أسامة الهتيمي - كاتب مصري
خاص بالراصد
لن نملّ من التأكيد مرارا وتكرارا على أن المشروع السياسي الإيراني لا يهدف إلا لتحقيق مصالح ضيقة لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالمصلحة العامة للأمة الإسلامية وأن موقفها الظاهري من المقاومة الفلسطينية وتبنّيها لشعارات المواجهة ما هو إلا محاولة لإيجاد حالة اصطفاف شعبي عربي وإسلامي خلفها لاستغلاله لتحقيق مآربها حيث اللعب على الوتر العاطفي لهذه الجماهير التي تتعطش لقيادة تتقدم صفوف مواجهة التحالف الأمريكي الصهيوني الذي لا يفتأ يمارس كل ما يفتت الأمة ويضعفها.
وفي هذا السياق سعت "الراصد" إلى أن تلتقي بالكاتب والمفكر الإسلامي المصري الدكتور محمد مورو، رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي ورفيق الراحل الدكتور فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، حيث تزاملا في سنوات الدراسة بجامعة الزقازيق المصرية، لنكشف عن جانب من الدوافع التاريخية لعلاقة حركة الجهاد الفلسطينية بالدولة الإيرانية، وهل يمكن النظر لاستمرار هذه العلاقة على أنها تسير على الطريق الصائب أم أن ذلك كان أحد الأخطاء التي كانت ولا تزال تعيق هذه المقاومة؟
في البداية دكتور مورو كيف تنظر للسياسات الإيرانية الآن؟
بصراحة السياسات الإيرانية تتضمن الكثير من الأخطاء التي لا يمكن قبولها ومنها:
أولا : أن الدولة الإيرانية تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق، إذ لم يعد خافيا على أحد أنها ساعدت -وباعتراف بعض قادتها- القوات الأمريكية الغازية على دخول البلدتين المسلمتين.
ثانيا: أنها تصرفت بشكل طائفي فج في التعاطي مع العراق وأهله وهو ما مثل استفزازا لمشاعر المسلمين السنة في كل مكان .. وقد كنت أقول لهم في كتاباتي إنكم إذا تصرفتم بشكل إسلامي فنحن جميعا مسلمون وسأكون معكم‘ أما إذا تصرفتم باعتباركم شيعة فأنا سني وإذا تصرفتم باعتباركم إيرانيين فأنا مصري، وإذا تصرفتم باعتباركم فارسيين فأنا عربي.
وهنا أؤكد أن إيران لو كانت تصرفت بشكل إسلامي فحتما كان ذلك كفيلا بأن يدفع الجميع إلى أن يكونوا على قلب رجل واحد وهو ما لم يحدث للأسف الشديد. فبدلا من أن تسعى إيران وتبذل جهدا حقيقيا من أجل توحيد المنطقة في مواجهة الحلف الأمريكي الصهيوني سلكت مسلكا طائفيا مقيتا ساهم بشكل كبير في الوصول للمشهد الذي تعيشه المنطقة في الوقت الحالي لكن هذا لا يعني أن أعفى الآخرين من سلوكهم الطائفي فالجميع يتصرف بشكل مذهبي وطائفي.
إذا كانت الثورة الإيرانية مذهبية فهذا لا يعنينا فقد كان تأييدنا لها انطلاقا من مبدأ مقاومة الشيطان الأكبر وتوحيد المسلمين لكن وبعد أن اتضح منها ما اتضح فلم يعد أمامنا إلا أن نؤكد رفضنا لهذه الممارسات ونعلن بلا مواربة أننا لسنا مع ما انتهجه نوري المالكي مثلا في العراق خلال فترة حكمه حيث لم يتوانَ عن إبادة أهل السنة، ومارس العديد من الممارسات الطائفية التي كانت سببا في احتقان السنة العراقيين.
رافقتم ولسنوات طويلة الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الفلسطينية والذي عرف بموقفه الداعم والمؤيد للثورة الإيرانية عام 1979.. هل لا تزال ترى صواب هذه الرؤية؟
بداية دعني أؤكد لك أن الدكتور فتحي الشقاقي – رحمه الله - كان سنيا صرفا ولم يكن شيعيا كما يدعي البعض ومَن يقول إنه كان شيعيا فهو يفتري على الرجل – رحمه لله -.
والحقيقة أن الشقاقي تحالف بالفعل مع الدولة الإيرانية وكان ذلك أحد أهم الأخطاء التي وقع فيها، وقد نبّهته لها علنا كما سجلت ذلك في كتابي حول "فتحي الشقاقي صوت المستضعفين" الذي طبع مرتين إحداهما كانت في مصر والأخرى في فلسطين ومن ثم فهو كلام مثبت وليس سرا .
ويجدر بي هنا أن أشير إلى أنه – رحمه الله - اعترف في إحدى المرات بأن ما أشرت إليه في كتابي هو خطأ بالفعل غير أنه برر ذلك الخطأ بأنه خطأ اضطراري إذ أنه لم يجد حليفا آخر مؤكدا أن الفلسطينيين لابد وأن يبحثوا عمّن يدعمهم في معركتهم مع الكيان الصهيوني الذي يتلقى دعما غير محدود من الغرب.
لكن ما الذي دفعكم دكتور مورو إلى تغيير هذه الرؤية حول إيران؟
تتعجب إذا قلت لك إنني لم أكن أعرف وحتى وقت قريب ما هو الفرق بين السنة والشيعة بل إنني كنت أضحك عندما يثير أي شخص أمامي مثل هذه المسألة إذ لم تكن تشغلني على الإطلاق، لكن الذي جعلني أفهم هذا الفرق وأنتبه له هو موقف الدولة الإيرانية من أفغانستان والذي دفعني وقتها إلى أن أكتب أن موقف الرئيس المصري حسني مبارك كان أفضل من موقف إيران الثورة فيما يتعلق بأفغانستان والحرب عليها، الأمر الذي علق عليه السفير الإيراني في القاهرة إلى حد أنه شتمني لكنني رددت عليه وقلت له إنكم إذا تصرفتم كمسلمين فنحن معكم، لكن إذا تصرفتم كشيعة فنحن سنة.
لكن اسمح لي دكتور مورو مسألة غزو أفغانستان جاءت بعد اغتيال الدكتور الشقاقي بسنوات فعلى أي أساس كانت تخطئتكم للدكتور الشقاقي – رحمه الله - ؟
صحيح أن غزو أفغانستان ودور إيران جاء بعد اغتيال الشقاقي بسنوات لكن رؤيتي فيما يتعلق بتخطئة الشقاقي حول علاقته بإيران كانت تتعلق بالأخطاء الإستراتيجية التي كانت تتركز حول أمرين مهمين:
أولهما: علاقة حركة الجهاد الفلسطينية بجماعات العنف في مصر بغضّ النظر عن تقييمنا لهذه الجماعات إلا أنني نبهت الشقاقي إلى أنه الأَولى به أن ينأى بنفسه عن الشأن المصري فأهل مصر أحرار فيما يخص شئونهم ومن ثم كان يجب على الشقاقي أن يركز على القضية الفلسطينية فحسب فلا يجب أن يعادي أي نظام عربي فينشغل عن مقاومة الكيان الصهيوني.
ثانيهما: أنه من الخطأ التعويل الكامل على إيران والاعتماد عليها ماليا فذلك مما يعطي لإيران الحق في التدخل بالتوجيه والضغط.
وقد قابلني الشقاقي – رحمه الله - في أحد المؤتمرات وقال لي إن كلامي صحيح تماما فيما يخص الخطأ الأول وعليه فقد قطع علاقته بجماعات العنف المصرية ولم يعد له علاقة بها سلبا أو إيجابا لكنه أشار إلى أنه فيما يتعلق بالخطأ الثاني الخاص بإيران فإنه مضطر لذلك.
ولعلني أعلق على ذلك بالتأكيد على أنه حتى لو كانت إيران دولة "طيبة" فلا يجب أن ترهن أية حركة مقاومة حركتها بها وهو الكلام الذي ينطبق أيضا على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" والتي ليس خفيا مدى علاقتها بإيران.
كان من بين ما دعا إليه الشقاقي – رحمه الله – الوحدة بين السنة والشيعة .. هل تعتقدون أن مثل هذه الدعوة واقعية بعدما تكشف ما تكشف من السياسات الإيرانية؟
الحقيقة أن السنيّ سيظل سنيا، والشيعي شيعيا فالشيعة بالفعل يسبّون الصحابة وهذه حقيقة لا يمكن أن ننكرها كما أن الشيعة تاريخيا تحالفوا مع الأعداء ضد الأمة فكانت عليها لا معها، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا مانع من العمل المشترك في مواجهة الأمريكيين والصهاينة طالما يصلّون إلى قبلة المسلمين ويشهدون الشهادتين فهم ورغم الأخطاء أقرب إلينا من أمريكا و"إسرائيل" وعليه فإنهم إذا كانوا يرغبون حقيقةً في مواجهة قوى الشر والطغيان فلا مانع من التعاون.
أين ترون مكمن الخطأ لدى الكثير من القادة والمفكرين السنة في تحديد العلاقة مع الشيعة؟
العالم يعاني من تحالف أمريكي صهيوني يضرب أول ما يضرب العالم العربي والإسلامي كما أن الرأسمالية تضرب العالم كله ومن ثم فقد كان تركيز المسلمين على أن يتحركوا كطليعة لمواجهة هذا الإمبريالة وهذه الرأسمالية ويقفوا يدا واحدة ضد غطرستها إذ أنهم يدركون أنهم لو لم يقوموا بهذا الدور فإنهم بذلك قد خانوا الأمانة المنوطة بهم.
ولقد انطلق الكثير من المسلمين السنة ومفكريهم من هذا المبدأ حيث الرغبة في توحيد الصفوف لهذه المواجهة ولهذا فقد غضّوا الطرف عن الممارسات الشيعية عبر التاريخ والتي كانت على طول الخط معادية حيث التحالف مع أعداء الأمة الإسلامية.
وللحقيقة والموضوعية فإن من بين السنة أيضا من سار في الطريق الخطأ من الناحية الأخرى فارتموا في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية واستمر رهانهم على أمريكا حتى الآن.
تميّزون بين المشروعين الشيعي والإيراني. ما هو الفرق بين المشروعين وما هي نقاط التقاطع؟
المشروع الشيعي يمثله المحافظون في إيران أما المشروع الإيراني فيمثله الإصلاحيون وهو مشروع يعمل لمصلحة الدولة الإيرانية والحقيقة أن المشروعين فاشلان إذ المفترض أن يكون لدينا مشروع إسلامي يركز على مواجهة الرأسمالية وأمريكا و"إسرائيل".
والمشكلة الحقيقية بالنسبة للمشروع الشيعي أو الإيراني أنه لا يملك إمكانيات تحقيق طموحه إلا بالتفاهم مع الأمريكان ومن ثم فإن المشروع الشيعي قام على فكرة إمكانية التحالف مع الأمريكان وكان يقود ويمثل هذه الفكرة المجلس الأعلى العراقي بقيادة آل الحكيم وكذا رموز من حزب الدعوة العراقي "المالكي والجعفري وغيرهما" ويقف المرجع الشيعي آية الله السيستاني مع هذا المشروع بقوة.
وهؤلاء تحركهم فكرة أن الشيعة ظُلموا تاريخيًّا وينبغي الحصول على حقوقهم ولو بالتعاون مع أعداء الأمة.
تتحدثون عن أن إيران يمكن أن تبيع حزب الله إذا تمّ الاتفاق بين الأمريكيين والإيرانيين .. كيف يمكن تفسير علاقة طهران بالمقاومة الفلسطينية في ظل هذه المعطيات؟
إن فهم الموقف الإيراني يقتضي قدرًا من التركيب فإيران في المحصلة النهائية تريد التفاهم مع الأمريكان ولكنها تجمع أوراقًا في يدها استعدادًا للصدام أو التفاوض ومن ثم فيمكنها أن تمول وتسلح الجيش العراقي والشرطة العراقية المعادية للمقاومة والموالية للاحتلال ويمكن أن تدعم على العكس حركات مقاومة داخل العراق أو تحرّض أطرافًا من القوى العراقية على مشاغبة أمريكا في نفس الوقت الذي تتفاوض مع الأمريكان في العراق وهذا سلوك مفهوم وهو الإمساك بكل الأوراق المتعارضة ما أمكن ذلك.
وما يمنع الاتفاق بين الإيرانيين والأمريكان ليس عدم رغبة الإيرانيين في ذلك بل إن الإيرانيين يمارسون أسوأ أنواع البراجماتية وهم مستعدون للتفاهم مع الأمريكان ولكن على حد قول علي لاريجاني مسئول الملف النووي الإيراني فإن الأمريكان ليسوا مستعدين لدفع ثمن حقيقي للتفاهم. وفي رأيي فإن إيران على استعداد للتخلي عن الملف النووي الإيراني وعلى استعداد أن تبيع حزب الله ولكن في مقابل أن تطلق أمريكا يدها في الخليج فتسيطر على تلك المنطقة البترولية وتقيم إمبراطورية شيعية في إيران والعراق والبحرين وأجزاء من السعودية والكويت... إلخ. ولكن أمريكا ترفض ذلك لأن هناك مصالح بترولية للشركات الأمريكية التي تمتلك نفوذًا واسعًا في الإدارات الأمريكية المختلفة ولأن هناك أجندة لليمين الأمريكي المحافظ تتعارض مع هذا الأمر.
وهكذا فإن المشروع الشيعي هو خطر على الأمة وخطر على إيران ذاتها وهو مشروع تفكيك وتجزئة الأمة بامتياز.
هل ترون أن حزب الله جزء من الأجندة الإيرانية بمعنى أنه يتم توظيفه بإرادة ووعي من الحزب وقادته لهذا التوظيف أم أن الحزب يتحرك بعيدا عن التوظيف الإيراني؟ بمعنى آخر هل يلعب كل منهما لحسابات خاصة أم أنهما وجهان لعملة واحدة؟
فيما يخص حزب الله فإن من بين صفوفه من يريد بالفعل مقاتلة الكيان الصهيوني وهناك مَن هو تابع للمشروع الشيعي فيما هناك أيضا عملاء للدولة الإيرانية وهم – أي حزب الله - لديهم وعي ومعرفة بأن إيران تقوم بتوظيفه لصالحها ولحساباتها لكنهم هم أيضا مضطرون لذلك إذ لو كان الأمر يتعلق بإنهاء الحزب والتخلص منه فإنهم يستشعرون خطرا يدفعهم إلى التحالف مع إيران ومع بشار الأسد.
هل تعتقد أن إيران الثورة عام 1979 بخلاف إيران الآن أم أن الأحداث كشفت عن الوجه الحقيقي للدولة الإيرانية؟
إيران الآن دولة وليست ثورة ومن ثم فهي تسعى لتحقيق مصالحها وعندها تفاهمات مع أمريكا بل ومع جميع القوى والأطراف حتى إنك تجد لإيران علاقات مع تنظيم القاعدة.
لا يصيبني الضيق إذا ما أعلنت صراحة أنك براجماتي شريطة أن تعلن عن ذلك فإذا ما فعلت ذلك فلربما أقف معك وأدعمك لكن أن تدّعي أن ما تقوم به هو ما يمثل الإسلام فهذا سخف وافتراء.