سلسلة تتناول شخصيات شيعية معاصرة الْتبست حقيقتها على أهل السنة، فتكشف عن المجهول من معتقدها وفكرها، ونظرتها إلى السنة وأهلها.
10- مقتدى الصدر
إعداد: هيثم الكسواني - كاتب أردني
خاص بالراصد
يُعتبر مقتدى الصدر أحد الأمثلة الواضحة لفقدان بعض أهل السنة للبوصلة، ففي الوقت الذي يَرتكب فيه الصدر وميليشياته المجازر ضد السنة في العراق وسوريا، يَنظر إليه البعض منهم على أنه شخصية عروبية ووطنية ثائرة ومستقلة، ورافضة للاحتلال الأمريكي للعراق، بل وصل الأمر ببعضهم، في وقت من الأوقات، أن يطلبوا منه المساهمة بحمايتهم من الميليشيات الشيعية الطائفية! ليصدق فيهم المثل "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
أولاً: حياته ونشأته
ولد مقتدى محمد الصدر في 12/8/1973م، وهو الابن الرابع للمرجع الشيعي العراقي محمد محمد صادق الصدر، الذي أُغتيل في سنة 1999م، مع ولديه مؤمل ومصطفى. ومعروف أنه كان يتبع للصدر الأب تيار شيعي كبير، يتكون بشكل أساسي من الفئات الفقيرة وغير المتعلمة، ويتركز في مدينة الثورة، التي عُرفت أيضا باسم "مدينة صدام" قبل أن تتحول إلى "مدينة الصدر".
أما مقتدى الذي لم يُعرف عنه الذكاء والنباهة، واشتهر في صغره بلقب "الملا أتاري" لإدمانه على ألعاب الفيديو، فقد انقلبت حياته رأسا على عقبٍ، بسقوط نظام صدام حسين في 9 نيسان/ أبريل 2003م، على يد القوات الأمريكية، وتسلم الشيعة بمختلف أحزابهم قيادة البلاد، إذ ورث مقتدى (صغير السن والذي يفتقر للتجربة والخبرة) تيارا شيعيا كبيرا، كان يتبع لوالده، "وفتح عينَه فوجد جماهير ومريدين يهتفون باسمه، ولا يَعرف ما يصنع بهم، كمن هطلت عليه ثروة من السماء أو ورث مالاً عظيما"().
ثانيا: إجرامه
ارتبط الإجرام بشخصية مقتدى بعد يوم واحد فقط من سقوط نظام صدام حسين، إذ قام أنصاره (بموافقته) باغتيال عبد المجيد الخوئي، نجل مرجع الشيعة الراحل أبي القاسم الخوئي، داخل مقام علي بن أبي طالب في مدينة النجف، في العاشر من نيسان/ أبريل، مع عدد من مرافقيه، إذ ظهر الخوئي الابن، وهو القادم من لندن حيث كان يرأس "مؤسسة الخوئي الخيرية" كأحد منافسي مقتدى على زعامة البيت الشيعي في عراق ما بعد صدام، في مشهد يعيد إلى الأذهان صراع الصدر الأب مع مراجع الشيعة الآخرين.
ويتحدث الصحفي العراقي معد فياض، الذي كان مرافقا للخوئي الابن في رحلته من بريطانيا إلى العراق عن مقتله، وعن اقتحام أنصار مقتدى لمقام علي بن أبي طالب (حيث كان يتواجد الخوئي وبعض مرافقيه)، لقتل سادن المقام حيدر الرفيعي، الذي يتهمونه بالعمالة لنظام صدام، مستخدمين مختلف أنواع الأسلحة.
يقول فياض: "دخل علينا المهاجمون وهم يصرخون «اقتلوهم.. اقتلوهم»، إلا أن الخوئي أجابهم: «هذا حرام، كلنا مسلمون وكلنا شيعة ونحن في حضرة الإمام علي. لقد قتلتم شاباً عراقياً مسلماً لماذا؟»، وهنا تعالت أصواتهم وهم يقولون «اسكتوا سنقتلكم الآن». وبالفعل وضعونا في مواجهة الجدار لتنفيذ حكم الإعدام فينا إلاّ أن أحدهم قال: يجب أن نأخذهم إلى بيت مقتدى الصدر. وهكذا كبلوا أيدينا بالحبال وصادروا كل ما في جيوبنا من أموال وأوراق وأجهزة هاتف وكاميرات وهم يضربوننا.
ثم اقتادونا مكبلين، وكنا خمسة أشخاص، السيد عبد المجيد الخوئي وأنا والشيخ صلاح بلال وحيدر الرفيعي وشخص آخر عراقي مقيم في أميركا، وما أن خرجنا حتى انهالت علينا السكاكين والخناجر والهراوات.
وعند اجتيازنا الشارع المؤدي إلى بيت مقتدى الصدر بلغ الضرب والهجوم ذروته، ولا أدري كيف استطعتُ أن أفك وثاقي وأندس بين الناس وأهرب من المكان وعندما وصلت بقية المجموعة إلى بيت مقتدى الصدر رفض فتح الباب وقال لمريديه: اقتلوهم في الشارع ولا تدخلوهم إلى بيتي، وكانت جماعة الصدر قد منحتنا الأمان.
وعند الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق وعندما كان أذان صلاة الظهر يعلو من مآذن مرقد الإمام علي كان الخوئي وحيدر الرفيعي قد قُتلا على أيدي المهاجمين"().
ويستمر إجرام الصدر بتأسيسه "جيش المهدي" كجناح عسكري للتيار الصدري في آخر عام 2003، والاسم هنا لا يخلو من الدلالة، فالمهدي المنتظر عند الشيعة هو الذي يُخرج أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من قبريهما ويصلبهما ويحرقهما، وهو الذي يبيد العرب، وهو الذي يقتل حرّاس الكعبة أيضا، وغير ذلك من الأعمال القبيحة المستهجنة، لذلك جاءت أعمال هذا الجيش قبيحة مستهجنة أيضا.
وارتكب جيش المهدي جرائم يندى لها الجبين بحق أهل السنة، من خطف وقتل وتهجير، وتدمير للمساجد أو الاستيلاء عليها في بغداد والبصرة وغيرهما، خاصة في أعقاب تفجير قبة مرقد العسكريين في مدينة سامراء سنة 2006م، والذي اتخذ ذريعة للبطش بالسنة وإكمال المسلسل الطائفي بحقهم، وهو الأمر المعلوم للجميع، رغم محاولة مقتدى التنصل من هذه الجرائم.
ولم ينحصر إجرام مقتدى الصدر وجيشه في الأراضي العراقية، إذ تعدى حدوده ليصل إلى سوريا للمشاركة بجانب نظام الأسد في قمع الثورة السورية، مثله مثل عدد آخر من الميليشيات الشيعية كحزب الله ولواء أبي الفضل العباس وغيرهما، والذريعة دائما حماية مقام السيدة زينب في دمشق. وقد ذكرت تقارير صحفية أن عناصر جيش المهدي المتواجدين في سوريا للقتال مع الأسد بلغ 4600 مقاتل.
ثالثا: علاقته بإيران
أقام مقتدى الصدر أوثق العلاقات مع إيران على الرغم من أنه عادة ما توصف مرجعية الصدر بأنها مرجعية عربية، وقد استطاعت إيران استمالته مبكرا، فقد قام الصدر بزيارة إيران في حزيران/ يونيو 2003، أي بعد شهرين من الاحتلال، للمشاركة في ذكرى وفاة الخميني، والتقى خلال الزيارة مرشدها علي خامنئي وكبار المسؤولين فيها.
ومما يثير الاستغراب أن مقتدى الصدر (العروبي!) هو أحد مقلدي المرجع الشيعي الإيراني كاظم الحائري، الذي هو أحد مستشاري خامنئي، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك حول استقلالية التيار الصدري، ونهجه العروبي المستقل عن إيران أو التدخلات الخارجية كما يحلو للبعض الترويج.
ومِن مظاهر ارتباط مقتدى الصدر بإيران قضاؤه مدة أربع سنوات في إيران (2007 – 2011) بحجة الدراسة، وهي الفترة التي تم تطويعه فيها، كما وفرت إيران ملاذا لقادة جيشه في أعقاب الحملة العسكرية التي شنها عليه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في سنة 2008 بمساعدة القوات الأمريكية().
رابعا: علاقته بالأمريكان
يعود جزء من انخداع أهل السنة بمقتدى الصدر إلى اصطدامه بالقوات الأمريكية في عام 2004، أي بعد عام من الاحتلال، والسبب في ذلك يعود إلى إغلاق السلطات الأمريكية لصحيفة (الحوزة الناطقة) التابعة للتيار الصدري ، ونزع راية دينية كانت مرفوعة فوق أحد المباني في بغداد، علما بأن مقتدى عندما أسس (جيش المهدي) أعلن أنه "لحماية المراجع والمراقد المقدسة"، مؤكداً أنه لن يقاتل القوات المحتلة مكتفياً بالمقاومة السلمية لعدم التكافؤ بين الطرفين()!!
وعلى الرغم من أن الأميركيين مكثوا في العراق ما يقرب من 10 سنوات، إلاّ أن جيش المهدي والتيار الصدري دخلا في سبات عميق عن مقاومة الاحتلال، وبدلا من ذلك وجها أسلحتهما وإمكانياتهما للبطش بالسنة، سوى بعض الحوادث والاشتباكات التي تهدف لتحسين النفوذ أو تحصيل الامتيازات.