مؤتمر شباب الصحوة.. إيران تقفز فوق الربيع
الأحد 25 مارس 2012
أنظر ايضــاً...

 تقرير: أسامة الهتيمي – كاتب مصري

 خاص بالراصد

لا يستطيع أحد أن يشكك في تلك القدرة التي تمتلكها الدولة الإيرانية على الترويج لنفسها والعمل الدؤوب على تجميل صورتها خاصة بين تلك القطاعات الشعبية العربية والإسلامية وذلك في محاولة منها لتدارك تداعيات رد الفعل على ما انكشف وينكشف من وجهها القبيح أمام هذه القطاعات وهو السلوك الذي يتوافق وينسجم إلى حد كبير مع منهج التقية الذي طالما التزمت به الدولة الإيرانية الشيعية بل وتباهت به أيضا.

والحقيقة أن المتتبع لنتائج هذا السلوك يلحظ أنه كثيرا ما انطلى على البعض من أبناء الشعبين العربي والإسلامي ما دفع هؤلاء المخدوعين إلى دعم ومساندة الخط السياسي الإيراني الذي وبكل أسف لا يعمل إلا لحساب مصالحة الخاصة بعيدا عن معسول الكلام والشعارات التي لا تتجاوز حدود منطوقها.

ففي الوقت الذي تعلن فيه الدولة الإيرانية دعمها المالي والسياسي لكبرى حركات المقاومة الفلسطينية (حماس والجهاد) وتؤكد تحديها الدائم لقوى الاستعمار التي تطالب بالتخلي عن هذا الدعم في الوقت الذي نرى فيه الكتائب الإيرانية المسلحة تحصد المئات من أرواح الفلسطينيين في العراق بل وتكون الساعد الأيمن والأهم في احتلال القوات الأمريكية للعراق وأفغانستان الدولتين المسلمتين كذلك، وفي الوقت الذي تعلن فيه إيران مناصرتها لحزب الله في معركته مع قوات الكيان الصهيوني في الوقت الذي لا تتردد فيه إيران بأن تدفع حزب الله ليكون شوكة في حلق الثورة الشعبية السورية التي تريد أن تحرر سوريا من استبداد الأسد وعائلته.

إنها التناقضات الإيرانية التي كانت وما زالت تهدف لتحقيق مصالح إيران، وإيران فقط، والتي تتغير وتتبدل بحسب الأجواء السياسية دوليا وإقليميا فمرة تكون صريحة متبجحة ومرة تتوارى خلف ما يروق لبعض المخلصين وبعض المخدوعين بل وبعض الضالين ومرة ثالثة تسير وفق خطين متوازيين فقد أتقنت إيران لعبة الرقص على الحبال.

وكان من المحاولات الإيرانية التي استهدفت ركوب موجه ثورات الربيع العربي والإيحاء بأن هذه الثورات إنما خرجت من رحم ثورة الخميني عام 1979 م هو ذلك المؤتمر الذي استضافته العاصمة الإيرانية "طهران" تحت لافتة الصحوة الإسلامية وشارك فيه المئات من أبناء البلدان العربية والإسلامية والذي أعقبه مؤتمر آخر في نهاية يناير الماضي خصص للشباب العربي الثائر من البلدان التي شهدت ثورات وتلك التي تأمل إيران أن تندلع فيها ثورات.

وقد سعت القيادة الإيرانية ورئيس الجمهورية أحمدي نجاد عبر المؤتمرين الأخيرين وذلك المؤتمر الذي سبق عقده في سبتمبر عام 2011م إلى أن يصورا أن ما اندلع في بلدانهم من ثورات لم يكن إلا بفضل الثورة الإيرانية ومن ثم فإن الفضل في مظاهر الصحوة الإسلامية يعود في النهاية لهذه الثورة.

وهذا هو ما أكده علي أكبر ولايتي الأمين العام للمجمع العالمي للصحوة الإسلامية في كلمته في المؤتمر إذ قال بالنص: "تاريخيا، تعتبر الثورة الإسلامية في ايران بقيادة سماحة الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه مؤسس الجمهورية الإسلامية ومن ثم سماحة آية الله العظمى الخامنئي (مد ظله العالي) منعطفا بارزا ومصيريا في تاريخ حركة الصحوة الإسلامية. لقد استطاعت الثورة الإسلامية الإيرانية أن تطرح  نموذجها وأهدافها وأمانيها وتطلعاتها الإسلامية في ظروف كان العالم منقسما إلى المعسكرين الشرقي والغربي واستطاعت أن تصون وترتقي بهذه المبادئ رغم الصعوبات والمنعطفات الخطيرة والكثيرة. إن نظام السيادة الدينية الشعبية المنبثق على أساس سيادة الشعب وأحكام وتعاليم الشريعة يؤكد على نبذ نظام السلطة والهيمنة وتبني الاستقلال السياسي والثقافي كما أنه اتخذ من صيانة الكرامة الإنسانية والهوية الإسلامية والاهتمام بمعالجة المشاكل والتحديات أمام العالم الإسلامي لاسيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية في مقدمة واجباته". 

وعليه فإن هذا الربط هو ما يبرر ويفسر أسباب الاهتمام الإيراني الزائد بوفدي كل من مصر وتونس في المؤتمر باعتبار أنهما الثورتان اللتان أكدتا نجاحهما بإسقاط نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي.

كذلك فإن إيران حاولت أن تستغل وجود هذا الحشد الكبير في مؤتمر شباب الصحوة الإسلامية من المشاركين الشباب والفتيات والذين بلغ تعدادهم ما يقرب من 1200 شاب وفتاة ينتمون لنحو سبعة وثلاثين دولة لكسر تلك العزلة الدولية التي تزداد يوما بعد يوم وكأنها رسالة ضمنية ترسل بها إيران لقوى الغرب المتنازعة معها حول برنامجها النووي مفادها أن الشارع العربي يؤيدها ويدعمها بما له من قوة لا يستهان بها خاصة بعد ربيع الثورات العربية إذ بإمكان أي انتفاضة لهذه الشعوب رافضة لخطوات مضادة للدولة الإيرانية أن تمثل أداة ضغط كبيرة للغاية على المصالح الغربية في المنطقة وهو الأمر الذي حتما سيكون له انعكاساته على القرار الغربي تجاه إيران.

وفي محاولة من الراصد لاستجلاء الأسباب التي دفعت ببعض الشباب للمشاركة في هذا المؤتمر فضلا عما دار فيه، وكيف كانت حركة الوفود في الدولة الإيرانية خلال أيام المشاركة كان لنا لقاء مع بعض من هؤلاء الشباب المشاركين الذين وعلى الرغم من تأكيدنا على أننا سنبذل قصارى جهدنا لعرض آرائهم بموضوعية وحيادية طغى عليهم التحفظ في الردود والإجابات.

ومن بين هؤلاء المشاركين في مؤتمر شباب الصحوة الأستاذ ياسر سليم الصحفي في صحيفة العالم اليوم المصرية والمتخصصة في الاقتصاد والذي قال عن دوافع سفره للمشاركة: "سافرت الي إيران بدعوة من وكالة أنباء آسيا ورحبت جدا بالتجربة في سبيل معرفة إيران عن قرب وليس من خلال مطالعة مشاهدات الآخرين عنها فضلا عن أهمية المؤتمر لأنه يضم ممثلي الحركات الإسلامية الثورية التي شاركت في ثورات الربيع العربي".

وهنا يتضح أن جميع المشاركين ليس كما يصور منظمو المؤتمر الإيرانيين إذ أن بعضهم ليس ممن يحسب على التيارات والقوى السياسية المصرية أو النشطاء البارزين إعلاميا فياسر سليم وربما غيره الكثيرون أيضا من الصحفيين والإعلاميين الذين لم تكن دوافع مشاركتهم إلا لاعتبار أن الزيارة تجربة إعلامية يصعب أن يفوّتها أي إعلامي يفرض عليه فضوله الإعلامي الاطلاع عن قرب على الحدث وتفاصيله ومن ثم فإن المئات من المشاركين لا علاقة لهم بدعم الموقف الإيراني أو الاعتقاد بأن الثورات العربية خرجت من رحم الثورة الإيرانية.

وقد أكد المشارك ياسر سليم هذا الرأي عندما عقب على زيارته لإيران بالقول: "طبعا كان هناك صراع أخلاقي داخلي تجاه السفر لدولة معروف موقفها من القضية السورية" غير أن ياسر يعود فيؤكد أن لإيران مواقف أخرى يمكن أن تحظى بالاحترام كونها الدولة التي رعت حركات المقاومة العربية الإسلامية ضد القوى الاستعمارية في المنطقة ومن ثم فإنه يرى أنه بالإمكان أن يستغل هذه الفرصة ليعلن احتجاجه أمام صناع القرار الإيرانيين على الموقف من الثورة السورية فيقول وكان من الممكن أن أحتج بعدم المشاركة أصلا أو أن أحتج هناك أمام صناع القرار لإيصال رسالة أقوى، وهو ما حدث بالفعل في كل اللقاءات الإعلامية التي أجرتها معنا وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وأعتقد أنهم لم يذيعوها!!".

والأمر هنا يعني ببساطة أن وسائل الإعلام الإيرانية كانت تظهر ما يصب في صالح الاتجاهات الإيرانية بعد أن تم حجب كل ما ينتقد سياسات إيران ومواقفها السياسية المتناقضة.

وبحسب ياسر فلم تكن مواقفه المنتقدة للسياسة الإيرانية مواقف عرضية إذ يقول: "أيضا في كل اللقاءات والاجتماعات التي ضمت رجال دين وشخصيات عامة إيرانية معروفة، كان موقفي ـ وللأمانة موقف معظم المشاركين ـ موقفا مشرفا للوفد المصري المساند لثورة الأشقاء السوريين".

كذلك لا يتردد ياسر سليم في الإعلان عما استشعره من رغبة الإيرانيين في الربط بين الثورات العربية والثورة الإيرانية فيقول: "بالطبع تريد إيران أن تبدو في صورة الداعم ـ إن لم تكن الصانع ـ لهذه الثورات وتصوير ثورات الشعوب العربية على أنها استلهام من الثورة الإسلامية في إيران، وقد بدا ذلك من كلمات أحمدي نجاد ومسئولين إيرانيين آخرين، ومن السياق العام للمؤتمر".

لكن المشارك سليم ومع استيائه الشديد من هذا النهج الإيراني يحاول أن يبرر الأسباب التي استندت إليها إيران في هذا الربط فيقول: "إن الموضوعية تقتضي أيضا أن نشير إلى أن إيران كانت هي الدولة الوحيدة الحاضنة لمشاريع المقاومة العربية الإسلامية من خارج المحيط العربي، وكانت قبلة سياسيين إسلاميين عرب رأوا فيها أنموذجا لدولة تجمع بين أساليب العصر ومبادىء الإسلام". وهي الأفكار التي وبكل أسف نجحت إيران في أن تصنع بها صورة لها انطبعت في أذهان البعض بعد أن ابتسرت أجزاءً أخرى من الصورة أو ربما اعتمدت على ثقوب امتلأت بها ذاكرة هؤلاء.

ويكشف المشارك ياسر سليم عن التناقض في سياسة النظام الإيراني ففي حين تعلن طهران أن الثورات العربية إنما كانت نتيجة لثورة الخميني ترفض دعم ثورة الشعب السوري بل وتتضامن مع نظام الأسد الذي يمارس القتل والذبح بحق شعبه فيقول: "لقد قام بعض السوريين بالهتاف لصالح الثورة السورية فرددوا "الله .. سورية.. حرية وبس" وذلك عقب كلمة الرئيس الإيراني، وأثناء فعاليات المؤتمر وتصادف أن كان الجالس أمامي من المؤيدين لبشار، وهتفوا هتافا مضادا، ولكن المزاج العام للمشاركين كان مؤيدا للثورة السورية، ربما لأنه لم يتم انتقاؤهم بعناية، لكن الإيرانيين الحاضرين، كان موقفهم متسقا مع موقف بلادهم، ربما لأنهم أنتقوا بعناية!".

كذلك يستشهد ياسر سليم بموقف آخر يؤكد من خلاله أن المؤتمر كان موجها لدعم الموقف الإيراني الرسمي فيقول: "لم تكن هناك فرصة للقاء نشطاء إيرانيين، فقد شعرنا بأن البرنامج معد لكي نكون محاطين طول الوقت بمؤيدين لتوجه واحد، بحيث نشعر بأن ما تعبر عنه السياسة الإيرانية هو التوجه القومي للدولة".

فالدولة الإيرانية التي لا تفتأ تتحدث عن الحرية والديمقراطية والثورة نجدها تفرض حظرا على ضيوفها في الالتقاء بمن يعارض مواقفها الرسمية خشية أن يكون ذلك طريقا للكشف عن الكثير من ألاعيبها السياسية البغيضة أو خوفا من أن يتعرف هؤلاء الضيوف على ما يطرحه هؤلاء المعارضون والذي بكل تأكيد يحمل ما يمثل انتقادا عميقا للسياسات الإيرانية.

وفي معرض رده على سؤالنا حول الحرية التي أتيحت للمشاركين داخل الأراضي الإيرانية قال سليم: "كان البرنامج مزدحما بأنشطة المؤتمر والزيارات للأماكن السياحية".

أما فيما يخص الضجة الإعلامية التي أثيرت حول احتجاز أمن مطار القاهرة لبعض الشباب المشاركين في المؤتمر خلال عودتهم أكد ياسر سليم أنه شخصيا لم يتعرض لمثل هذه المشكلات الأمنية ربما لأن جواز سفره يحمل أنه صحفي ومن ثم فليس سهلا على الأمن سلوك هذا التصرف معه غير أن سليم أشار إلى تعرضه لمشكلة أخرى في مطار طهران فيقول: "لم يحدث معي أية مضايقات في مطار القاهرة، بل خرجت بمنتهى السلاسة، ربما لأن الجواز مثبت به أنني صحفي، لكني سمعت عن تأخر بعض أعضاء الوفد، وكان الغالب على الكثيرين أثناء العودة هو القلق مما سيجري في المطار بدرجة أشعرتني بأن الموجودين معنا في الوفد سياسيون غير محترفين، كما أشعرتني أنهم خارج حسابات الزمن وأنهم لم يشعروا أن ثورة قامت".

ويستطرد سليم قائلا: "لكن المشكلة التي جرت في مطار طهران أثناء العودة معي ومع كثيرين ولم تلفت الانتباه هي مشكلة تغيير العملة من العملة الإيرانية للدولار الأمريكي وذلك نظرا للحصار المفروض على البلاد، حيث كان كل مسئول من المنظمين أو كل مسئول في المطار أو في البنوك يحيل حل المشكلة إلى آخرين حتى وجد البعض أنفسهم محملين بعشرات الآلاف من الريالات الإيرانية التي لا قيمة لها فقاموا بالشراء بأسعار مبالغ فيها من السوق الحرة، فيما قال أحدهم إنه تعمد الوقوف أمام إحدى  الكاميرات المثبتة في المطار وطوح بالنقود الإيرانية أمام الكاميرا ثم جرى ناحية الطائرة في مشهد كوميدي!".

لكن في مقابل ذلك يحكي لنا مشارك آخر وهو ضياء الصاوي أمين شباب حزب العمل وصاحب كلمة الوفد المصري في المؤتمر أنه ومعه ستة آخرون من المشاركين قد تعرضوا بالفعل للاحتجاز في مطار القاهرة أثناء عودتهم على الرغم من أن من سبقهم من أعضاء الوفد المصري لم يتعرضوا لهذا الاحتجاز.

وفي تفسير لهذا الاحتجاز قال الصاوي إن ذلك "ربما يعود لكوني بين العائدين وقد كنت صاحب كلمة الوفد المصري في المؤتمر والتي طالبتُ خلالها بضرورة إلغاء معاهدة كامب ديفيد كما طالبت كل الشعوب العربية والإسلامية بحصار واقتحام السفارات الصهيونية يوم 15 مايو القادم والذي يوافق ذكرى النكبة وهو مرور 64 عامًا على إعلان دولة الصهاينة في عام 1948م.

وحول طبيعة الكتب التي كان يحملها الصاوي ورفقاؤه خلال عودتهم والتي كان يريد الأمن المصري مصادرتها أوضح الصاوي أنها لم تتجاوز الأوراق التي قدمها الشباب المشاركون في المؤتمر من تونس وليبيا ومصر وغيرها وبعض الكلمات الخاصة بالمشاركين في مؤتمر الصحوة الذي سبقت أعماله أعمال مؤتمر شباب الصحوة بالإضافة إلى الدستور الإيراني مضيفا أن ما كان يحمله وبقية الشباب لم يكن يتضمن أية كتب سياسية على الإطلاق.

وأضاف الصاوي أن موقف الأمن استفزهم ما دفعهم إلى الاعتصام داخل المطار ما اضطر أجهزة الأمن إلى الموافقة على انصرافهم مع تسليم الكتب غير أن هذا كان مرفوضا من قبل الشباب ما دفعهم مجددا لرفع لافتات تنتقد موقف أجهزة الأمن وسماحها بدخول الخمور ومنع دخول الكتب الأمر الذي اضطر في النهاية مدير أمن المطار ومعه مدير الأمن الوطني بالمطار إلى التفاوض مع الشباب والسماح بانصرافهم ومعهم ما يحملونه من كتب.

وفي سؤال للصاوي حول موقف إيران من الثورة السورية وكيف يمكن النظر لها على أنها داعمة للثورات في ظل هذا الموقف من ثوار سوريا حاول الصاوي التهرب من الرد مشيرا إلى أنه ليس هناك بديلا للأسد وأن الأهم هو أن يكون هناك تدخل عربي لحل المشكلة وأن البعض يحاول أن يروج لكون إسرائيل صديقة وإيران عدوة، وهو ما دفعنا لرفض تعميمه هذا والتأكيد على أن الأغلبية ترى في إسرائيل العدو القريب لكنها في الوقت نفسه ترى أن موقف إيران متناقض ونفعي فضلا عن أن الثورات العربية الأخرى منيت بما تعيشه الثورة السورية من تخلي الأنظمة العربية عنها وعدم إعلان دعمهم الكامل لها اللّهم إلا الثورة الليبية وإن كان ذلك بعدما أعلن المجتمع الدولي تدخله.

 

 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: