حسين الرواشدة – الدستور 10/11/2010
لم اتردد في الدفاع عن "الوجود" المسيحي العربي في بلداننا العربية الاسلامية، ولا في رفض كل الدعوات التي انطلقت لتهديدهم او اثارة الخوف بينهم ، ذلك انه لا يمكن لأحدنا ان يتصور اي حضور لامتنا حضاريا وانسانيا في غياب اخواننا المسيحيين عن بلادهم التي أسهموا في بنائها الى جانب اخوانهم المسيحيين.
لكن هذا الموقف المبدئي لا يمنعني من اشهار هواجسي تًجاه المبالغات التي يروج لها البعض حول ما يتعرض له المسيحيون في بلداننا العربية من استهداف او تهديد او من اساءات تدفع بعضهم الى التلويح بخيار الهجرة او الى استعداء اخوانهم المسلمين او الى الوقوع في محظور "الاجندات" الغربية التي تحاول العبث في هذه القضية لأسباب معروفة.
احوال المواطن العربي مسلما كان او مسيحيا تبدو بائسة والتهديدات التي تنطلق لقتل المسيحي هي ذاتها التي تنطلق لقتل المسلم وقبل ان نسمع بتفجير الكنائس رأينا عشرات المساجد تدمر على رؤوس مصليها في اكثر من بلد اسلامي وعربي.. فلماذا يشعر اخواننا المسيحيون بانهم مستهدفون فقط؟ ولماذا يختزل الموضوع في دائرة "الصراع الديني" بالرغم من ان "الجناة" المتطرفين لا يفرقون بين مسلم وغير مسلم؟ ولماذا تتطوع بعض الدول الغربية من بإثارة هذه القضية وبتحريض المسيحيين العرب على الهجرة.. وتخويفهم من البقاء في "بلادهم" التي عاشوا فيها مع اخوانهم المسلمين عشرات القرون دون ان يشعروا بأي خوف او تهديد.
امس مثلا، استقبلت فرنسا نحو 150 مسيحيا عراقيا من جرحى كنيسة "سيدة النجاة" وعائلاتهم ضمن مبادرة انسانية تبنتها جمعية "الدفاع عن اقليات الشرق" ، وعلى الهامش ذكر امين عام الجمعية ان "تصاعد موجة العنف الذي تقوم به الجماعات الارهابية المتطرفة" دفع المسيحيين العرب في العراق وسوريا وتركيا "لاحظ التعميم غير الصحيح" الى تقديم طلبات لجوء الى فرنسا بشكل متزايد حيث وافقت الحكومة في عام 2007 على استقبال 500 عراقي مسيحي ، بالاضافة الى 1200 قدموا من بلدان عربية اخرى ، ثم يضيف "لقد تقلص عدد المسيحيين في العراق من مليون ومائتي الف الى اقل من ستة آلاف في غضون ست سنوات ، واذا اضفنا ، أيضا ، الارقام المفزعة التي رصدت هجرة المسيحيين من فلسطين ولبنان وغيرها الى البلدان الغربية تحديدا فإننا امام "ظاهرة" غير طبيعية لا تتحمل مسؤوليتها الحكومات -فقط - ولا المسلمون ايضا وانما اخواننا المسيحيون الذين انحازوا "لأسهل" الحلول في مواجهة المشكلات التي يتقاسمون وطأتها مع اخوانهم المسلمين.
ندافع عن "حضور" المسيحية العربية في بلداننا العربية الاسلامية ، التي هي اصلا بلدانهم ونخشى من الدعوات التي تهددهم او الاخرى التي تغريهم على الهجرة ولكننا نتمنى على اخواننا المسيحيين ان "يصمدوا" في وجه هذه الدعوات وألا يخضعوا لمثل هذه الابتزازات والمبالغات وان يدافعوا -معنا - عن وجودهم ودورهم ، فمعركة المواطن العربي -مسلما أكان ام مسيحيا - واحدة ومصيره واحد و"عيشهم" المشترك ، هو الطريق الوحيد لضمان وَحدة امتنا وبقاء مشهدها الحضاري العربي غنيا كما كان بالتنوع والتفاعل والحضور لا بالهروب والانسحاب وصناعة "الفتن" التي تضع الجميع في دائرة "الخسارات" والصراعات ايضا.
باختصار ثمة مبالغات مكشوفة في ملف "اضطهاد" المسيحيين العرب:هدفها تهجيرهم او تخويفهم من اخوانهم المسلمين او تفريغ امتنا من تنوعها الحضاري او تقديم "الاسلام" كدين استئصالي والمسلمين كخصوم لاتباع الاديان الاخرى ، ونتمنى على اخواننا المسيحيين العرب ان ينتصروا لمنطق "الحضور" لا "الهروب" لكي يدحضوا هذه المبالغات.. ويردوا عليها بحذر وانتباه وحزم.