خاص بالراصد
من المعلوم لكل متابع لحركة النشاط الشيعي في التاريخ أن القائمين بأمر هذا المذهب والساعين لنشره وتوسيع نفوذه الديني والسياسي يستغلون أحوال الضعف والتفكك والانهيار الذي يصيب الجسد الإسلامي، فقائمة التشيع إنما تقوم على ما يُهدم ويتهاوى من بنيان الإسلام ودوله ومجتمعاته سواء كان هذا الضعف من صنيعة اتباع التشيع أو جاء اتفاقاً وتناغماً مع الظروف والأحوال العسيرة التي تمر على الأمة الاسلامية.
ومن المعلوم أن مرقد العسكريين يمثل عند الشيعة المقام الأكثر قداسة بعد مرقد علي رضي الله عنه في النجف ومرقد ولده الحسين رضي الله عنه في كربلاء، وبهذا يكتمل مثلث القداسة الشيعية فهذه البقاع بالنسبة للإمامية وعموم الشيعة كمكة المكرمة والمدينة النبوية والمسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين.
ولذلك لم يكن حادث تفجير مرقد سامراء (شباط 2006) فاتحةًً لشن حرب شيعية على أهل السنة وتغيير ديمغرافية بغداد فحسب، بل بداية مشروع للتمدد الطائفي في كافة المناطق السنية كما تؤكده الأخبار المتواترة من مدينة سامراء.
وحكاية الاستهداف الشيعي لمدينة سامراء ظهرت أخبارها الأولى مع نهاية القرن التاسع عشر، حيث يروي الدكتور علي الوردي -الكاتب الاجتماعي المعروف[1]- «أن المرجع "الميرزا محمد حسن الشيرازي سافر إلى سامراء في أيلول 1874 واستقر فيها، وأخذ تلاميذه وأعضاء حوزته ينضمون إليه تدريجياً، ثم التحق إليه أفراد عائلته وأصحابه جميعاً، وصار الشيرازي بعد استقراره في سامراء ينفق الأموال الطائلة فيها، فشيد مدرسة دينية باسم (مدرسة الميرزا)، وكانت أكبر مدرسة شيعية في العراق؟!، وشيّد حسينية، وسوقاً كبيرة ودوراً كثيرة وحماماً للرجال وآخر للنساء، ونصب جسراً من القوارب على دجلة بلغت تكاليفه ألف ليرة عثمانية، وأقام شعائر العزاء من تطبير ولطم وضرب بالزناجيل، ودعا إلى الهجرة الشيعية من النجف وكربلاء والكاظمية وإيران إلى سامراء، كما بذل العطاء لسكان سامراء الأصليين ولا سيما للرؤساء لتأليف قلوبهم، وتحولت سامراء إلى مدينة كبيرة مكتظة بسكانها، وبدأ أهلها يميلون إلى التشيع على غرار ما حدث لعشائر الجنوب العراقي". فالميرزا محمد حسن الشيرازي اختار أسلوب الكسب بدلاً من أسلوب العنف والقتل المتبع حالياً.
ويتحدث آغا برزك الطهراني في كتابه "المجدد الشيرازي" عن سعي هذا الشيعي لنشر مذهبه وتوسيع نفوذه في سامراء فيقول: «فصارت سامراء من بركة وجوده (أي الشيرازي) مركزاً للعلم والعلماء، وظهرت فيها مظاهر التشييع عن حجاب التقية والخفاء، مثل الآذان والصلاة وإقامة مجالس اللطم والنواح والعزاء، ومالت القلوب إليه كل الميل، وتنفرت عن كبرائهم أهل الحيف والميل، فوشى بالخبر إلى خليفتهم القاضي الناصبي، العنيد الشقي، الموسوم بمحمد سعيد النقشبندي، فشمر عن ذيل التعصب يداً، وأقام في التسويلات مجتهداً، مستعملاً للحيل واللطائف، مستعيناً ببناء المدرسة وإجراء الوظائف، حتى نال مراده، بما صنعه من صنيع أجداده، فوقع في العصر الأخير ما وقع في الصدر الأول، من رجوع القوم القهقرى»[2]
أما ما قام به العلامة النقشبندي فيرويه الاستاذ يونس السامرائي فيقول: «وفي سنة 1312 هـ سافر العلامة محمد سعيد النقشبندي إلى تركيا حيث دعاه السطان عبد الحميد الثاني فأكرمه وأصدر له إرادة سلطانية ببناء المدرسة العلمية الدينية في سامراء حيث عين مدرساً في سامراء وبنى المدرسة العلمية سنة 1316هـ، ولما قدم النقشبندي المدينة استقبل استقبالا حافلاً وكان موضع هذه المدرسة دوراً للأهلين، وحيث أنه ملاصق للجامع الكبير وفي قرب الحضرة الشريفة وفي وسط البلدة أحب أن تكون المدرسة بهذا الموضع لهذه المعاني فأقنع أهل الدور بمعرفته وحسن سيرته وأخلاقه واشتراها منهم بالثمن الذي أرضاهم به عن طيبة نفس، وعمرها هذا التعمير البديع وكان رحمه الله حازماً عارفاً ومن حزمه وبعد نظره أنه سجّل في هذه المدرسة عموم أولاد رؤوساء هذه البلدة وبهذا الموقف الكريم توقفت حركة المتحركين وشُلت أيدي المبتدعين فتفرقوا أيدي سبأ ولم ترفع لهم راية ولم يثأر لهم ثائر»[3]
وبعد الاحتلال الأمريكي 2003 وتسلم الشيعة زمام الحكم أصبح الطريق أكثر سهولة إلى تنفيذ مشاريع الهيمنة والتوسع، وسنكون منصفين أكثر إن نقلنا كلام رجل علماني حول التهديد الجديد لهوية "سامراء السنية"، لأن كتابات الاسلاميين وتحذيراتهم من النشاط الشيعي أصبح -وللأسف- يصنف على أنه كلام طائفي هدفه إثارة الفتن والمشاكل، كتب الفريق أول الركن وفيق السامرائي (المستشار الأمني السابق للرئيس جلال الطالباني): «لقد أخذ المالكيَّ الغرورُ بما تحقق من نتائج أمنية لم يكن له دور بنّاء فيها، بقدر ما كانت سياسته عنصر استفزاز. وصرف معظم وقته من أجل بقائه في الحكم، الذي يفترض أنه أصبح مستحيلا، ومن أجل وضع أسس خطيرة جداً على المستوى الطائفي، حيث تُبذل في وقته جهود مريبة من أجل التخطيط لتغيير هوية مناطق حساسة من العراق، ومحاولة إقصاء أهلها عن مركزها بأموال الدولة وسلطتها، مما سيترك أثرا خطيراً على مستوى المنطقة والعالم ، ويُستخلص من نهج المالكي أن كل ما يريد فعله هو أن يترك بصمات طائفية تبقى مقرونة باسمه من قبل ذوي التوجهات المماثلة، وهكذا هو ديدن الأحزاب الطائفية من أي لون كانت »[4].
ويقول في مقال آخر: «وفي مجال مماثل، تُرصد تصرفات مفضوحة للحكومة الحالية. بالعمل على استملاك مساحات كبيرة حول مراقد سامراء وإزالة المباني، لتبلغ مساحة منطقة المراقد نحو 250000 متر مربع كخطوة أولى. وإذا ما خصصت فعلاً كما هو معلوم للوقف الشيعي لإقامة منشآت حوزوية وغيرها، فإن المخطط يعكس مشروعاً خطيراً لتغيير الهوية الدينية لمدينة لها خصوصية خاصة (مطلقة)، وفق منهج مرسوم، بسلطة الدولة وإمكاناتها وأموالها. وخطوة كهذه يمكن أن تؤدي إلى فتنة كبيرة يتعدى نطاقها الإقليم، وإلا فإن من المفروض أن تكون الاستثمارات لمصلحة المدينة وباسمها، وليس للوقف الشيعي أو السني الذي سُحبت المراقد منه. ومن حق أهل سامراء تثبيت اعتراضهم بتظاهرات سلمية ومواقف إعلامية، وليس منعهم كما هي الحال، طبقاً لما بلغني. وإذا ما أصرت حكومة المالكي على غايتها، يصبح الطريق مفتوحاً لتقديم شكاوى إلى المحاكم الدولية ضد رئيس الحكومة، وتتولى المؤسسة الحقوقية المتابعة. ووفقاً لمعلومات متاحة، فإن مؤسسة الكوثر الإيرانية تتولى تهيئة الأموال اللازمة لاستغلال فرص المشروع.
وهنالك من يقول إن التوسعة سبق أن نفذت في مدن كربلاء والنجف لمصلحة الوقف الشيعي. فالحالتان مختلفتان تماماً بحكم اختلاف الخصوصيات الخاصة بين المدينتين وسامراء. والذين يحاولون التسويق والربط يضحكون على أنفسهم، وفي الحالتين، التهجير ومؤامرات تغيير الهوية يُنتظر من الفضائيات المميزة والمعنية بنشر العدل والديمقراطية، تغطية هذين الموضوعين الخطيرين، كما أدعو جريدة الشرق الأوسط الغراء إلى إجراء تحقيقات مفصلة حولهما. ولكشف تفصيلات كثيرة عن الدور الإيراني في ما يجري. علما أن سامراء تعد المدينة الوحيدة في العالم المطوقة بأسيجة خرسانية وخنادق بالرغم من أنها تعتبر حالياً من أكثر المدن أمناً»[5]
وهذا المخطط سبق وأن دعا إليه المرجع الإيراني حسين علي منتظري حيث جاء في بيان أصدره بتاريخ (23/محرم / 1428هـ) بمناسبة الذكرى الأولى لتفجير سامراء حيث قال:« نتوقع من العلماء و المراجع المحترمين في العراق، و الشيعة الغيورين و الأشخاص المؤثرين في ذاك البلد و بالدعم التام من قبل الحكومة العراقية أن يُخرجوا مدينة سامراء المقدسة والحرم المطهر للإمامين العسكريين عليهما السلام من الغربة، ومن خلال تشريك المساعي والتدبير الكامل وبشكل دائم أن تسير القوافل والرحلات الزيارية المجللّة والهيئات الدينية مع حراسة القوى الأمنية إلى تلك المدينة المقدسة، حتى إن شاء الله و بالتدريج تخرج مدينة سامراء من تلك الحالة المؤسفة والغربة الحالية، وأن يتحول إلى مركز قوي من الموالين والمحبين لعترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم».
ومؤخراً نشرت «وكالة السومرية نيوز»[6] تقريراً تضمن معلومات جديدة عن النشاط الإيراني في سامراء من قبيل دعوة منظمات مدنية للحديث عن زواج المتعة بين شباب السنة. وتنظيم سفرات سياحية مجانية لإيران التي تنظمها (منظمة الصداقة مع الشعوب) الإيرانية التي بدأت تمارس نشاطاتها في المحافظة منذ ستة أشهر حيث يتم صرف 500 دولار كمصروف جيب لكل شخص، وتتضمن الرحلة السياحية زيارة قبر الخميني والتجوال في مدينة قم، وذلك بهدف كسب الشباب العراقى السني وكسر عزلة طهران الدولية.
كما قامت إيران بالتبرع ببناء مدرسة افتتحها السفير الإيراني في العراق، وذكر التقرير أن السكان في سامراء متخوفون من هذه التحركات الإيرانية لكنهم وكما يقول أحد السكان المحليين: " لا نستطيع فعل شيء في ظل قبول الحكومة المحلية بهذه التحركات، لكنني شخصيا سأكتفي بعدم إرسال أبنائي إلى هذه المدرسة".
وشملت هذه النشاطات قيام الوقف الشيعي بإغراء أهالي سامراء من أصحاب العقارات القريبة من مرقد الإمامين العسكريين ببيع أراضيهم مقابل أكثر من مليوني دينار عن المتر المربع الواحد، ولذلك قرر مجلس المحافظة سحب السجلات الخاصة بالتسجيل العقاري إلى مركز المحافظة في تكريت للوقوف بوجه أي تلاعب، خاصة بعد تعيين موظف جديد من بغداد لمديرية العقارات في سامراء وهي خطوة أثارت الشكوك والريبة.
ويظهر مما تقدم أن هناك وعياً لمحاولات الاختراق الإيرانية، لكن هذا الوعي مهما بلغ فإنه لن يقف بوجه الإغراءات المادية والضغوطات الحكومية لا سيما في ظل غياب المشاريع المضادة والمقاومة لهذه المشاريع فلا يفل الحديد إلا الحديد، وإن المسؤولية الكبرى في مواجهة هذا التحدي الخطر تقع على عاتق أهالي سامراء أولاً ثم عموم أبناء محافظة صلاح الدين، لأن هذا الأمر لن يقف عند الإغراء والاستدراج فلن يعقب هذه الخطوات إلا التضييق الإقتصادي والسلخ التدريجي لهوية المدينة الدينية طوعاً أو كرهاً، لا سيما مع وجود بؤر شيعية في المحافظة كالدجيل وبلد.