صالح حديفة - صدى البلد 2 /9/2011
في المعلومات الشخصية، ولد شبلي العيسمي العام 1925م في محافظة السويداء في سوريا، لأسرة بذلت لتعليمه الغالي ممّا لديها، فتدرّج في حقول العلم والعمل حتى بات عضواً من مؤسّسي حزب البعث العربي.
صحيحٌ أن شبلي العيسمي لم يمارس أي نشاط سياسي على الأقلّ منذ العام 1992، حين تخلّى عن منصب الأمين العام المساعد في حزب البعث، بعدما شغله من العام 1966، إلا أنه وفي معراج عمله الحزبي والسياسي في سوريا ولاحقاً في العراق، تقلب في مناصب عدة رفيعة، فهو بدأ العمل الحزبي في العام 1943، ناسجاً علاقات وصداقات مع حزبيين وسياسيين، وشغل عضوية القيادة القطرية لحزب البعث من العام 1943 الى العام 1956، حين صار نائبًا للأمين العام ميشال عفلق، وتولّى ثلاث وزارات من العام 1963 إلى العام 1966.
حين كان الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وزيراً للدفاع، شغل العيسمي منصب نائب رئيس الجمهورية في سوريا حتى العام 1966. وفي النصف الثاني من ذلك العام، ترك الأراضي السورية وانتقل إلى العراق حيث تسلّم مسؤوليته في حزب البعث العراقي وظل مقيماً هناك إلى ما بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين في العام 2003.
في دائرة الظل
صحيحٌ أيضاً أن العيسمي بات في دائرة الظل منذ منتصف التسعينات لابتعاده عن واجهة العمل السياسي والحزبي قبل اعتزاله ذلك نهائياً في العام 2003، حيث كانت المرة الوحيدة التي خرج فيها إلى الضوء منذ ذلك التاريخ في العام 2005 يوم أطل بشهادة تلفزيونية عبر قناة "العربية" عن "فكر حزب البعث"، إلا أن البعثيين وكثيرين من العرب المتابعين لقضايا القومية والوحدة العربية قرأوا له أكثر من 17 كتاباً بين دراسة وتحليل أهمها عن "عروبة الإسلام وعالميّته" و"الوحدة العربية"، خصوصاً وأنّه كان واحداً من مهندسي الوحدة بين مصر وسوريا، وأجرى لقاءات طويلة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقد طُبعت بعض مؤلفاته مراراً وتُرجمت إلى الفرنسية والإنكليزية والإسبانية.
3 أشهر مضت
مناسبة الحديث عن العيسمي، تعود إلى أن الرجل قد خُطف منذ أكثر من ثلاثة أشهر من مدينة عاليه حيث كان يمارس هوايته في رياضة المشي قرب منزل ابنته المتزوجة من لبناني والمقيمة في المدينة.
منذ تلك اللحظة استعاد اللبنانيون من عارفي العيسمي ذكريات كثيرة عن الرجل فيما بات الآخرون ممّن لم يعرفوا عنه الكثير مهتمين بتقصي سبب إخفاء الرجل التسعيني العمر. وممّا لا شك فيه أن غالبية اللبنانيين والعرب ربطوا بين اختطاف العيسمي وبين ما يجري في سوريا من أحداث وتظاهرات منذ قرابة الأشهر الستة. وقد ذهبت روايات عديدة بعيداً في سرد تفاصيل الخطف رغم أنّ أحداً لم يرَ ماذا حصل مع شبلي العيسمي في ذاك النهار.
وبحسب ما تناقله بعض المتابعين للحادثة، فإن أحد أبناء العيسمي، وهو مقيم في الولايات المتحدة الأميركية، تحرّك مؤخراً تأييداً للثورة الشعبية في سوريا وانخرط في عملية هدفها "مقاضاة" النظام السوري على "جرائم القمع"، فعمدت السلطات السورية إلى إرسال سفير دمشق في بيروت علي عبد الكريم علي إلى العيسمي في عاليه طالباً منه إصدار بيان يدعم فيه النظام السوري ويدين فيه "التخريبيين" الذين يتحركون في "الداخل والخارج".
إلا أن العيسمي رفض ذلك، قائلاً إنه توقف منذ سنوات طويلة عن العمل السياسي، وبالتالي فإن إصدار بيانات مماثلة لا يتناسب مع سلوكياته في الإبتعاد عن الملفات السياسية. وتضيف هذه الرواية أنه بعد أيام على هذا الرفض اختفى شبلي العيسمي.
رواية أخرى تناقلتها جهات في سوريا ولبنان تفيد أن فئة محددة تعمل لمصلحة المتظاهرين في سوريا وبالتعاون مع فصيل من قوى 14 آذار في لبنان نفّذوا عملية الخطف، بهدف استثارة المشاعر الدرزية وتأليبهم لبنانياً وسورياً ضد النظام السوري والتأثير على مواقف الزعيم وليد جنبلاط مما يجري بسوريا، وهو الذي يحترم العيسمي شخصياً ويُكنّ له تقديراً مميزاً.
ماذا عن الدولة؟
وبعيداً عن الدخول في نقاش أي من الروايتين أعلاه أكثر قابلية للتصديق وأقربها للواقع، فإن لبنان لم يُظهر أي تحرك حقيقي جدِّي لمتابعة الملف والتحري عن الخاطفين، ثم سرَت في أوساط أمنية وأخرى إعلامية معلومات تعزز الرواية الأولى، دون أن يتم تأكيدها من أي جهة معنية، تفيد أن سيارات داكنة الزجاج أقدمت على نقل العيسمي نحو الطريق المؤدية الى الحدود اللبنانية - السورية واختفت هناك وأن العيسمي أصبح في دمشق فعلاً. لكن إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم تبلّغ عائلة العيسمي بالأمر ممّن يدّعون اطلاعهم على ذلك؟ وأين هي الدولة اللبنانية من كل من حصل؟
بالأمس جمعت دار الطائفة الدرزية في بيروت حشداً غفيراً من أبناء طائفة الموحدين ومن محبّي العيسمي وأصدقائه ورفاقه، طالبوا الدولة وأجهزتها بالقيام بمسؤولياتها في سبيل الكشف عن مصيره، وأدانوا بشدة عملية الخطف المرفوضة في بلد يدّعي الحرص على الحريات، فهل ثمّة من لا يزال يسمع؟