسلامشهر. وكان قد سبق لمركز" نجاد" الانتخابي ان قام بتوزيع أطنان منالبطاطس المستوردة بصورة مجانية في العديد من المدن الإيرانية مما أثار ذلك تهكمواستياء أطراف عديدة في معسكر المتشددين.
علما ان البضائع الإسرائيلية ترويجفي إيران منذ فترة طويلة، وهي لا تقتصر على الحمضيات بل تشمل أيضا أجهزة إلكترونيةومنتجات زراعية وأسمدة ناهيك عن المعدات العسكرية.
رد الفعل الرسمي علىفضيحة استيراد البرتقال الإسرائيلي، والذي تزامن مع شعارات الرئيس الإيراني التيأطلقها ضد الكيان الإسرائيلي في مؤتمر دوربان 2 الذي انعقد في جنيف قبل أيام، جاءباهتاً و مضحكا في الوقت نفسها‘حيث صرح نائب رئيس الجمارك الإيرانية محمد رضا نادري :" ان البرتقال قد تم استيراده عن طريق أمارة دبي و لا بد أن هذا قد حدث بطريقالخطاء ونحن نحقق بالأمر"!! .
أما مدير المؤسسة العامة لتوزيع الفواكه فيبلدية طهران السيد" صفائي" فقد أعرب لوكالة أنباء مهر الإيرانية عن أسفه لهذا الأمروأعلن ان أوامر قد صدرت لشرطة البلديات بجمع وسحب البرتقال الإسرائيلي من الأسواقوإغلاق مخازن التوزيع. علما ان وسائل اعلام إيرانية عديدة قد أكدت ان دخول حمولةالبرتقال الإسرائيلي جرى عن طريق ميناء بندر عباس وان مستوردها واحد من كبار تجارالموز المشهورين في إيران‘ وقد ذكرت الأحرف الثلاثة الأولى من اسمه الكامل وهو "ا. ق. ج".
كان هذا مجمل رد الفعل الرسمي على فضيحة استيراد البرتقال الإسرائيليو التي من المؤكد أنها كانت عملية مدروسة هدفها التخفيف من أثار تصريحات احمدي نجادالأخيرة في مؤتمر مناهضة العنصرية ضد إسرائيل، وان الحكومة الإيرانية أردت ان تبعثمن خلال السماح باستيراد شحنة البرتقال وتوزيعها من قبل حملة نجاد الانتخابية،برسالة الى الإسرائيليين تقول فيها ان ما تسمعونه من تصريحات معادية لكم تبقى هواءفي شبك أما موقفنا الحقيقي منكم فهو يترجم عبر الصفقات السرية .
علما انالسنوات الأربعة الأخيرة من عهد احمدي نجاد، وعلى الرغم من الحدة الكلامية ضدإسرائيل، فقد كان فترة ذهبية بالنسبة للشركات اليهودية بشأن علاقاتها التجارية معإيران. فعلى سبيل المثال فقد تم ولأول مرة بعد الثورة الإيرانية فتح فروع لشركة" " نستله" في طهران ومدن أخرى. ومعلوم ان نسبة 1/50 في المئة من أصول شركة نستله تعودلشركة" Osem" الإسرائيلية المشهور في الصناعات الغذائية وهي موضوعة على القائمةالعربية للمقاطعة الشركات التي تدعم إسرائيل.
أما شركة" بنيتون" الايطاليةوالتي هي الأخرى على قائمة الشركات الداعمة لإسرائيل فقد فتحت لها أربعة فروع لبيعالملابس في طهران وحدها، وقد تعرضت بعضها لهجمات من قبل متظاهرين أثناء العدوانالإسرائيلي على غزة.
و بعد هذا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه على أنصار النظامالإيراني الذين أعمت شعارات احمدي نجاد الكاذبة، بصائرهم وأضاعت بوصلتهم, ترى ماهوتفسيركم لكل هذا النفاق الإيراني التي تعادي الكيان الإسرائيلي بالعلن وتصافحهبالسر?