محسن يزدى – الوطن العربي 21/9/2011
جاء تحذير على خامنئى من أن الانتخابات العامة المقررة فى أوائل العام المقبل تحمل فى طياتها خطراً على الأمن القومى الإيرانى، ليكشف عن مخاوف فى أوساط المحافظين من الانقسامات الحادة فى صفوفهم، وانقطاع حبل الحوار مع الإصلاحيين، والإدراك أن الإيرانيين لم يعودوا يصدقون البيانات الرسمية عن وضع اقتصادهم، ولذلك اعتبر المراقبون أن تعيين محمود هاشمى شاهرودى رئيساً للهيئة العليا لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الإيرانية الثلاث، إنما هو محاولة لرأب الصدع، كما أنه يفتح الباب ليصبح شاهرودى الحاصل حديثاً على لقب "مرجع تقليد" أحد المرشحين البارزين لخلافة خامنئى.
وكان خامنئى قد قال فى خطبة العيد: "إن لدينا انتخابات قادمة فى نهاية العام.. يجب أن نحرص ألا يضر هذا التحدى بأمن البلاد".. وكان انتخاب محمود أحمدى نجاد للرئاسة فى العام 2009 قد أثار احتجاجات شعبية حاشدة، قمعها النظام بقوة، بعد أن اعتبرت المعارضة الإصلاحية أن هذه الانتخابات مزورة، بينما ادعى أنصار النظام أن هذه الاضطرابات موصى بها من الخارج.
وجاء هذا التحذير فى وقت تزداد فى المعسكر المحافظ التحضيرات تمهيداً لانتخابات المجلس الإيرانى المتوقع إجراؤها فى أوائل شهر مارس "آذار" ،2012 وفى هذه الغضون ذهبت سدى الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى توافق بين جميع الأجسام السياسية المحسوبة على هذا المعسكر بالنسبة لتركيبة قائمة المرشحين للانتخابات بواسطة "لجنة منظمة" يبلغ عدد أعضائها 15 عضواً من جميع الأجسام المحافظة.
وأفادت وسائل الإعلام الإيرانية عن إقامة جبهتين سياسيتين جديدتين تمثلان تيارات مختلفة فى المعسكر المحافظ. الجبهة الأولى محسوبة على الجناح الراديكالى فى المعسكر المحافظ ومكونة من نشطاء سياسيين يعدون من مقربى الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد ، أما الجبهة الثانية فمكونة من 11 مجموعة محافظة مختلفة ومحسوبة خاصة على محسن رضائى، أمين سر "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، وقائد الحرس الثورى سابقاً الذى رشح نفسه أمام الرئيس أحمدى نجاد فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة العام 2009 ، وزاد الإعلان عن إقامة جبهتين محافظتين التخوف القائم وسط القادة الإيرانيين من انقسام المعسكر تمهيداً للانتخابات، الأمر الذى قد يعزز سواء كان ذلك نشطاء "التيار المنحرف" وهو الوصف الذى يطلق على التيار السياسى المحافظ المحسوب على رئيس ديوان أحمدى نجاد رحيم مشائى، أو نشطاء التيار الإصلاحى الذين لم يقرروا بعد هل يخوضون الانتخابات القريبة أم لا، كما وجه رئيس مجلس الخبراء آية الله محمد رضا مهدوى، كنى انتقادات شديدة اللهجة حول التحزب والتشرذم وسط المحافظين مدعياً أن الخلافات فى الرأى تنافى مصالح الثورة وتساعد أعداء إيران، وفى هذه الغضون قام الزعيم الإيرانى الأعلى على خامنئى بتعيين رئيس السلطة القضائية السابق آية الله محمود هاشمى شاهرودى رئيساً لـ"المجلس الأعلى لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث"، وقد جاء تشكيل المجلس على خلفية احتدام الخلافات فى الرأى بين المجلس الإيرانى والسلطة القضائية خلال العام الأخير.
وتضم الهيئة العليا فى عضويتها كلاً من حجة الإسلام سيد محمد حسن أبو ترابى وسيد مرتضى نبوى وعباس على كدخدائى وسيد صمد موسوى لفترة خمس سنوات، وأكد الخامنئى أن على كبار المسؤولين تنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث بشكل مطلوب وإزالة الخلافات المحتملة والتعاون إلى أقصى حد مع الهيئة المذكورة.
وكان شاهرودى قد انضم إلى نخبة من الرجال المؤهلين لشغل منصب المرشد الأعلى، عندما أعلن نفسه مرجع تقليد بعد أن أصدر رسالته "أطروحة فى تفسير الشريعة"، وعلى الرغم من الانتقادات واسعة النطاق لتعامله مع المعارضين السياسيين ومنتهكى القانون الأخلاقى الصارم الذى تفرضه إيران ينظر البعض إلى شهرودى باعتباره محافظاً معتدلاً فرض حظراً مؤقتاً على إعدام المدانين فى جرائم الزنا رجماً وتنفيذ أحكام الإعدام شنقاً علانية، كما أن عودته قد تثير تساؤلات حول من سيخلف خامنئى الذى يعلو الرئيس فى ترتيب السلطة، فى ظل صراع سياسى محتدم بين فصائل داخل المؤسسة المحافظة، وقال باقر معين كاتب سيرة آية الله روح الله الخمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية شهرودى جزء من المؤسسة ومعترف به من قبل المؤسسة الدينية بشكل عام كشخص حصل على وضع المجتهد ويمكن أن يكون مصدراً للتقليد.
فكلما عاد الكلام عن خليفة الخامنئى بعدما كثرت الشائعات عن غيابه، تردد اسم محمود الهاشمى شاهرودى كأبرز المرشحين لخلافته، فهو أكثر رجال الصف الثانى نفوذاً وقرباً من المسيطرين على القرار فى إيران.
ورغم أصوله العراقية تمكن محمود الهاشمى من أن يصبح أحد الأرقام الصعبة فى الشارع السياسى والإيرانى وكان الجسر الصدرى طريقة للعبور إلى بلاد فارس التى تعلم لغتها وكأنه يعد نفسه لمستقبل جيد، وبرغم محدودية مواهبه القيادية التى أدت لهزيمته أمام محمد باقر الحكيم الذى أطاح به من رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق، استطاع الهاشمى التسلل إلى الحوزة العلمية ولفت انتباه خامنئى بسبعة مجلدات وعشرات المقالات الفقهية العصرية عن تطوير الحوزة وإعداد كوادر جديدة مؤمنة بنهج الثورة الإسلامية، ليأخذ طريقه بعد ذلك فى تشكيل المجلس الأعلى للثورة الثقافية الذى حمل لواء أسلمة إيران والحفاظ عليها من الغزو الثقافى الغربى وغيرها من المهام، ليكون جنباً إلى جنب مع شخصيات إيرانية بارزة مثل هاشمى رفسنجانى ومهدى كروبى، وعندما تولى الهاشمى أمر القضاء بعد أن فشلت محاولات منعه من المنصب باعتباره "إيرانيا هجيناً" وقد تعامل بيد من حديد مع كل معارضى النظام الحالى وزج بقادتهم فى السجون وضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط وعندما انتهت ولايته سلم الراية لآية الله صادق لاريجانى، ليعود عضواً فى مجلس صيانة الدستور، ويلعب دوراً كبيراً فى تزوير الانتخابات لصالح أحمدى نجاد، وانتخب نائباً أول لرئيس مجلس الخبراء هاشمى رفسنجانى لتتبقى له خطوة واحدة ليحل محله مستعيناً بالترويج لمرجعيته الدينية لينتقل إلى ولاية الفقيه، وسيد محمود هاشمى شاهرودى، أو محمود الهاشمى هو نجل رجل الدين سيد محمد على.
وكان أحد القيادات فى حزب الدعوة الإسلامية الذى أسسه فى العراق السيد محمد باقر الصدر مع مجموعة من علماء دين وشخصيات مرموقة ،1957 ورغم أن الهاشمى لغته الأصلية هى العربية، لكنه تعلم الفارسية فى إيران التى جاءها بعد سقوط نظام الشاه بصفته معارضاً عراقياً، وأصبح بالفعل رئيساً للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية فى العراق، عندما كان السيد محمد باقر الحكيم الناطق الرسمى باسم المجلس فى العام ،1982 وخلال عمله كمعارض عراقى، اختلف محمود الهاشمى مع الحكيم حول قيادة المجلس وعموم المعارضة العراقية والشيعية منها بوجه خاص، وكان الإيرانيون يتدخلون لحسم الخلافات عبر ممثلين مباشرين لخامنئى أو عن طريق خامنئى نفسه عندما كان رئيساً للجمهورية الإسلامية، ومفوضاً من قبل الإمام الخمينى فى المسألة العراقية، وفى فترة التأسيس الأولى فى العام 1982 تناوب الحكيم والهاشمى على رئاسة المجلس وتبادلا الرئاسة و"الناطقية"، غير أن الحكيم ولأنه كان يتمتع بمواصفات قيادية تفوق الهاشمى، ونجح فى التصدى لقيادة المجلس وإلغاء منصب الناطق الرسمى باسم المجلس، ومن ثم إقصاء محمود الهاشمى عن ساحة المعارضة العراقية، ليتفرغ الأخير لتدريس العلوم الدينية مركزاً على منهج أستاذه السيد محمد باقر الصدر فى الحوزة العلمية فى قم.
ولكونه يعرف من قبل خبراء الحوزة بالنبوغ، وبدرجته العلمية الرفيعة وتحقيقاته الدقيقة فى علم الأصول، فقد أصبح الهاشمى أستاذاً لامعاً فى الحوزة الدينية، ووضع سبعة مجلدات فى هذا العلم، وكتب عشرات المقالات الفقهية التى تنم عن ذوق عصرى وقدرة على الاستنباط مكنته من أن يصبح مجتهداً لامعاً وعضواً بارزاً فى المجلس الأعلى للحوزة العلمية فى قم، وهو المسؤول عن كل ما يتعلق بمناهج الحوزة الدينية وإدارتها والحفاظ على هويتها وأصالتها، وهى معقل آيات الله وحجج الإسلام، ومنها انطلقت شرارة الثورة الإسلامية ضد الشاه العام ،1963 وأثارت أفكار محمود الهاشمى لتطوير الحوزة الدينية، وإعداد جيل جديد من المعممين المؤمنين بنهج الثورة انتباه السيد خامنئى إليه فجعله مقرباً منه فى الدرس والبحث العلميين، وأصبح - خصوصاً بعد انتخاب خامنئى للقيادة بعد وفاة الإمام الخمينى العام 1989- من "حوارييه" ومدرساً خاصاً له، بحجة المباحثة ليتعلم منه خامنئى أعلى مراتب العلوم الدينية، إلى جانب آية الله سيد كاظم الحائرى، وكان قيادياً بارزاً فى حزب الدعوة، بل الولى الفقيه للحزب، قبل أن يصبح هو الآخر من "حواريى" الولى الفقيه بعد إضافة لقب "شاهرودى" له، وحذف "ألف لام" التعريف من لقبه الأصلى لتأكيد إيرانيته فى وجه من شكك بها من الإصلاحيين، تدرج محمود هاشمى شاهرودى فى المناصب الإيرانية واختاره خامنئى عضواً فقيهاً فى "مجلس صيانة الدستور" المكلف بتأهيل المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية والبلدية وانتخابات مجلس الخبراء والمسؤول عن إعلان صحة الانتخابات أو إلغائها.. كما عينه القائد إلى جانب هاشمى رافسنجانى ومهدى كروبى وآخرين، عضواً فى المجلس الأعلى للثورة الثقافية، كما عين رئيساً للسلطة القضائية فى الفترة ما بين 1999 و2009 ، وهى أخطر مرحلة مرت بها الجمهورية الإسلامية، وليضرب بيد من حديد زعماء الحركة الإصلاحية، ويزج بالعشرات منهم فى السجون، ويحرم كبار قادتهم من العمل السياسى والاجتماعى "بأحكام قضائية" صدرت فى عهده، فعهد شاهرودى فى القضاء اعتبره الكثيرون من أسوأ مراحل فقدان القضاء الإيرانى استقلاليته.
وفى زمن شاهرودى الذى سلم زمام العهدة القضائية لخليفته آية الله صادق لاريجانى وسط جدل حول محاكمات الإصلاحيين المحتجين على نتائج الانتخابات سجلت أكثر حالات السجن الانفرادى، وحصلت انتهاكات على نطاق واسع لحقوق السجناء وحالات التعذيب وإجبار المعتقلين على الاعتراف عبر التلفزيون، وكلها مخالفات للدستور وللدين ولحقوق الإنسان، كما وجه الرئيس السابق محمد خاتمى رسالته إلى شاهرودى، وطلب منه أن يترك القضاء، مرفوع الرأس بالإفراج عن المعتقلين ووقف المحاكمات وإعادة الحقوق، إلا أنه وبدلاً من ذلك ختم عهده القضائى بإرسال تعليمات جديدة للمحاكم الإيرانية لمعاقبة من تصنفهم المحاكم بأنهم أعضاء فى "خلايا إنترنتية" وهو اصطلاح يشمل كل من يستخدم الإنترنت لإيصال معلومات أو صور عن الوقائع الإيرانية، وكانت رئاسة شاهرودى للقضاء ضربة قوية للحركة الإصلاحية، ففى عهده تم اغتيال رموزها سياسياً، وقتل صحفيين ومعارضين ليبراليين، منهم داريوش فروهر وزوجته بروانة إسكندرى ، وترويع الشارع وقمعه لمجرد تنظيم مظاهرات سلمية أقرها الدستور فى المادة ،27 ولذلك قد يختاره مجلس الخبراء خليفة لخامنئى، رغم "عراقيته" السابقة، التى لم يفلح الإصلاحيون فى وضع خط أحمر عريض تحتها، كونها أيضاً مخالفة دستورية فى أن يتولى رئاسة القضاء "إيرانى هجين".