سعيد بن حازم السويدي – كاتب عراقي
يشكل العراق ساحة الصراع الأولى بين الإسلام والتشيع، فهو مركز التشيع التاريخي (الكوفة) والديني (كربلاء والنجف) وفيه نسبة كبيرة من الشيعة، فضلاً عن مجاورته لبلاد إيران (الذراع السياسي والعسكري للمذهب).
لكنه قبل ذلك يمثّل أهم حواضر الإسلام السياسية ومراكزه العلمية الفكرية، فليس من السهل اجتياحه بفكر دخيل يستهدف جوهر الديانة الإسلامية والملة الإبراهيمية، ولذلك ظل ممتنعاً عصياً على غارات الشيعة وهجماتهم، ولم ينجح الشيعة في فرض سيطرتهم (كلياً أو جزئيا) إلا بالقوة والسيف وذلك أيام البويهيين (334هـ) والمغول (656هـ) والصفويين (915هـ) والأمريكيين (1424هـ).
ساهمت هذه الحوادث وغيرها في إضعاف العراق سياسياً، وظهور الحكومات المستبدة (على اختلاف اتجاهاتها وسياساتها) منذ أواخر العهد العثماني وحتى يومنا، وقد نتج عن فساد السياسة واستبداد أهلها ضعف في المناعة الدينية ضد الأفكار الدخيلة المعادية، وتعزز ذلك بسيطرة الجمود الفقهي وسيادة التقليد وانتعاش التصوف بمختلف ألوانه ومظاهره السلبية.
ورغم قتامة المشهد وكآبة الأحوال السياسية والدينية والاجتماعية لم تتوقف المقاومة الفكرية للتشيع باعتباره العدو الأخطر على البلاد العراقية (فكريا وسياسيا واجتماعياً).
وقد شهد العراق خلال العقود المتأخرة أحداثاً عصيبة متلاحقة أدت إلى غياب وجهه الإسلامي، واندراس معالم الصراع الدائر فيه بسبب غلبة القومية العلمانية وحزب البعث الاشتراكي على الحكم، وفي ظلال الدكتاتوريات الظالمة والحروب المتلاحقة وتسلط الشيعة الغوغاء نسيت مساهمات أهل العراق العلمية وإنتاجهم الفكري في التصدي للأفكار الشيعية خلال القرن العشرين.
واليوم يشهد العراق صحوة شعبية سنية فأحببنا تذكير الأحفاد بتراث الأجداد، حتى تقوى العزائم ويتصل الآخر بالأول، وتُحفظ للبلاد -بإذنه سبحانه - هويتها الإسلامية العربية وتراثها السُني ومجدها وجهاد أهلها([1]).
دواعي الوقوف على هذه الجهود
1- أن سقوط العراق بيد الشيعة أورث عند بعض أبناء السنة وهْناً واستسلاماً، وأعلن البعض القطيعة مع تراثه وماضيه وتنكر لجهود أسلافه ومن سبقه في التصدى لهذا الداء والبلاء، كما أغرت هذه الأحوال المؤلمة أهل النفاق وأخرجتهم ليروجوا للتعايش مع الحكم الشيعي (ممثلا بحزب الدعوة) المثقل بأحقاده وفساده ودمويته.
2- وفاء وعرفانا لفضل أسلافنا الذين أخلصوا لشعبهم، وقدموا أعمالهم توعية للأمة ونصحاً لأبنائها، وحفظاً لتراثهم وآثارهم من العبث والتحريف والتغييب.
3- التأكيد على أن خطر التشيع الفكري والسياسي ظل هاجساً عند النخبة العراقية (الإسلامية والقومية)، ولم يغب عن إنتاجهم ومساهماتهم العلمية.
4- أن ما كتبه أهل العراق في هذا المجال حجة على غيرهم ممن خاض في مسألة الخلاف السني- الشيعي بجهل وهوى فابتدع أقوالاً وآراء ونظريات فاشلة، ساهمت في نصرة التشيع، وإدخاله إلى ديارنا ليعبث بعقول بعض السفهاء من الصحفيين والكُتاب والأكاديميين، ويستخدمهم في خدمة مشروعه التخريبي، وبعد أن كان التشيع ملعونا على ألسنة العوام والعلماء لا ينال مراده إلا بالسيف أو الخيانة أصبح مذهباً مقبولاً، بل أصبح وجوده وانتعاشه ضرورة لابد منها، ودليلاً على قيم التعايش الراسخة في عقيدتنا وتراثنا الإسلامي!!
وإنما كانت كتابات العراقيين في هذا الشأن حجة على غيرهم لأنهم أدرى بالتشيع وأخبر بحال أهله ومكائد رجاله فهم في قلب ميدان المواجهة وما صدر عنهم أخرجته الحاجة والضرورة، واقتضته الفطرة والطبيعة البشرية كما أنهم ورثوا ثقافة التصدي لهذا الفكر من آبائهم وأجدادهم الذي عاشوا في مواجهة فكرية وعسكرية دائمة مع هذا العدو والبلاء المقيم.
فأهل العراق أوفياء للحق، حُرّاس للتراث، فمن تابعهم فقد تابع الحق الذي اتفقت عليه الأمة ولم يتجاوزه العقلاء، ولا يحق للشامي والمصري والمغربي أن يقولوا في التشيع قولاً يخالف قولهم فليس الخبر كالمعاينة، واجتماع العقلاء والحنفاء على قول لا يدفعه رأي اتخذه بعض السفهاء وضعاف العقول.
5- وقبل ذلك فإن هذا التراث حجة على طائفة من أهل العراق ممن التزم الصمت، وآثر عدم الخوض في هذه المسائل تجنبا للوقوع في المزلق الطائفي والفتنة الداخلية والتفرقة بين أبناء الشعب، لأن التوقف عن مدافعة هذا الفكر والوقوف بوجه المصلحين والمحذرين هو الخيانة بعينها، فهو دفاع عن الباطل بإسكات أهل الحق وتضليل وتجهيل وتغييب للعوام عن الخطر الذي يستهدف وجودهم ويسعى لاستئصالهم، وقد تبينت خيانتهم بعد احتلال العراق، ومنهم من أصرّ على خطاب التضليل والتجهيل إمعاناً في الخيانة وإصراراً على الرأي المهلك.
6- أن المعركة مع التشيع ليست خاصة بالسلفيين أو الإسلاميين بل هي مع جميع المسلمين لأنها صراع على أصل الدين، فأقوى المواجهات والصراعات التي وقعت بين الإسلام والتشيع في القرن العشرين جرت على أرض العراق حيث الاضطهاد المستمر للدين وتسلط العلمانيين القوميين على المتدينين، لكن ذلك لم يمنع النخبة الإسلامية والقومية من مواجهة التشيع فكريا وعلمياً فكانت هذه الدراسات والآثار التي نحن بصدد ذكرها.
وأهم من هذه الكتب نجاح جهود أهل السنة والدعوة السلفية في العراق - بالرغم من الصعوبات والمخاطر – في هداية آلاف الشيعة إلى مذهب أهل السنة لا سيما في فترة الثمانينات، وهذا الإنجاز لم يتحقق مثله في أي بلد آخر رغم تفوق قدراتهم وإمكاناتهم العلمية والمادية والسياسية.
اتجاهات النخب العراقية في التصدي للأفكار الشيعية
تعددت الاتجاهات والمناهج العراقية في مواجهة الخطر الفكري الشيعي، إذ لم يكن أصحاب هذه المناهج ينطلقون من إطار فكري واحد: فمنهم الإسلامي، ومنهم القومي، ومنهم العروبي الذي يجمع بين الرؤيتين الدينية والقومية.
ومن ناحية الموضوع فقد تنوعت اهتماماتهم بين:
* من اهتم بالدفاع عن التاريخ الإسلامي العربي، والرد على دعاوى الشعوبية ودسائسها والشبهات المثارة حول أعلام التراث والحضارة الإسلامية.
* ومنهم من عالج المسألة الشيعية من جانب نظري بحت فاعتنى بنقض وإبطال العقائد الأساسية للشيعة.
* ومنهم من تصدى للرد على شبهات الشيعة المعاصرين.
* ومنهم من اهتم بفضح دعاوى الوحدة والتقريب التي تميز بها المنسوبون للاعتدال من الشيعة.
* ومنهم من جمعت كتاباته بين الرؤية الدينية والتاريخية والسياسية، فلم يكتف بالجانب النظري العلمي أو التاريخي المحض، أو السياسي المجرد وإنما عمد إلى الأخذ بمقاربة متكاملة ومنهج شامل مستوف للموضع من كافة جوانبه.
الإنتاج الفكري للإسلاميين العراقيين
سنبدأ بعرض أبرز ما كتبه الإسلاميون باعتبارهم خط الدفاع الأول والأقوى في حماية الكيان الفكري للأمة، ولابد من الإشارة إلى أن الكتاب الإسلامي في العراق واجه حملات تضييق وإرهاب فكري من قبل أنظمة الحكم العلمانية المتشددة التي اعتادت على وصف التدين بـ "الرجعية والتخلف والانغلاق" ومحاربة كل آثار التدين في المجتمع ومنها: الكتاب والصحافة الإسلامية، وهذا ما أعاق الإسلاميين عن الكتابة والتأليف والنشر، كما أعاق القراء عن الحصول على موارد المعرفة الدينية بسبب الحظر المفروض على بعض الموضوعات والمؤلفين.
أولاً - الإمام محمود شكري الألوسي (ت: 1924 هـ)
علامة العراق، والمحقق الموسوعي، وأحد أعلام الأسرة الألوسية التي حملت راية الإصلاح الديني والنهضة الفكرية في العراق، وجهوده وآثار جده الإمام المفسر أبي الثناء الألوسي في الرد على الشيعة أشهر من أن تذكر أو ينبه على أثرها في هذا الباب.
لم يكتف الإمام الألوسي بالردود العلمية النظرية على العقائد الشيعية بل كان متيقظاً للخطر السياسي والأثر الاجتماعي لهذه الطائفة المنحرفة، فقد وصف حال العراق في عصره في مقدمة كتابه "السيوف المشرقة"، فقال: (ولقد أصبح اليوم أعراق قطر العراق، مملوة من سم أذنابهم فلا ينجع فيه ترياق ولا ألف راق، فقد غالب القبائل والعربان على أعقابهم، ورجعوا – والأمر لله تعالى – على أدبارهم، فرفضوا شعائر الإسلام واتخذوا بغض ائمة الدين عبادة وصيروا مقت أصحاب سيد المرسلين وسيلة لنيل السعادة، وقعدوا عن نصرة إمام المسلمين في الجهاد بل عدوا ذلك من باطل الاعتقاد؛ فلذا ترى أحبارهم ورهبانهم يسرعون إليهم إذا قامت حرب من المسلمين والكفار فيعظونهم بالقعود عن نصرة المسلمين وإعانتهم ولو بأقل مقدار، إن سمعوا بنكبة للمسلمين كان ذلك اليوم أسعد عيد، وإن أخبروا بنصرتهم غشيهم همّ ليس عليه مزيد، فما أشبه حالهم بما قص الله تعالى في كتابه من حال إخوانهم اليهود حصب جهنم وحطبها { إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها } [ آل عمران: 120] كل ذلك من إهمال أولي الأمر، وعدم المبالاة بهذا الأمر الأمرّ.
فلم يعيّنوا من يلقن عقائد الدين جهلة الناس وعوام المسلمين، ولا من يبين لهم الأحكام ويميز لهم بين الحلال والحرام وتراخى الأمر حتى أصبحت ... هملا يطمع فيها من يراها)([2]).
ويقول أيضا في إحدى رسائله لعلامة الشام محمد جمال الدين القاسمي: (ومن العَجب أنّ الرافضي ادّعى أنّ فرقته أطوع الناس للحكومة مع أنّ سيفها لم يزل على رقابهم، ولم يمض يوم من الأيام إلا والحرب معهم قائمة على ساقها، فكم ألجأوا الحكومة إلى خسائر أموال ونفوس، وجميع القبائل الذين ترفضوا هم أعدى الناس لدولة الإسلام، وفي هذا الأسبوع ورد تلغراف يخبر عن هجوم جمع منهم على شطرة المنتفق، وقتلهم جمعا من الضباط وعددا كثيرا من الأفراد. وحروبهم في العمارة شهيرة، وكذلك قبائل الديوانية، والنجف، والسماوة، وكربلاء لم يزالوا قائمين على ساق الحرب مع الحكومة، واحتلال العراق دائما إنما هو من الأرفاض، فقد تهرّى أديمهم من سُم ضَلالهم، ولم يزالوا يفرحون بنكبات المسلمين، حتى أنهم اتخذوا يوم انتصار الروس على المسلمين عيدا سعيدا وأهل ايران زينوا بلادهم يومئذ فرحا وسرورا، ولو بسطنا القول في هذا الباب، وذكرنا حروبهم ومخازيهم لاستوجب إفراد مجلد كبير والمنكر لذلك كالمنكر للشمس رأد الضحى)([3]).
ومن أبرز مؤلفاته:
1- السيوف المشرقة ومختصر الصواقع المحرقة، طُبع في القاهرة بتحقيق الدكتور مجيد الخليفة، وهو اختصار لكتاب (الصواقع المحرقة لإخوان الشياطين والزندقة) للشيخ نصير الدين محمد المعروف بخواجة نصر الله الهندي المكي.
2- صب العذاب على من سبّ الأصحاب، وقد طبع بتحقيق الدكتور عبد الله البخاري، أحد الذي اعتنوا بتراث الأسرة الألوسية في الرد على الشيعة.
3- الرد على حصون العاملي الرافضي، وقد نشرتها مجلة الراصد في موقعها الإلكترونى بتحقيق الأستاذ إياد عبد اللطيف القيسي.
4- مختصر التحفة الاثني عشرية، ويذكر الألوسي سبب وضعه لهذا المختصر فيقول: (إن علماء الشيعة لم يزالوا قائمين على ساق المناظرة، واقفين في ميادين المنافرة والمكابرة، مع كل قليل البضاعة، ممن ينتمي إلى مذاهب أهل السنة والجماعة، لاسيما في الديار العراقية، وما والاها من ممالك الدولة العلية العثمانية، حتى اغتر بشبههم من الجهلة الألوف، وانقاد لزمام دعواهم ممن لم يكن له على معرفة الحق وقوف، فلما رأيت الأمر اتسع خرقه، والشر تعددت طرقه، شمرت عن ساعد الجد والاجتهاد، في الذبّ عن مسلك ذوي الرشاد).
وهذا الكلام شاهد على يقظة الألوسي لخطر الفكر الشيعي على المجتمع العراقي الذي غفلت الدولة عن تحصينه وحمايته.
وقد أورد ضمن كتابه "المسك الأذفر" مناظرة بينه وبين أحد العلماء الإيرانيين دون ذكر اسمه، يصلح أن تنشر كرسالة مستقلة.
كما كان للألوسي دور كبير في نشر كتب الإمامين ابن تيمية وابن القيم، والعناية بتراثهما نسخاً وتحقيقا وتنقيحاً وطباعة، ومن هذه الكتب "منهاج السنة النبوية" لشيخ الاسلام ابن تيمية، - وهو أضخم موسوعة علمية في الرد على الشيعة- فقد طُبع في المطبعة الأميرية ببولاق، يقول تلميذه العلامة محمد بهجة الأثري: (أُغفل اسم الألوسي فيه، ولديّ بينات اجتهاده في نسخه ونشره)([4]).
ثانياً - العلامة محمد بهجة الأثري (ت: 1996)
الأستاذ الموسوعي، والأديب اللغوي، تلميذ العلّامة الألوسي، وأحد رموز دعوة الإصلاح في العراق.
لم يترك "الأثري" مؤلفات مستقلة في الرد على الفرق المخالفة، إلا أنه من أشد المؤيدين لدعوة التوحيد والسنة التي تستهدف أساس المعتقدات الشيعية وهو الغلو في الصالحين وتقديسهم إلى حد العبادة و التعظيم الذي لا ينبغي إلا للواحد القهار سبحانه.
ونجد ثناء العلامة الأثري على الدعوة الإصلاحية في كثير من رسائله وآثاره، ومنها:
1- "الاتجاهات الحديثة في الإسلام"، وهي محاضرة ألقاها الأثري في مؤتمر الدراسات العربية في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1951، ونشرها الأستاذ محب الدين الخطيب في المكتبة والمطبعة السلفية.
2- "الإمام محمد بن عبد الوهاب داعية التوحيد والتجديد في العصر الحديث"، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض 1984م.
كما كان الأثري من أقوى المدافعين عن العروبة باعتبارها أمرا متجذرا في أصل الرسالة الإسلامية وأن النيل منها والمساس بها هو بوابة الزنادقة والمارقين والطاعنين في الدين.
اعتمد الأثري طريقة العروبيين والقوميين في مهاجمة التشيع، الذين لا يصرحون بفساد معتقدات الفرق والنحل والأهواء، وإنما يرجعون سبب الفساد إلى بقايا أبناء الحضارات والأقوام الذين أزال الإسلام ملكهم كاليهود والفرس المجوس، فيُصبح المعتقد الباطل (في مذهب القوميين) وسيلة وأداة سياسية طوعها أعداء العرب والإسلام لزعزعة الدولة والمجتمع.
وقد درج القوميون على القول بأن منشأ الأفكار الشيعية هو الثقافة الفارسية والدس الشعوبي، يدفعه الحقد القومي والطمع باستعادة الأمجاد الكسروية، كما أن المنهج القومي في تناول المعتقد الشيعي يركز على أفكار الغلاة الباطنية كالقرامطة والخُرمية، محاولاً غض الطرف عن معتقد السواد الأعظم من الشيعة (الإمامية).
يقول الأثري: (من هنا بيّت هؤلاء العنصريون المجوس أن يقوضوا الدولة الإسلامية ويمحو آثار العرب والإسلام من النفوس ويعيدوا إلى إيران الدولة الفارسية الإقطاعية وديانات الفرس القديمة ... فلجأوا إلى التستر والنفاق يتآمرون، ويضعون في مرحلة الكمون خطط الهدم من كل نوع، وأظهروا الإسلام وهم منطوون على قتله... وتكذّب الكثيرون منهم وفي مقدمتهم زعماؤهم السياسيون فادعوا تحدرهم من أصلاب أهل بيت النبوة، ودفعوا أبناءهم إلى تعلّم العربية وإتقانها وقراءة القرآن والحديث والتفقه والتأدب والكتابة وقرض الشعر لاتخاذ ذلك كله وسائل يفسدون بها الفكر العربي بما يدخلونه عليه من أضداده باللطف والتحايل كما جاء النص صريحا على هذا في قول واحد منهم وأيدته أفاعيلهم وأباطيلهم، قال: (نرفض في الظاهر ما بيننا من العداوة، ونُظهر موافقتهم ومساعدتهم، وندخل في دين محمد، ونؤمن ثم نفسد عليهم دينهم بلطيف الحيل ونُدرك ما لا يمكن إدراكه بالقهر والغلبة)([5])، ( فسلّموا – كما قال المسعودي – ظاهر الشريعة، ولكن ذهبوا يقولون في تأويل معانيها ويأمرون المدعوّ – عند أخذ العهد عليه – بستر ما يكشفونه له من كتاب الله، ومنهم من يقول للمدعوّ عند ذلك: استر ما أكشفه لك من كتاب الله، وتأويل التأويل وتبليغه إلى مراتب ينتهون به إليها ويسمونها (البلاغ) وغير ذلك من دعواتهم، ووجوه سياساتهم وأسرارهم في ذلك ورموزهم )([6]).
وفي كتابي الغزالي: فضائح الباطنية وفيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة وكتب الفرق والنحل، تفاصيل هذا الإجمال للمخطط الذي رسموه لإبطال الإسلام تحت غطاء الإسلام، وتشقّقوا على الأيام كتفاريق العصا سبعين فرقة، بل أكثر، عُرفوا بالغلو المتناهي وسموا (الغالية) و(الغلاة) ولكنهم اتفقوا على العمل بهذا التأصيل الباطني الذي يُحل الديانات الفارسية القديمة محل الإسلام، بإفساد عقول الإيرانيين )([7]).
وغاية الأثري في كتابه (ذرائع العصبيات العنصرية في إثارة الحروب) توثيق تاريخ مقاومة أهل العراق لغارات وحصارات الجيوش الإيرانية الشيعية في عهد الشاه الأفشاري نادر قلي.
ومن أعمال الأثري في هذا الميدان "نقض كتاب المثالب" لابن الكلبي أحد رموز الاتجاه الشعوبي، لكنه لم يطبع أو أن المؤلف لم يتمّه.