بوزيدي يحيى – كاتب جزائري
خاص بالراصد
تسود الخطاب الإعلامي والسياسي الإيراني - الشيعي لازمة تتردد بشكل مستمر، هذه اللازمة تتمثل في مصطلح "الوهابية" التي يرضعها الشيعي منذ ولادته، وهي بديل عن مصطلح النواصب أو مرادف له، وإضافة إلى مفعولها التنويمي للشيعة خاصة بربطها بالتكفير وتعميمها، فإنها حققت لإيران أهدافا أخرى، واستطاعت من خلال هذا الحجر "الوهابية" ضرب ثلاثة عصافير أو أهداف جملة واحدة، حيث كسبت ود الغرب، وتعاطف اتجاهات سنيّة أخرى، والتغرير بالكثير من الشباب السني وتشييعهم.
المشترك الإيراني - الغربي: الوهابية التكفيرية
عند التدقيق في خارطة التقاطعات الإيرانية الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، تبرز المفارقة الغريبة في توافق الطرفين على عدو مشترك يتمثل في "الوهابية التكفيرية"، وإن كان هذا المصطلح يأخذ معاني متعددة في خطاب كل طرف ويتمدد ويتقلص من بلد لآخر بحسب الظروف والمعطيات. فمن أفغانستان إلى العراق إلى اليمن وأخيرا سوريا المتهم في كل ما يجري هو الوهابية التي يعبر عنها في الخطاب الغربي بالقاعدة والتيارات الجهادية والمتطرفة، ولكن عند التعمق أكثر نجد أنها حرب متعددة المستويات على الإسلاميين عموما، ومعلوم طبعاً أن القطاع العريض من السلفية و(الوهابية) هم رافضون لمنهجية وسياسات القاعدة وتيارات العنف، ولكن إيران وأمريكا تحارب في الأصل السلفية و(الوهابية) بوصفها رافضة للتشيع أو الحداثة الغربية، وتتخذ من محاربة القاعدة ستاراً تغطي به تلك الحرب العقائدية.
ففي أفغانستان حين فشلت الولايات المتحدة في حرب حركة طالبان حاولت إدماجها في العملية السياسية مع اقتراب خروجها من البلد في نهاية سنة 2014، نجد في المقابل إيران تعمل هناك على تمكين الشيعة داخل المؤسسات السياسية، واعتبار ذلك جزءا من حربها ضد الحركة الوهابية التكفيرية.
أما في العراق فيعتاش رئيس الوزراء نوري المالكي وباقي القوى الشيعية منذ الاحتلال الأمريكي على خطر القاعدة والوهابية والجماعات التكفيرية، ولكن هذه التهمة طالت جلّ خصومه السياسيين بما في ذلك نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، فكل معارض للسياسة الطائفية هو وهابي تكفيري، وهذا ما يحاول المالكي ترويجه عن الحراك السني الذي انطلق من الأنبار ضده، إذ تحول كل السنة إلى وهابيين تكفيريين، فعقب بداية الحراك السني ضد السياسة الطائفية الممنهجة على سنة العراق عادت التفجيرات من جديد إلى البلد لتخويف الشيعة من الخطر "السني/ الناصبي/ الوهابي" المفترض، وهو ما نلاحظه عند كل أزمة سياسية، والمتهم هو الوهابيون التكفيريون كما هي العادة.
ولا شك أن بعض تلك الأعمال يقوم بها هذا التيار المتطرف الذي كان أهل السنة أكثر من اكتوى بناره وأول من حاربه، ولكن لا نستطيع الجزم بأن كل التفجيرات هي من عمل القاعدة، إذ ثبت أن إيران والحكومة العراقية ليستا ببعيدتين عن كثير من تلك التفجيرات بشكل مباشر أو غير مباشر سواء بالتسهيل أو الاختراق أو بالفبركة لأنها تخدم مصالحهما كما كان يحصل في العراق سابقا، وحاليا في سورية.
فقد ساهمت إيران ونظام بشار الأسد في فتح النوافذ للقاعدة واختراقها حتى تكون أعمالها والأعمال المنسوبة لها مادة تبرر جرائمهما بها، فمن جهة يساومان الغرب بها، ومن جهة أخرى يشعران الشيعة بجدية وحقيقة التهديد الذي يواجههم.
أما الولايات المتحدة فبعدما تأكد زيف ادعاءاتها امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل الذي اتخذته ذريعة لغزوه، وبعد فشلها أيضا في ربط النظام السابق بالقاعدة صورت المقاومة ضدها على أنها أعمال إرهابية تقوم بها جماعات تكفيرية متطرفة، وهذا التوصيف كان المقصود به تحديدا أهل السنة الذين تصدروا مقاومة الاحتلال، لتنتهي في الأخير إلى تفاهمات مع إيران والأحزاب الشيعية التابعة لها بتسليمهم السلطة والاستسلام لمطالبهم والذي تجلى في الموافقة على حكومة المالكي رغم خسارته الانتخابات، وتأكد ذلك أكثر في موقف الإدارة الأمريكية من الدعم العراقي والإيراني عبر الأراضي العراقية للأسد.
وفي اليمن تنشغل الولايات المتحدة باستهداف تنظيم القاعدة بطائرات بدون طيار وهو بدوره استهدف القليل من المصالح الأمريكية والكثير من المصالح اليمنية والسعودية، دون التماس مع الحوثيين الذين بدورهم يدّعون مواجهة أمريكا برفعهم شعار "الله أكبر- الموت لأمريكا – الموت لإسرائيل – اللعنة على اليهود – النصر للإسلام"، لكن حربهم طالت بدرجة أولى النظام اليمني، ففي تحليله للخطاب الإعلامي للحوثيين يخلص الباحث سلمان العماري إلى أن "التعبئة القتالية والتهيئة النفسية التي قام بها الحوثي لأتباعه وبثها للرأي العام لم تثمر سوى المواجهة والصراع مع الدولة اليمنية منذ الوهلة الأولى، والدخول معها في حروب ست متقطعة سقطت خلالها آلة الزيف الإعلامية، وتبدّت الأسطوانة المشروخة التي عزف عليها الحوثي ابتداء، واستند إليها إبان تدشين خروجه للعلن مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر في عام 2001م، وتصدير الشعار المُغلف بمعاداة اليهود والنصارى الذي جعل منه رافعة، وحامل لتجميع الناس والرأي العام حوله لا أكثر، وخدمة مشروعه العنصري الأسري العصبوي المناطقي السلالي"([1]).
وعقب الثورة اليمنية استثمر الحوثيون ذلك لتوسيع ومد نفوذهم وكان أكثر المتضررين هم (السلفيون أو الوهابيون التكفيريون في دماج)، حيث شنت ضدهم حرب غير متوازنة ولا متكافئة إطلاقا، رغم أن شعارهم الحرب على أمريكا وإسرائيل، وفي هذه الأثناء كان تنظيم القاعدة أيضا يستغل الأوضاع بالتوسع في محافظات يمنية مستغلّا انشغال قيادة النظام السابق بأزمتها مع الحراك الشعبي المطالب برحيلها، وقام بإشعال الحرب سعياً منه إلى تثبيت وجوده في محافظتي أبين وشبوة، بالإضافة إلى انتشاره في معظم أنحاء الجنوب والوسط اليمنيين، حتى إنه حاول الوصول إلى محافظة تعز([2]). وهكذا على غرار العراق يلتقي الطرفان الأمريكي والإيراني في الساحة اليمنية على مواجهة عدو مشترك هو التطرف المتمثل في القاعدة عند واشنطن والوهابية التكفيرية ممثلة في السلفيين في دماج عند الحوثيين.
ويتجلى هذا التحالف أكثر في سورية حيث تَعتبر إيران ثورةَ الشعب السوري مجرد أعمال إرهابية تقوم بها المجموعات التكفيرية الوهابية، إلى جانب توظيف ما يصطلح عليه في الخطاب الشيعي بـ "الخطر الأموي" الذي يحدق بآل البيت في سورية، وهنا المصطلحان مترادفان والمقصود بهما جلّ المجتمع السوري السني، أما الولايات المتحدة فهي توظف إعلاميا ما تصطلح عليه بخطر الجماعات المتطرفة كمخرج شبه قيمي للمضي في خطتها القاضية بإلحاق أكبر قدر ممكن من الدمار بسورية ماديا وبشريا وما يترتب عليه من إشكالات اجتماعية بين مختلف مكوناته، تمنع أو تعيق وتطيل نهضتها مجددا، وتسهل في نفس الوقت إمكانية الاستثمار فيها لتحقيق أغراضها الإستراتيجية هناك، والتي في مقدمتها كما أصبح يعلم القاصي والداني أمن إسرائيل.
كما يعمل النظام السوري بنفس المنهجية من خلال نعت الثوار بالتطرف والإرهاب منذ اليوم الأول للثورة لكسب ود الغرب، والقيام بتفجيرات ومجازر يتهم فيها الجماعات المتطرفة والوهابية والتكفيرية بالوقوف وراءها وذلك بقصد إحداث قطيعة بين الثوار وحاضنتهم الشعبية، ولكن كل القرائن أثبتت بطلان تلك الادعاءات بدليل استمرار الثورة وتمسك الشعب السوري بالثوار والتفافه حول الجيش الحر لمعرفته بحقائق الأمور، هذه الحقائق وعشرات الآلاف من الضحايا لم تهم الولايات المتحدة والغرب وتشغلها بقدر ما شغلهم موضوع بروز ما تصطلح عليه بالجماعات المتطرفة، وكل تحركاتهم في هذا السياق من تهديدات وتحذيرات من خطر الجماعات المتطرفة حتى أن بعض الصحف تحدثت عن بدء واشنطن من الآن بجمع المعلومات عنها لاستهدافها مستقبلا، لا يمكن مقارنتها بالتهديدات والتحذيرات من الخطر الكيماوي في حالة ما استعمله النظام على سبيل المثال لا الحصر.
وحتى فرنسا التي كانت تبدو أكثرا تحمسا لدعم الثوار بالسلاح عاد رئيسها فرونسوا هولاند ليصرح بأنه لن يتم دعم الجيش الحر حتى التأكد من عدم وصول الأسلحة إلى المتطرفين والإرهابيين، في المقابل رغم مرور سنتين على الثورة السورية يغض الغرب عموما وواشنطن تحديدا الطرف عن الدعم العراقي الإيراني للأسد، ولم تقم الولايات المتحدة أو الدول الغربية بأي إجراء قوي يعبر عمّا تحاول طهران ترويجه من مؤامرة تستهدف النظام الممانع.
تأسيسا على كل هذا يتبين أن العدو المشترك بين إيران والغرب في المنطقة العربية هو الوهابية أو السلفية، دون أن يعني ذلك أنهما لا يعتبران الإسلاميين عموما أعداء كما يحصل مع الإخوان في مصر الآن بسبب تبنيهم مواقف لا تنسجم مع طهران وواشنطن، وكل طرف يعبر عن عدائه بمعجمه القاموسي الخاص.
وبين هذا وذاك نجد حقيقة تقول أنه رغم أن أدبيات القاعدة تمثل أقصى التطرف السني، لكنها لم تهاجم أبدا أي هدف إيراني في نحو عشرين عاما من نشاطاتها المروعة. وهاجمت إسرائيل مرة واحدة في أفريقيا. أما معظم عملياتها فقد ظلت موجهة دائما ضد أعداء إيران، وبشكل مركز استهدفت السعوديين والغربيين، والأردنيين، والمصريين وغيرهم. كما أن معظم قادة "القاعدة العراقية"، تنظيم بلاد الرافدين، استمروا يعيشون في ظل وحماية نظام بشار الأسد لنحو عشر سنوات وحتى قيام الثورة!([3]).
الإخوان والصوفية
إذا توقفنا عند الشق السياسي من الخطاب الإعلامي الإيراني – الشيعي الموجه ضد السلفية أو الوهابية كما يسمونها فإننا لا نكاد نجد فرقا كبيرا بين ذلك الخطاب والخطاب الإخواني - الصوفي ضدهم حيث يشترك هؤلاء في استهداف السلفيين ولا يجدون حرجا في التعاون والتقارب مع إيران سياسيا ودينيا في حين لا يبذل جهد يذكر في الاتجاه الآخر أو حتى التماس أعذار للاختلاف على الأقل، فالاتجاه السلفي عندهم كان لوقت قريب ربما لا يزال عميلاً للولايات المتحدة سياسيا ومغاليا دينيا ومصدر التطرف والإرهاب، ويعمل على تفريق الأمة وتشتيتها باستحضاره الخلافات القديمة وبحثه في مسائل الفرقة بدل مسائل جمع الشمل، وبهذا الصدد لا نبالغ بالقول إن أساس التقريب وجوهره كان يتمحور بدرجة كبيرة على نقد الوهابية والتهجم عليها من الطرفين، فالمشترك بينهما هو تحييد السلفيين من الساحة الإسلامية والنظر إليهم بعين الاحتقار والازدراء تارة، وعين التطرف تارة أخرى.
أما فلسطين وقضية القدس فكانت واجهة وغطاء إيرانيا لتمرير السياسات والمشاريع الشيعية أعموا بها بصر وبصيرة الإخوان لدهر طويل. وكانت المؤسسات الثقافية والفكرية الإخوانية وفضاءاتها الإعلامية منبرا للأطروحات الشيعية التي إضافة إلى هجومها على السلفيين في سياق تنظيرهم للتقريب بين جناحي الأمة، كانت أيضا تتعرض للصحابة بشكل أقل وللفترة الأموية بشكل أكبر بحجة القراءة العلمية والموضوعية للتاريخ، ولكن تلك القراءات أهدافها أبعد من ذلك بكثير، وهذا ما لم ينتبه له الإخوان بل ساروا في نفس الاتجاه، بموافقتهم على الطرح الشيعي في هذا المجال، والذي قد يبدو في أحد أوجهه كقناعة فكرية إلا أنه من وجه آخر شكل من أشكال المناكفة مع السلفيين أو الوهابيين ليس إلا. وأبسط الأدلة على هذا ردود فعل الإخوان سواء على المستوى القيادي أو القاعدي قبل الثورة السورية على أي نقد سلفي لحزب الله وإيران([4]).
المتشيعون والوهابية
من خلال ما قرأته وعايشته أو سمعته من أو عن المتشيعين أجد أن معركتهم في الأول والآخر هي ضد السلفيين الوهابيين، بل حتى أنهم يتعمدون الفصل والقطع على المستوى العقدي بين الإخوان والسلفيين في إستراتيجيتهم لنشر التشيع، إذ أنه في الغالب يكون المستهدف منتميا إلى الوسط الإخواني ومادام الطرفان متوافقين سياسياً وأن التشيع السياسي بلغ الذروة، لكن ذلك يبقى غير كاف إذ لابد من التشيع العقدي، وهنا يصور للمستهدف الإخواني أن عقائده التي يتبناها وتحديدا من الصحابة اجتهادات وهابية سلفية ليس إلا.
فنشر التشيع يستهدف تفنيد الأطروحة السلفية جملة وتفصيلا بوصفها خط الدفاع عن الإسلام، وأول وأهم خطوة في هذا السياق هي تدمير الجدار المناعي الأول الذي يسهل غرس فيروس التشيع بين شباب الأمة، هذا الجدار المناعي يتمثل في الموقف من الصحابة الذي لا بد أن يمر طريق التشيع عليه، أو على تدميره بتعبير أدق، ثم بناء جسر آخر للعبور يشيد من خلال ما تم تفكيكه ويعاد تركيب وترتيب العقائد من الصحابة على أساس قراءة سياسية شيعية. فالخلافات بينهم تقرأ قراءة عكسية لكرونولوجيا (تسلسل) الأحداث فتبدأ من الفترة الأموية التي لا شك ترجح صواب وأرجحية اجتهاد علي رضي الله عنه لتعود إلى أحداث السقيفة ثم غدير خم وتنتهي إلى أحقية علي بالإمامة بدل أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعا، وعندها لا حرج وإشكال في اتهام الفاروق رضوان الله عليه بكسر ضلع فاطمة رضي الله عنها.
وهنا نحتاج إلى وقفة مع جماعة الإخوان الذين تسبب خطابهم ضد السلفية أو الوهابية والتي تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في انتشار التشيع أو استدراج شباب السنة إليه وفي إحداث ثقوب واسعة في الجدار السني، حيث مهدوا عقول شباب الأمة للتشيع، فهم يضعون العديد من الحواجز بينهم وبين السلفيين ويغلقون أبواب التواصل معهم ويتركون النوافذ الصدامية فقط، ويقومون في نفس الوقت بهدم الحصون العقدية لهم، مع فتح كل الأبواب لكل ما هو غير وهابي وفي مقدمتهم التشيع بل ويفرشون الأرضية لذلك بحجة الأخوة والانفتاح وتقبل الآخر باعتبارها ميزة للشخصية الإخوانية مقابل التعصب والتحجر والانغلاق الذي يميز الشخصية السلفية وينتهي بها إلى التطرف والإرهاب.
وحتى القضايا العقدية التي لا يلتفت إليها كثيرا في التكوين "التربوي للإخوان" فانه في الغالب الأعم تكون ضد كل ما هو سلفي.
من خلال كل هذا يجد المراهق الإخواني السني نفسه أمام خطاب داخلي يقدم السلفي كعدو أول يجب مواجهته وغير محصن من الشبه الشيعية بإقرار من الشيخ يوسف القرضاوي ومهيأ لتقبلها من منطلق العقلانية والمنهجية العلمية في التعامل مع التاريخ والتراث، أمام هذا فما على الخطاب الإيراني الشيعي سوى تصيد الأكثر قابلية لهذا الطرح والتركيز عليه وتقديمه للواجهة الإعلامية والنفخ فيه حتى يستمر في خطابه التخريبي من جهة ويكون جسر عبور للشباب السني من جهة أخرى إلى التشيع بعدما يقع في شراكه والله المستعان.
ونظرا لتَقدم الاتجاه السلفي واجهة محاربة التشيع في المنطقة العربية ووقوفه له بالمرصاد طيلة العقود الثلاثة من وصول الملالي إلى الحكم في إيران وسعيهم الدؤوب لتصدير ثورتهم التي من ضمنها نشر التشيع. ونظرا لأولوية التقريب حينها في الوسط الإخواني فلم يبدِ مفكروه ورموزه أي وجه تضامن لمحاربة التشيع باعتباره خطرا على الأمة، والمحاولة الأبرز في هذا الإطار كانت للشيخ يوسف القرضاوي والتي لما تقارن بتاريخ الظاهرة فإنها كانت متأخرة جدا، بل والأسوأ من ذلك لم تلقَ أي تجاوب وتفاعل من الإخوان، فمشكلة الإخوان إذا أنهم لم يفرقوا بين نقد السلفية ومحاربة التشيع، بل جاروا الشيعة في كثير من ذلك، ولربما اعتمدوا أو ارتكزوا على بعض شبهاتهم فيه وهو الخلل الذي يجب تداركه، مع الإقرار في المقابل بوجود خطاب سلفي يتحمل جزءا من المسؤولية في هذه المسألة يحتاج إلى مراجعة بدوره.
الخلاصة
ليس غريبا أن يقف الغرب ضد الاتجاه الإسلامي لأنه يدرك حقيقة منطلقاته وخلفياته التي تتصادم مع إستراتيجيته القاضية بالهيمنة على مقدرات الأمة الاقتصادية وتسخيرها لصالحه واستهدافه لمقوماتها الثقافية والدينية التي تمثل نواة المقاومة لهذه الإستراتيجية واللعب على التناقضات الاجتماعية والبحث بينها عن العناصر التي تخدمه لدعمها في مواجهة الإسلاميين، هذه الحقيقة التي تدركها القوى الإسلامية الصاعدة لا تعني بالضرورة قطع العلاقات مع الغرب جملة وتفصيلا، أو الدخول في مواجهة عسكرية معه على غرار القاعدة، ورفع شعارات بعيدة عن مقتضيات العلاقات الدولية، وإنما التعامل بواقعية سياسية لا تتعارض مع أولوية المصالح الوطنية للإسلاميين واستنادهم على الشرعية التي تمنحهم إياها الشعوب التي تجد فيهم معبرا عن مصالحها وحافظا لثوابتها مهما تخلل ذلك من أخطاء لا تغني في النهاية عن هذا الخيار.
وهذا لا شك هو أساس ومقدمة لدور أكثر فاعلية في الساحة العالمية وفي مقدمتها التضامن الحقيقي مع القضية الفلسطينية، وهو ما لا يخدم إسرائيل، لذلك تعمل جاهدة على الحفاظ على الوضع القائم قدر المستطاع أو بعثرة الأوراق والبحث بينها على ما يخدم مصالحها، وحتى هنا ليس هناك جديد، ولكن الجديد يكمن في نظرة الإسلاميين بمختلف اتجاهاتهم للخطر الآخر الذي يتهددهم من الشرق والذي استطاع بمهارة التسلل بين فراغات جدران البيت الإسلامي والمساهمة في توسيع الشقوق فيها لهدمه، والمؤسف أنه وجد بين أبنائهم من يسهل عليه ذلك.
بناءً على كل هذا فإنه يجدر بالإسلاميين قراءة تجربة علاقتهم بإيران وحزب الله خلال العقود الثلاثة الماضية لتقييم ثم تقويم أوجه الخلل فيها، لأن الانحسار الذي يبدو حاليا للمشروع الإيراني لا يعني نهاية المشاريع الشيعية فهو مجرد حلقة من سلسلة المشاريع الشيعية السابقة على غرار الدولة الفاطمية والبويهية والصفوية وغيرها، ولننتظر في المستقبل مشاريع أخرى مهما اختلفت في المسميات فإنها سيكون لها خاصيتان لا تختلفان عن التجارب الشيعية التي سبقتها تتمثل الأولى في استهداف الأمة من الداخل والثانية في التعاون مع العدو الأجنبي في سبيل ذلك، وأيضاً كما أن الذوبان في المشروع الشيعي مرفوض فإن القطيعة الكاملة مع إيران مرفوضة لكن نحتاج أن تكون في حدود ما يحقق مصالحنا الفعلية وليست المتوهمة بوحدة خيالية تنسجها أكاذيب التقية.
سلمان العماري، الخطاب الإعلامي الحوثي رؤية نقدية 2-2، إسلام اون لاين، 23/07/2012 على الرابط: http://islamonline.net/ar/2165
عبدالوهاب بدرخان، "اليمن وتحدي التخلص من تنظيم القاعدة"، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 23/05/2012 ، على الرابط:
http://ecssr.ae/ECSSR/print/ft.jsp?lang=ar&ftId=/FeatureTopic/Abdel_Wahab_Badrakhan/FeatureTopic_1556.xml
عبد الرحمن الراشد، لغز أبو غيث من إيران إلى نيويورك!، جريدة الشرق الأوسط، 10/03/2013.
للأستاذ أسامة شحادة العديد من البحوث حول هذا الموضوع ضمنها في كتابه المشكلة الشيعية، وسلسلة مقالات من عدة حلقات نشرت في مجلة الراصد تحت عنوان: من تاريخ الحركات الإسلامية مع الشيعة وإيران.