الدكتور صالح الرقب
أستاذ العقيدة - كلية أصول الدين، الجامعة الإسلامية- غزة
إنَّ منهج السلف الصالح ومن تبعهم في تلقِّي العقيدة مقصور على الكتاب والسنة، فما دلّ عليه الكتاب والسنة في حق الله تعالى آمنوا به، واعتقدوه وعملوا به، وما لم يدلُّ عليه كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نفَوْهُ عن الله تعالى ورفضوه؛ ولهذا لم يحصل بينهم اختلاف في الاعتقاد، بل كانت عقيدتهم واحدة، وكانت جماعتهم واحدة؛ لأنَّ الله تكفّل لمن تمسك بكتابه وسنة رسوله باجتماع الكلمة، والصواب في المعتقد واتحاد المنهج، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) آل عمران: 103، وقال تعالى: (فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى) طه: 23. ولذلك سُمُّوا بالفرقة الناجية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شهد لهم بالنجاة حين أخبر بافتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، "كلها في النار إلا واحدة". (رواه ابن أبي الدنيا عن عوف بن مالك، ورواه أبو داود والترمذي والحاكم وابن حبان وصححوه عن أبي هريرة بلفظ: افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى كذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي)، ولما سئل عن هذه الواحدة قال: "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي". الحديث رواه الإمام أحمد.
وقد وقع مصداق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فعندما بنى بعض الناس عقيدتهم على غير الكتاب والسنة، من علم الكلام، وقواعد المنطق الموروثَيْن عن فلاسفة اليونان؛ حصل الانحرافُ والتفرق في الاعتقاد مما نتج عنه اختلافُ الكلمة، وتفرُّقُ الجماعة، وتصدع بناء المجتمع الإسلامي.
إنّ أوجه الخلاف والتباين الجوهري موجود بين العقيدة الإسلامية المنزلة من الله عز وجل وبين عقائد الفرق المنتسبة للإسلام، والتي هي ابتكار إنساني بإيعازات شيطانية هدفها الصد عن دين الله تعالى.
فالعقيدة الإسلامية ربانية في مصدرها، فهي من عند الله المتصف بالكمال المطلـق، خالق الكون والإنسان، فهي تصور اعتقادي موحى به من الله سبحانه ومحصورة في هذا المصدر لا يستمد من غيره ..وذلك تمييزاً عن التصورات التي تنشـئها المشـاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية وهي غالبا صدىً كبير للبيئة التي يعـيش فيها مؤسس الفرقة إذ يتأثّر بها إلى حد كبير، لذا فإن هذه الفرق لم تتفاعل مع مشاعر الناس ونفوسهم، ولم تترك آثاراً إيجابية في سلوك الناس وحيـاتهم، بل تركت آثارا مدمرة للفطرة البشرية، حتى وصلت كثير من الفرق إلى تأليه الإنسان كما في في معظم فرق الشيعة، وإلى الإباحية في الجانب الاجتماعي تحت ستار من التدين الزائف كما في إباحة الخمور والفروج عند فرقة النصيرية، وإباحة الفروج وأموال الناس عند فرقة الشيعة الروافض باسم الخمس والمتعة. وكما في إيقاع الناس في الجهل والخرافات والشركيات، واتباع المنامات، وتحضير الأرواح، ومعرفة المغيبات، وتعظيم الأشخاص والغلو فيهم، كواقع كثير من الفرق الصوفية.
لذا فإنّ المحاولات التي قام بها العلماء مع الأسف للتقريب بين أهل السنة والشيعة الروافض لم ولن يكتب لها النجاح لأنها كانت محاولات تنمّ عن سذاجة كبيـرة، وجهل بطبيعة معتقدات الشيعة الروافض، وعناصرها الغريبة العميقة، وعدم استقامتها على نظـام فكري واحد، وأساس منهجي واحد، مما يخالف العقيدة الإسلامية ومنابعهـا الأصـيلة، كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.