هيثم الكسواني
شغل أئمةُ االشيعة الإثنا عشر مساحة من الزمن امتدت لثلاثة قرون، ومع ذلك فإنه لا يوجد لأحد منهم كتاب في الفقه أو الحديث، يبين مذهبه وفقهه، على العكس من أئمة المذاهب الأخرى، وإن كلّ ما وصلنا منهم هو روايات منسوبة إليهم تم تدوينها بعدهم بفترة طويلة، حيث يعتبر كتاب (الكافي) لمحمد بن يعقوب الكليني أقدم كتب الحديث عند الشيعة، وأوثقها، وأحد أربعة كتب معتمدة في الروايات المنسوبة للأئمة تُعرف باسم الكتب الأربعة أو المصادر الأربعة.
وإذا علمنا أن الكليني، الملقب عند الشيعة بـ (ثقة الإسلام)، تُوفي في سنة 328هـ، فإن ذلك يعني وجود فاصل زمني كبير بين الأئمة وبين الروايات المنسوبة إليهم، لا سيّما جعفر بن محمد الصادق، رحمه الله، الذي يعتبره الشيعة الإثنا عشرية سادس أئمتهم المعصومين (ت: 148هـ)، والذي ينسبون إليه مذهبهم الفقهي، ما يجعل المذهب مشكوكا في أصله.
المأزق الأول
للخروج من هذا المأزق (أي عدم وجود مؤلفات للأئمة أو روايات جُمعت في عصرهم) قال الشيعة إن لديهم 400 كتاب دوّنها تلاميذ الأئمة مباشرة، من مجالسهم وإملاءاتهم، عُرفت باسم: الأصول الأربعمائة. وهؤلاء عددهم أيضا 400 شخص، لكل واحد منهم مصنّف، وكلهم سمعوا الأحاديث من الأئمة المعصومين مباشرةً ومن دون واسطة في النقل ودوّنوها في كتبهم، فكان عليها اعتمادهم، وقد عُرض كثير منها على الأئمة. لذلك تعتبر تلك الأحاديث عند الشيعة من أمهات الأحاديث الشريفة القطعية الصدور عن الأئمة وأهل البيت، من هنا اصطُلِح على تسميتها بالأصول الأربعمائة، باعتبارها أصولاً لغيرها من الأحاديث.
يدلل الشيعة على هذه الأصول واطلاع الأئمة عليها بروايات، منها: "عن أبي هاشم الجعفري، قال: عرضتُ على أبي محمد العسكري عليه السلام (الإمام الحادي عشر) كتاب (يوم وليلة) ليونس فقال لي: تصنيف مَن هذا؟ قلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: أعطاه الله بكل حرف نورا يوم القيامة".
ومنها أيضا: "عن أبان بن أبي عياش قال: هذه نسخة كتاب سليم بن قيس العامري ثم الهلالي دفعه إلى أبان بن أبي عياش وقرأه وزعم أبان أنه قرأه على علي بن الحسين عليهما السلام فقال: صدق سليم، هذا حديث نعرفه".
المأزق الثاني
وقع الشيعة في مأزق آخر، وهو أن هذه الأصول التي يعتقدون أنها "من أمهات الأحاديث الشريفة القطعية الصدور عن الأئمة وأهل البيت" وبأن تلاميذ الأئمة دوّنوها على مدى ثلاثة قرون، ليس لها وجود، وباعترافهم فإنها اندثرت واختفت وأُتلفت وأُحرقت، ما يجعل مذهب الشيعة على المحكّ، إذ كيف يعقل أن هذه الأصول التي قام عليها مذهبهم، والبالغ عددها أربعمائة، ليس لها وجود؟!
للخروج من هذا المأزق الجديد، قال الشيعة إن هذه الأصول الأربعمائة جُمعت وتم تلخيصها في كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الشيعة وهي (الكافي للكليني، ومَن لا يحضره الفقيه لابن بابويه القمي، وتهذيب الأحكام والاستبصار للطوسي)، والتي ألّفها أصحابها في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
ويقول الشيعة إنه مع حُسن تبويب الكتب الأربعة انتفت الحاجة إلى الأصول الأربعمائة، واستُغني عنها، وهكذا ببساطة يحلّ الشيعة إشكالية عدم وجود الأصول التي قام عليها مذهبهم، يقول د. طه الدليمي: "لقد ضاعت جميعها، ولم يبقَ منها إلاّ أخبار عنها تُذكر في الكتب! وهي لو وُجدت حقا لاحتاجت إلى فحص وتدقيق، وتثبت وتوثيق. فكيف وهي مفقودة لا وجود لها؟!".
للاستزادة:
1- أسطورة المذهب الجعفري – الدكتور طه حامد الدليمي.
2- مع الإثنى عشرية في الأصول والفروع – الدكتور علي أحمد السالوس.
3- دراسة "تراثنا الحديثي مأخوذ من الأصول الأربعمائة الشريفة المروية عن الصادقين عليهم السلام" - محمد جميل حمود العاملي.