فاطمة عبد الرءوف
تعد الجلسة 57 للجنة مركز المرأة في الأمم المتحدة والتي جاءت بعنوان إلغاء ومنع كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات Elimination and prevention of all forms of violence against women and girls والتي عقدت من 4 إلى 15 مارس الماضي حلقة جديدة من حلقات متابعة العلمانية العالمية لتنميط المرأة والأسرة وفق النمط الغربي الذي تم تدشينه باعتباره النمط المثالي الذي ينبغي قياس درجة تقدم المجتمعات على المستوى الاجتماعي وفقا لدرجة تقاربها إن لم يكن تماثلها معه.
أما الحديث عن الخصوصية الثقافية للمجتمعات فهي صياغة تكتيكية المقصود بها استخدامها كآلية للدفاع عن المقترحات الفاضحة والمشينة التي تتضمنها الوثائق الأممية فيقال إن هذه البنود ليست جبرية وإنما من حق الدول الأعضاء التحفظ عليها وهو الأمر الذي حدث بالفعل مع وثيقتي سيداو وبكين، وهي التحفظات التي سوف تذهب أدراج الرياح إذا استمرت المنظمة الأممية تعمل بنفس مخططاتها وبقينا نحن نراوح مكاننا بين الدفاع وافتراض حسن النوايا، ففي الجلسة الأخيرة.. الجلسة 57 السابقة الذكر طالبت المنظمةُ الدولَ الأعضاء برفع تحفظاتها السابقة ..
فالمنظمة الأممية قبلت بهذه التحفظات إذن كخطة مرحلية حتى تنجح رأس الحربة (المنظمات النسوية الممولة من الغرب) بتهيئة الأرض المناسبة لتقبل هذه البنود الشائنة خاصة أن هذه البنود تأتي في كثير من الأحيان بصيغة مموهة وألفاظ مستحدثة يشوبها الغموض الشديد.
مصطلحات غامضة
ومن ذلك إدانة أي عنف يوجه للمرأة على أساس الجندر Gender base violence وإذا تساءلنا ما هذا الجندر ... ذلك المصطلح الأممي الغامض سنجد أنه يخفي وراءه حزمة من الأفكار الخطيرة فالجندر هو النوع الاجتماعي، فالإنسان ليس ذكرا أو أنثى وفق التقسيم البيولوجي الطبيعي في رأي المنظمة الأممية وإنما هو إنسان يختار جنسه ذكرا أو أنثى فمِن الممكن أن يتفق مع نوعه البيولوجي ومن الممكن جدا أن يختلف. ومن هنا تنص الوثيقة على عدم إدانة هذا الاختيار بتوقيع عقوبة جنائية أو حتى مجتمعية .. وهنا نتوقف أمام هذا السيل الإعلامي الذي يقول إن الوثيقة لا تتحدث عن الشذوذ والشواذ. نعم، هي لا تقول الحرية للشواذ ربما لأنهم لا يعتقدون بأن ثمة شذوذا في الأمر ولأنهم أيضا يريدون أن يمتصوا الغضب الشعبي المنبثق من الدين والأخلاق والفطرة السوية.
إن الذين يقولون ويدّعون أن الوثيقة لا تدعو لإباحة الشذوذ إما يقرؤونها قراءة سطحية لدرجة الغباء وإما يتعمدون التشويش على شعوبهم بتكرار هذا الهراء ولِم لا والمنظمات التي يعملون معها تتلقى مبالغ طائلة لدعمها وتسويق مخططهم الجهنمي لهدم كيان الأسرة التي يطلقون عليها نمطية للتفريق بينها وبين الأسرة التي يدعون لها والتي ليس بينها وبين مفهوم الأسرة أكثر من العنوان.
هدم الأسرة
الأسرة التي تدعو لها الوثيقة تتساوى فيها المرأة مع الرجل بشكل مطلق وما لم تكن تلك المساواة كاملة ومطلقة فإن هذا يعد عنفا موجها نحو المرأة ينبغي مناهضته .. وفي هذا الصدد تجد من يحتل منبرا إعلاميا يقول إن الوثيقة لم ترفض قوامة الرجل، أليس ذلك أمرا مضحكا؟! فكيف تكون المساواة مطلقة في كافة الأدوار الحياتية وكيف تكون القوامة مصانة ولم تمس في الوقت ذاته؟! إنهم يستخفون بعقول الشعوب وهيهات أن ينجحوا فالشعوب أوعى من هذه النخبة الفاسدة المضلة.
ومن ذلك أيضا المطالبة بمواجهة القوانين التي تقلل من هذه المساواة المطلقة واعتبار هذه القوانين عنفا موجها نحو المرأة، ألا ينطبق هذا الأمر على قوانين الميراث أم ننتظر حتى تذكره الوثيقة الأممية بالنص حتى يفهم مثقفونا المتغربون.
ألا ينطبق ذلك أيضا على منع تعدد الزوجات ومنح المسلمة الحق في الزواج بغير المسلم وسحب سلطة التطليق من يد الزوج وإلغاء العدة.
سياسة تدريجية
على أن حقيقة الأهداف الأممية تتضح بالتدريج فالمتابع لشأن كل وثيقة تخرج سيجد أنها تقدم رؤية أكثر وضوحا وجرأة في طرح الأهداف وهذه المرة تحدثت الوثيقة عن تجريم اغتصاب الزوج لزوجته ومساواة من يفعل ذلك بمن يغتصب أجنبية باعتبار أن العنف الأسري لا يزال أكثر أشكال العنف انتشارا ويؤثر على النساء من جميع الطبقات الاجتماعية على مستوى العالم بحسب ما ورد في الوثيقة.
(بل إن الأمر وصل إلى مطالبة الاتحاد الأوروبي (EU) بتحويل ما أطلق عليها "جرائم العنف المبني على الجندر"، إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC)، ولن يقتصر الأمر هنا على جرائم الاغتصاب الممنهج أثناء الحروب، وإنما نظرا لتعميم مفهوم "العنف المبني على الجندر" في الوثيقة، فإن أي ممارسة تدخل في نطاق ذلك التعريف، سيتم تحويلها – وفقا لتلك الإضافة - إلى محكمة الجرائم الدولية (ICC)، وبصفة خاصة ما أطلقوا عليه "العنف الجنسي Sexual violence"، والذي يشمل أيضا العلاقة الخاصة بين الزوج وزوجته)().
هذا الهراء الأممي يجد من يصفق له باعتبار أن العلاقة الحميمة هي علاقة عاطفية بالأساس فلا يتصور أن تتحول لجريمة اغتصاب، ومراكز وجمعيات المرأة تنشر كتبا كثيرة تقول إن بها توثيقا لحالات حقيقية لزوجات تعرضن لاغتصاب من أزواجهن إن كان هذا التعبير جائزا.
احترام الخصوصية
والحقيقة أنه لا يوجد في العالم تعبير أدق أو أجمل من التعبير القرآني الذي يصور طبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].
السكن.. المودة.. الرحمة أسس ومبادئ النظرة الإسلامية للزواج وعندما تستحيل العشرة الطيبة فهناك خيار الطلاق للزوج وطلب الطلاق من الزوجة أو الخلع دون إفشاء لأسرار الحياة الزوجية التي يريد واضعو الوثائق الأممية أن يكشفوها، ففي عالم يصبح فيه كشف العورات تحررا وهدفا والشذوذ حقا من حقوق الإنسان تصبح حرمة الحياة الخاصة أمرا لا قيمة له ولا معنى.
ينبغي أن ننتبه وندق أجراس الخطر فمثل هذه الوثائق ستتحول لإلزام حقيقي وستصبح اتفاقية (سيداو) حقيقة واقعية يترتب على الإخلال بها عقوبات دولية إذا نجحوا في تحويل "جرائم العنف المبني على الجندر" إلى المحكمة الدولية.
الخطوة القادمة
الخطوة القادمة أكثر سوداوية وفحشا ولن يكون الحديث فيها غامضا يحتمل أكثر من معنى .. ومن يريد الدليل على ذلك عليه بقراءة تلك المقترحات المشينة التي تشمل فقرة كاملة والتي قدمها الوفد الأمريكي حول حقوق الشواذ بكافة اتجاهاتهم، وذكرهم في الوثيقة بصفة كل منهم بناء على طلب الشواذ أنفسهم (سحاقيات ـ الشواذ من الرجال ـ ثنائيو الممارسة ـ المتحولون ) والعاملات في الدعارة حيث أدانت: ".. جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات بما في ذلك الشواذ (LGBT) والعاملات في الجنس التجاري".
سيقول الخبثاء من مروجي هذه الوثائق الهدامة إن هذه الفقرة لم تقر وذلك أكبر دليل على احترام خصوصيات الشعوب وأن المنظمة الأممية لا يمتلكها تيار بعينه أو دول بعينها وهذا هو الخداع بعينه لأنهم يرسلون لنا رسالة وهمية أن ما تم إقراره بالفعل غير هذه الفقرة هو أمر مقبول وسائغ.
إن الفقرات التي تريد الولايات المتحدة إضافتها إن لم تقر في الجلسة 57 فإن الوفد الأمريكي والأوربي لن يتجاهلها سوف يتم تأجيلها للجلسة 58 أو حتى الجلسة 60 وسوف يتم الضغط من أجل إقرارها، وربما سوف يستخدمون في البداية مصطلحات أخرى غامضة ثم تدريجيا يستخدمون المصطلح الأكثر وضوحا حتى يصلوا إلى ما يريدون، ويجعلون من ذلك ملزما للدول الأعضاء يترتب على الإخلال به عقوبات دولية. فهلا وضعنا استراتيجية خاصة بنا لمواجهة هذا المخطط الأممي المنظم والذي لا يملّ صانعوه من متابعته ومعرفة ما تحقق منه ووضع آليات جديدة لتحقيقه؟!