أسامة شحادة
خاص بالراصد
لا ينقضي العجب من صرخات (العقلاء) المستنكرة والشاجبة لكشف وإعلان الحقائق والمواقف الصريحة وتسمية الأشياء بأسمائها دون تورية أو تلميح في قضايا التشيع وعدوانه الفكري والعقدي والمادي بالقتل والتفجير والإقصاء.
وهذا العجب له اسباب عدة منها:
1- أن هؤلاء العقلاء – زعموا- هم دعاة الحرية وتعدد الآراء!! ولذلك دوماً تراهم أمام العدسات على منصات وموائد الحوار المسيحي واليهودي والأديان الشرقية ومع العلمانية والقومية والماركسية، لكنك لن تجدهم أبداً في حوار مع الإسلاميين الذين يخالفونهم في المسار!! وكأن الحرية وتعدد الآراء تتحمل الكفر والزندقة فحسب في عرف هؤلاء!! ولا تتحمل رأيا إسلاميا مخالفا إن لم نقل الرأي المحق!!
2- أن هؤلاء العقلاء – زعموا- تجدهم دوما في عربة الإطفاء الأولى عند حدوث أي اعتداء على المسلمين ومعتقداتهم، لا للدفاع عن حرمات الإسلام والمسلمين، بل لتبرير الجريمة وتهوينها، وضرورة الحكمة في عدم إثارة المشاكل والخلافات والعض على الجرح، دون إدانة حقيقية للجريمة والمجرمين!!
الذي دعانى لكتابة هذا المقال هو مطالعتى لكتاب "التقارب السني الشيعي، بين حق الاختلاف ودعوى امتلاك الحقيقة" الصادر في سنة 2008 عن دار الفكر بدمشق، وهو مجموعة حوارات أجراها وحيد تاجا مع عدد من الشخصيات المتنوعة المشارب والمواقف من السنة والشيعة.
ومن ضمن النقاط التي تناولها الكتاب: الموقف من قضية مزار قبر أبي لؤلؤة المجوسي في إيران، والحقيقة أننى دهشت لمواقف عدد من هذه الشخصيات المحسوبة على (العقلاء)، حين قارنتها مع تصريحات بعضهم ضد الشيخ محمد العريفي حين تناول السيستانى بالنقد على موقفه من تمرد وتخريب الحوثيين في اليمن.
ولن أكرر ما كتب في موضوع العريفي بل سأكتفي بنقل تصريحات بعض (العقلاء) حول مزار وضريح أبي لؤلوة المجوسي لعنه الله، حتى نبرهن لبعض الطيبين وبعض المغفلين على ازدواج المعايير عندهم، فهي في حق الشيعة شديدة الصرامة، لكنها في حق الإسلام والقرآن والصحابة في غاية الليونة والمياعة، مما يوجب على أصحابها مراجعة أنفسهم قبل فوات الفوت بالموت.
كان السؤال هو: لفت نظر الشارع السني وجود قبر لأبي لؤلؤة المجوسي، قاتل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيران. ما شعوركم إزاء هذا الأمر؟
1- جواب د. أحمد حسون، مفتى الجمهورية السورية:
الذي صرح قبل شهرين قائلاً: "لو طلب مني نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أن أكفر بالمسيحية أو باليهودية لكفرت بمحمد"!!
والذي أجاب: "إذا حدث أن اعتقد عدد من الناس بحقيقة قبره فنحن رحبنا بقرار مرشد الثورة الإسلامية في إيران بمنع زيارة القبر الموجود باسم (أبو لؤلؤة)، أو (بابا شجاع).
ونتطلع إلى المزيد من القيادة الإيرانية بأن تقوم بحملة توعية لنزع فكرة القبر من قلوب ونفوس معتقدي ذلك، وليس منع زيارته، فمنع الزيارة، أو حتى كسر القبر، وإزالته يولد ردة فعل لدى الناس المعتقدين فيقيمون قبراً آخر في مكان أو زمان آخر".
ونلاحظ هنا التشكيك بالمزار، وتهوين الموضوع، وعدم إدانة أبي لؤلؤة وذمه، وعدم المطالبة بعقوبة من يروج لذلك، والاكتفاء بمنع زيارته فقط، وليس مهما عند حسون إزالة هذا المزار، بل هو يطالب بتوعية الناس (الشيعة) بفضل الفاروق رضي الله عنه، وهو بهذا الإقتراح كمن يطلب النار من الماء!!
ولاحظ الفرق بين الليونة والميوعة مع أبي لؤلؤة ومحبيه وتطاوله على النبي صلى الله عليه وسلم!!
2- السيد جواد الخالصي، رمز الاعتدال الشيعي المزعوم!!
يجيب على السؤال السابق قائلاً: "لا يوجد في تاريخ الشيعة فضلا عن التاريخ الأعم ما يشير لأي مدح لأبي لؤلؤة ...لكن في زمان الدولة الصفوية أراد البعض أن يجعل من التشيع وسيلة لأغراضه السياسية، فبدأ بطرح مثل هذا الكلام أن أبا لؤلؤة قتل الخليفة الثاني عمر رضي الله عنه نصرة لآل بيت رسول الله ... علماً أن أبا لؤلؤة تاريخيا هو غلام المغيرة بن شعبة الأموي فما دخله بآل البيت ... أكثر من مؤرخ يقول: إن اغتيال الخليفة عمر كان بمؤامرة من رموز الجاهلية الذين أرادوا أن يستولوا على الأمر من جديد، وهذا كتبه مؤرخون كُثر ومنهم أحمد عباس صالح في كتابه (اليمين واليسار في الإسلام)، ... ما الذي جاء بأبي لؤلؤة من المدينة المنورة إلى إيران، هذا أمر مختلق ومصطنع، كيف صنع هذا الأمر؟ أنا شخصيا أعتقد أنه صنع لمحاصرة الثورة الإيرانية في الداخل وتوجهاتها الوحدوية مع المسلمين، وقد كنت في منطقة كاشان في إيران قبل 15 عاما ولم يكن هذا القبر موجودا، ... لكن بعض المغرضين بدؤوا يشتغلون على أنها لأبي لؤلؤة ثم بدؤوا يطورونها وينشرونها في الإنترنت. القصة مختلقة أرادوا منها إثارة الفتنة وساعد عليها للأسف تردد القيادات في إيران أمام هذا الحدث، وأنا رأيت علماء كبار في إيران متألمون منها... وكان معظمهم يفكر بعملية لإزالة هذا القبر... ولكن أموراً منعتهم من تنفيذ ذلك، الذين صنعوا هذا القبر والذين روجوا له وبنوا عليه والذين نشروه في وسائل الإعلام ويدعون نسبته إلى طائفة وإلى شعب من الأمة... باعتقادى أن سبب استمراره لأن قيادات الدين المخلصة لم تتخذ موقفا صارما خوفاً من وقوع مشكلة داخل إيران وفي نظرى هذا الخوف ليس في محله". أ.هـ
طبعا حين تقرأ كلام الخالصي المتناقض المتعارض الذي لا يخرج من رأس يدرك صاحبه ما يقول، تفهم مقدار صحة وصف هذه الشخصيات بأنهم (عقلاء) و(معتدلون) !!
فالخالصي أولاً ينفي مدح أبي لؤلؤة في التراث الشيعي وكأنه لم يسمع بعيد فرحة الزهراء، الذي هو من أفضل أيام أعياد الشيعة لاحتفاله بمقتل عمر بن الخطاب!!
وكأنه أيضا لم يسمع بفضائل أبي لؤلوة المجوسي في كتب الشيعة وهي في المصادر التالية:
- الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ص 162.
- مدينة المعاجز، السيد هاشم البحراني ج 2 ص 44، ص 243.
- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 30 ص 276.
- مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي ج 9 ص 213 .
- مجمع النورين- الشيخ أبو الحسن المرندي ص 221 .
ومن ثم يلجأ الخالصي لجعل أبي لؤلؤة من أنصار الأمويين، وأنه كان ينفذ أجندة بني أمية!! وهو بهذا فاق أكثر متعصبي الشيعة، وحين استند استند على كاتب معاصر يعد من رموز اليسار المصري!!
ثم لم يكتف بهذه المغالطات والأكاذيب بل زاد عليها أن اعتبر هذا القبر مفبركا من أعداء الثورة في إيران لتشويه صورتها، لكنه يعود ليقول لنا أن العلماء المخلصين والقيادات السياسية في إيران يقفون عاجزين أمام هذا المخطط، حرصا على سلامة إيران!!
فمن هؤلاء الذين يمجدون هذا المجوسي ومن ثم يعجز العلماء والساسة عن ردعهم؟؟ ونحن قد رأينا أن من تجرأ وتطاول على الخميني أو خامنئي من الإصلاحيين ضُرب وسجن واغتصب وقتل، مهما كان منصبه مثل محمد أبطحي!! فهل يعقل هذا العجز أم أنه القرار والسياسة المقررة.
وهو في كل هذا لا يترضى على الفاروق ولا يدين قتله ولا يلعن قاتله!!!
وقد قالوا: حدثوا العاقل بما لا يعقل فإن صدق فليس بعاقل!!
فإذا كان هذا هو رمز الاعتدال الشيعي، فبئس الإعتدال، ومن المؤسف أن تتبناه هيئة سنية عراقية مثل هيئة علماء السملمين!
وهو قد ورث هذا عن أبيه محمد محمد مهدي الخالصي الذي فضح اعتدالَه الأستاذ محمود الملاح رحمه الله في كتب متعددة.
3- حسن الصفار، مؤسس المعارضة الشيعية السعودية سابقاًً، وداعية المواطنة اليوم!!
والذي قال: "لا يوجد أي مستند تاريخي لهذا القبر فقاتل الخليفة الثانى انتحر أو قتل في المدينة ودفن هناك، فمن أين جاؤوا بهذا القبر؟ إنه مبني على الأوهام والخرافات. وعلى القيادة السياسية والدينية في إيران أن تأخذ الإجراء المناسب تجاه هذا الأمر الخرافي المسيء، حفظاً للوحدة الإسلامية ورعاية لمشاعر أهل السنة".
وكأن الصفار وشيعته يمتلكون مستندات تاريخية لبقية مزاراتهم وأضرحتهم!! أو حتى عقائدهم وعباداتهم!!
وهو هنا لا يرى مشكلة في الموضوع ولا اعتراض أصلاً على مبدأ اغتيال الخليفة، والتعظيم لقاتله، لكن من باب المصالح الشيعية لتتخذ إيران المناسب من الإجراءات فقط.
وقارن هذا الموقف السمج والبارد بموقفه من العريفي حين تعرض للسيستاني، ترى الفرق الكبير وتعلم حقيقة دعوتهم للوحدة الإسلامية والتعايش في الوطن، إذ اعتبر كلام العريفي كلاماً نابياً وبذيئاً، وطالبه بالاعتذار.
إن هذا التعايش الذي يسعى الصفار لترويجه في جوهره يقوم على أساس: أن يحترم أهل السنة خصوصيات الشيعة، وللشيعة الحق في التعبير عن رأيهم ومعتقداتهم بالسب واللعن، ونقد أهل السنة لذلك هو نوع تطرف وإرهاب!!
4- المرجع محمد حسين فضل الله، رمز الاعتدال!!
قال: "نحن نرفض أن يكون لأبي لؤلؤة مقام أو مشهد، لأنه لا يمثل قيمة إسلامية تفرض على المسلمين أن يقدروه وأن يحترموه. أما مسألة اغتياله للخليفة عمر بن الخطاب فإنه لا يمثل مسألة فقهية إيجابية في هذا المقام، بل قد يمثل مسألة سلبية.... نحن تحدثنا مع بعض المسؤولين في إيران لأن هذا يمثل مسألة سلبية في نظرة العالم السني إلى الجمهورية الإيرانية... نحن ندعو الجمهورية الإيرانية بقيادتها الكبيرة أن تزيل هذا الموقع كجزء أو كلون من ألوان التوفيق بين المسلمين جميعا، ولكننا نعرف أن بعض المشاكل الداخلية العاطفية الانفعالية المتعصبة قد تمنع القيادات الإسلامية الإيرانية من القيام بذلك".
الحقيقة أن الإنسان ليعجز عن فهم هذا الاعتدال الذي يوصف به فضل الله، فهو بداية لا يدين هذه الحادثة ولا فاعلها، بل لفرط اعتداله البالغ متوقف في الحكم بسلبية اغتيال الفارق لأنه قد يكون إيجابيا في مقام آخر!!
ومن ثم هو يطالبنا بأن نعذر القيادة الإسلامية في إيران إن هي عجزت عن منع من يعظمون قاتل عمر بن الخطاب!!
وبالمقابل لم يتوان فضل الله عن الهجوم على الشيخ القرضاوي حين انتقد الشيعة، أو العريفي حين انتقد السيستاني، وكأن الاعتدال المطلوب هو التعايش مع الجنون الشيعي، والتزام الاحترام والتقدير من قبل السنة للشيعة فحسب، على طريقة اليهود في التعامل مع العالم، فحين طردت بريطانيا مؤخرا دبلوماسيا إسرائيليا على خلفية تزوير جوازات بريطانية استخدمت في اغتيال محمود المبحوح القائد العسكري الحمساوي بدبي، كالَ اليهود الشتائم والسباب لبريطانيا!!
5- الشيخ محمد التسخيري، أمين عام مجمع التقريب بطهران.
يقول: "نحن نعتقد أن هذا الرجل مجرم كبير ارتكب جريمة خطيرة بحق كل المسلمين،...أما القبر الموجود في إيران فهو قبر لدرويش من الدراويش لا قيمة له ولا يهتم به أحد، وقد قامت السلطات الإيرانية بإغلاقه نهائياً ومنعت زيارته ما دام أنه يخلق كل هذه الحساسية بالنسبة إلى الشارع السني".
في هذه الأسطر القليلة مجموعة من الكذبات الفاضحة، لكن التسخيري لفرط وقاحته لا يستحي منها، فهو بداية يقول أن أبا لؤلؤة مجرم ارتكب جريمة خطيرة بحق كل المسلمين، وفي النهاية يعتبر أن تعظيمه يخلق حساسية للسنة فقط وليس الشيعة!! مما يدل على كذبه في قوله عنه أنه مجرم، وأن هذا من باب التقية الشيعية.
ثم يكذب الكذبة الثانية وهي أن هذا المقام لدرويش ولا أحد يزوره، لكنه ينقض نفسه حين يقول أن السلطات أغلقته ومنعت زيارته!!
أما الكذبة الثالثة فهي إنكار أن الشيعة تزوره وتعظمه وأنه لولا المصالح السياسية لإيران لما أعلنت إيران إغلاقه.
ولاحظ التعبير بالحساسية وكأن هذا الموضوع تافه لا قيمة له لكن السنة حساسون أو بلغة العوام "مدلعون"!!
فهذا هو أمين مجمع التقريب وهذه حقيقته.
6- د.محمود عكار، أحد دعاة التشيع و(اللخبطة) في سوريا!!
يقول في كلام يستحي المجنون حكايته: "فيما يخص قبر أبي لؤلؤة فالأمر ليس حديثاً، ولم يبن القبر أيام الثورة الخمينية، بل هو قديم، إن كان ثمة قبر، فأنا لا أعرف وليس عندي علم بهذه القضية.... فعلى حكومة الجمهورية الإسلامية إزالته ومحوه... لاسيما أنهم في إيران يتحدثون عن الوحدة الإسلامية مطلبا إسلاميا وسياسيا واستراتيجيا..".
فهذا الرجل الحاصل على الدكتوراة يقول: هذا القبر قديم، ثم يقول: إن كان هناك قبر، وبعد هذا يقول: أنا لا أعرف وليس عندي علم بالقضية!! ولا تعرف أي هذه الجمل صحيح وأيها خطأ؟؟ مما يدلك على مقدار عقله وفهمه، وبعدها لا يدين هذا الفعل من بناء المقام أو تعظيم هذا المجرم الملعون، بل يطالب بإزالته حرصا على الوحدة، ولا يذكر شيئاعن سكوت إيران كل هذه السنوات عن هذه الجريمة.
هذه ستة نماذج من عقول دعاة التعايش والمواطنة مع الشيعة، ونحن نرفض هذا المفهوم الأعوج للتعايش والمواطنة. الذي نقبله ونرحب به من التعايش والمواطنة هو ما أقره رسول الله صلى الله عليه وسلم مع يهود المدينة، إذ جعل العدل والحق أساس هذا التعايش، فلا اعتداء على المسلمين أو اليهود، ولا معاونة لعدوهم، هذا هو التعايش الذي نقبل به وننادي به، أن يقلع الشيعة عن اعتدائهم بحق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجاته رضي الله عنهن، وعدم معاونة الأعداء على شركائهم السنة فى الوطن، وعدم التجاوز في طلب الحقوق عن حد العدل الذي يستحقونه، ولهم علينا عدم ظلمهم ولا العدوان عليهم، ولكل أن يعتقد عقيدته، وهذا ما طبقه الإمام علي رضي الله عنه مع الخوارج.