أسامة الهتيمي – كاتب مصري
خاص بالراصد
لا جدال في أن المعادين للإسلام وللحركة الإسلامية من مختلف الفرقاء العلمانيين قد نجحوا إلى حد كبير في أن يلصقوا تهمة استخدام العنف والإرهاب بالإسلاميين حتى أصبح الإرهاب لدى قطاع كبير من الشعوب داخل العالم الإسلامي وخارجه أيضا لصيقا بالعديد من المجموعات الإسلامية التي أخطأ وأفرط بعضها بالفعل في استخدام العنف في غير موضعه وفق فهم خاطئ ومغلوط لبعض آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة.
وغضّ هؤلاء الطرف بتعمد خبيث عن أن العنف لم يكن أداة تغييرية لدى بعض الحركات الإسلامية فحسب وإنما هو أيضا كان وما زال أداة رئيسية لدى كل التيارات السياسية الليبرالية منها أو اليسارية تستخدمه في صراعها حول السلطة والنفوذ، الأمر الذي كان سببا في اندلاع أكبر حربين عالميتين (الحرب العالمية الأولى "1914- 1918" والحرب العالمية الثانية "1939- 1945") واللتين راح ضحيتهما الملايين من البشر بلا ذنب أو جريرة اقترفوها.
بل إن هؤلاء حاولوا وبشتى الطرق أن يُخفوا حقيقة أساسية وهي أن الجهاد المسلح وبحسب الرؤية الإسلامية الصحيحة ليس إلا مرتبة من ثلاث عشرة مرتبة للجهاد استفاض في شرحها الإمام ابن القيم فى كتابه الشهير (زاد المعاد) مشيرا إلى أن استخدام السيف ضد الكفار له شروطه ودوافعه والتي تنسجم وتتوافق مع الروح العامة للإسلام الذي يتصف بالرحمة والإحسان ويرفض الجور على الآخرين، بل إنه يدعو للحوار والجدال بالتي هي أحسن طالما كان للحوار والجدال سبيل.
أما هذه الشروط وهذه الدوافع التي يجب توافرها لاستخدام السلاح فهي ليست متوافرة بطبيعة الحال في غير الإسلام من النظريات السياسية الوضعية التي فتحت الباب على مصراعيه لمعتنقيها أن يفعلوا ما بدا لهم من أجل تحقيق أهدافهم والوصول للسلطة حتى لو كانت دعواهم تحقيق العدالة المزعومة التي لا تعدو عن كونها وهما لم تعشه البشرية أبدا بل إن ما حدث هو العكس من ذلك حيث كانت النتيجة الحتمية لصراع أيدلوجي هي الدمار والخراب في كل أرجاء المعمورة.
الشيوعية الماكرة
لقد كانت الشيوعية واحدة من أهم النظريات السياسية التي خدعت العالم بعد أن رفعت مبادئ العدالة الاجتماعية ودعت إلى تأسيس ما أسمته بمجتمع ثوري اشتراكي خالٍ من الطبقات مبني على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج حيث كانت النماذج الشيوعية التي نجح أتباع النظريات الشيوعية المتعددة في إقامتها خير شاهد على مدى تهافت كل مزاعمها بعد أن كان سفك الدماء ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وتسلط الساديين وسياسات الاعتقال والنفي والاغتيال هي الشعارات الحقيقية والواقعية لهذه النظريات وهو ما دفع العديد من الشعوب التي عانت ويلات الانضواء تحت لافتات هذه النماذج إلى الانتفاض والثورة عليها حتى إسقاطها تأكيدا على أن ما طرحه قادة الفكر الشيوعي من أمثال ماركس وإنجلز ولينين وتروتوتسكي وستالين وغيرهم أبعد ما تكون عما طبقوه على أرض الواقع.
ولعل ما قام به لينين أول قائد للاتحاد السوفيتي – الدولة الشيوعية الأولى- تجاه المسلمين الذين خضعوا لحكمه وسيطرته نموذج فج على العنف الذي تبنته الشيوعية ضد البشر حتى أن لينين قال إنه سيسلط الجوع على المسلمين إلى أن ينسوا الله نفسه - كبرت كلمة تخرج من أفواههم - ما كان سببا في سقوط عشرات الملايين من المسلمين ضحايا لسياساته الظالمة.
كما أن ما فعله ستالين القائد السوفيتي السابق مثال أشد فجاجة على ذلك فقد أشارت العديد من المصادر التاريخية إلى أنه وبمجرد وصول ستالين للسلطة المطلقة في عام 1930م عمل على إبادة أعضاء اللجنة المركزية البلشفية، وأعقبها بإبادة كل من يعتنق فكرا مغاير لفكره أو حتى من يشك ستالين بمعارضته، وقد تفاوتت الأحكام الصادرة لمعارضيه فتارة ينفيهم إلى معسكرات الأعمال الشاقة وتارة يزجّ بهم في السجون وأخرى يتم إعدامهم فيها بعد إجراء محاكمات هزلية، بل ولجأ ستالين للاغتيالات السياسية حتى بلغ عدد من أعدمهم فقط بين الأعوام 1935 - 1938 والأعوام 1945 - 1950 الملايين من البشر في حين اغتال رفيق دربه "تروتسكي" في منفاه بالمكسيك عام 1940 ليبقى من الحزب البلشفي اثنان فقط هو نفسه، ووزير خارجيته "مولوتوف".
كما أن ما شهدته جمهوريتا البوسنة والهرسك من جرائم الصرب وقادة الشيوعية في الاتحاد اليوغسلافي السابق ليس عنا ببعيد فما زالت آثارها باقية حتى اليوم وما زالت التحقيقات تكشف كل يوم عن مقابر جماعية للمسلمين بعد أن قتل الصرب بدم بارد مئات الآلاف من المسلمين الأبرياء.
كذلك لم يكن العنف هو سمة الدول التي تمكن الشيوعيون من الهمينة عليها وقيادة أمرها بل هو أيضا جزء من نهج الشيوعيين حتى وقبل الوصول للسلطة ومن ذلك مثلا جبهة الفارك وهي تنظيم ثوري يساري يحارب حزب المحافظين الحاكم في كولومبيا تأسس سنة 1964 كجناح عسكري للحزب الشيوعي الكولومبي وكحركة عسكرية تعتمد حرب العصابات كاستراتيجية لها ومع ذلك فقد تورط التنظيم في تجارة المخدرات في الثمانينات من القرن الماضي وقد تم إدراج المنظمة على لائحة الإرهاب الأمريكية والاتحاد الأوروبي وبرلمان أمريكا اللاتينية وكندا سنة 2005.
وتمول الحركة الماركسية اللينينية عملياتها العكسرية من عمليات الخطف والابتزاز وتجارة المخدرات كما عرف عنها زرع الألغام ومهاجمة الأهداف المدنية وتجنيد الأطفال.
ومنها أيضا جماعة الجيش الأحمر الألمانية وهي إحدى أبرز وأنشط الجماعات اليسارية المسلحة بألمانيا الغربية ما بعد الحرب. وتصف نفسها بأنها جماعة "مسلحة مدنية" شيوعية تشارك في مقاومة مسلحة في حين أن حكومة ألمانية الغربية تعتبرها جماعة أرهابية.
وقد نشط الجيش الأحمر منذ السبعينات حتى عام 1993 مرتكباً العديد من العمليات لا سيما في خريف عام 1977 الأمر الذي أدى إلى أزمة وطنية عُرفت باسم "الخريف الألماني"، كان مسؤولا عن موت 34 شحصاً بما في ذلك العديد من الأهداف الثانوية مثل الحراس الشخصيين والسائقين - والعديد من الجرحى في ما يقرب من 30 عاما من وجوده.
ومن النماذج الأخرى جيش زاباتيستا للتحرير القومى في المكسيك وهو عبارة عن مجموعة ثورية مسلحة من ولاية تشياباس جنوبي المكسيك بدأ في عام 1994 ويتكون من السكان الأصليين للإقليم ويسعى إلى تمكين السكان من موارده بقوة السلاح.
وأخيرا وليس آخرا نمور التاميل السيريلانكية وهي حركة انفصالية تقاتل منذ عام 1983 ضد حكومة العاصمة كولومبو بهدف الاستقلال الذاتي في إيلام التاميلية وهي المناطق التي تقطنها عرقية التاميل شمالي وشرقي الجزيرة التي تحكمها غالبية من عرقية السنهاليين وهو الصراع الذي قتل فيه ما لا يقل عن 65 ألف شخص كان من بينهم رئيس الوزراء الهندي راجيف غاندي.
الشيوعيون المصريون
وعلى المستوى المصري لم يكن الشيوعيون المصريون خارج السياق العام لأتباع الشيوعية في كل مكان فقد شهد التاريخ المصري الحديث ومنذ دخول الشيوعية لمصر مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين العديد والعديد من العمليات التي يمكن وصفها بالإرهاب والتي كانت تتم تحت نفس الذرائع والمزاعم بتحقيق دولة العدالة وديكتاتورية البروليتاريا.
وليس خافيا على أي مطلع أن وجود الشيوعية في مصر كان على أيد يهودية صرفة نجحت إلى حد كبير في استقطاب بعض العناصر المسلمة التي أصبحت فيما بعد رافعة لواء الشيوعية في البلاد غير أنها لم تنس أبدا الوفاء بالدين لأساتذتها ومعلميها وهو ما يتفق مع مقولة الدكتورة عواطف عبد الرحمن، أستاذة الإعلام المعروفة وصاحب التوجه اليساري، من أن الصهيونية اخترقت الشيوعية المصرية وهو ما يفسر ذلك الدور الذي لعبه هنري كورييل المؤسس الثاني للشيوعية المصرية والذي تشير المصادر التاريخية إلى أنه كان يسعى لعقد لقاء بين أطراف صهيونية وأطراف فلسطينية في منفاه بفرنسا في سبعينيات القرن الميلادي الماضي تستهدف أن يعلن الطرف الفلسطيني الاعتراف بدولة "إسرائيل" فيما يعلن الصهاينة اعترافهم بدولة فلسطين.
غير أن ما يهمنا هنا هو الإشارة إلى علاقة اليسار المصري بالعنف خلال الفترة التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي والتي شهدت حالة غير مسبوقة من العنف سواء فيما بين الفرقاء السياسيين بعضهم ببعض أو بين مجموعات مجهولة وبين السلطة أسفرت عن مقتل وإصابة المئات وحرق العديد من المؤسسات الحكومية والمنشآت الخاصة فضلا عن بقاء حالة من التوتر والفوضى الأمنية والمجتمعية باتت أحد أخطر ما يهدد بنيان الدولة المصرية.
وقد تداولت العديد من الوسائل الإعلامية اتهامات صريحة وواضحة لليسار المصري بالمسئولية الكاملة عن العنف الذي تمارسه المجموعات المجهولة ومن ذلك مثلا ما أكده الإعلامي المصري والصديق صابر مشهور من أن الطرف الثالث الذي يمول أعمال التخريب والبلطجة والعنف في مصر حاليا مجموعة من الشخصيات الشيوعية وشخصيات متأثرة بالفكر الشيوعي اليهودي.
وقال مشهور إن هذه الشخصيات أقرت بأنها تخفي خلفيتها الشيوعية بتأجير عناصر شبابية شيوعية لممارسة أعمال البلطجة تطبيقا لما يعرفه الفكر الشيوعي تحت مسمى الكادر الثوري المحترف وهو الشخص الذي يتفرغ لنشر الشيوعية ونشر أعمال العنف والتخريب والفوضى تطبيقا لمقولة الشيوعي اليهودي لينين بأن الثورة لا تكون في أوقات الفراغ مضيفا أنه يتم صرف راتب شهري للكوادر الثورية المحترفة وهو ما أكده كتاب "من تاريخ الحركة الشيوعية المصرية".
وأوضح مشهور أن رجل أعمال يساري أقر من قبل في برامج تلفزيونية أنه يدفع ٥٠ جنيها في اليوم لمن يستأجرهم من الشباب الشيوعي بالإضافة لتوفير الوجبات والملابس الداخلية والخارجية وأقر بدوره في محاولة اقتحام قصر الاتحادية.
وأشار إلى أن رجل الأعمال ذاته يشاركه صديقه الشيوعي يقومان بنشر البلطجية في بورسعيد وهما على صلة بشيوعي تجاوز السبعين من عمره ينشر البلطجية في الإسكندرية ويقفون وراء حصار الشيخ أحمد المحلاوي بالإسكندرية فيما أن شخصية متأثرة بالفكر الشيوعي تقف وراء أعمال البلطجة كما ترسل البلطجية أحيانا للمنصورة.
وما ردده مشهور ردده كثيرون ممن كانوا شهود عيان على العديد من بؤر التوتر الأمني الذي شهدته مصر ومن ثم لم يعد الأمر محل تخمين أو استنتاج خاصة وأن هناك ثلاثة اعتبارات تعضد من هذا الأمر ألا وهي:
الأول: أن هذه المجموعات التي تستخدم العنف بمصر تشبه في زيها وأفكارها وشعاراتها إلى حد كبير مجموعات أخرى تنتسب للشيوعية أوقعت عنفا وفوضى شهدتها بلدان أخرى وهي المجموعات التي اصطلح على تسميتها بالآناركية.
والأناركية مصطلح يعني اللاسلطوية وهي فلسفة تعتبر أن الدولة كيان غير مرغوب فيه ولا قيمة له بل إنها غير مفيدة ومضرة للمجتمع وعليه فإن المؤمنين بأفكار الأناركية يروجون لمجتمع بلا دولة ولا سلطة ولا مركزية.
وعلى الرغم من أن المتبنين جميعا لفكر الأناركية يتفقون على فكرة اللاسلطوية إلا أنهم لا يتفقون على معايير واحدة فيما يخص استخدام العنف إذ يرى بعضهم العنف مرادفا للهدف الذي يطمحون له في حين يوجد من بين صفوفهم أيضا من يرى استخدام العنف وفق ظروف واعتبارات محددة كما أن من بينهم قلة محدودة ممن يرفضون استخدام العنف بتاتا.
وانطلاقا من ذلك فإن الثورة العنيفة أو الإرهاب يعتبران في فكر الآناركية الضريبة التي لابد من دفعها لتحقيق المجتمع الآناركي فعمليات العنف جزء من دعايا العمل أو ما يسمى بالـ "بروباجندا".
ولفظة أناركى وفق دوائر المعارف هي كلمة يونانية قديمة استخدمت طوال قرون فى الكتابات الغربية لتشير إلى حالة بلد أو إقليم جغرافي حال تفكك أو سقوط السلطة المركزية المسيطرة عليه مما يؤدى إلى صعود قوى مختلفة تتصارع للحلول محلها محدثة حالة من فوضى الحرب الأهلية ومن ثم أصبحت الكلمة فى اللغات الأوروبية المختلفة مرادفة للفوضى غير أن الأناركية كنظرية وفكر سياسى وكحركة اجتماعية تبلورت لأول مرة فى النصف الثانى للقرن التاسع عشر فى إطار نشأة الحركات العمالية والاشتراكية واتخذ بعض أوائل مفكريها مسمى الأناركية بمعنى اللاسلطوية إذ دعوا إلى أن ينظم المجتمع شؤونه ذاتيا دون تسلط لفرد أو جماعة على مقدرات وحياة غيرهم.
ونخلص من هذا أن الآناركية في أغلبهم ممن ينتمون إلى الفكر اليساري سواء ممن انخرطوا سابقا في تنظيمات شيوعية أو ممن لم ينخرطوا، لذا فإنهم في دعوتهم يحاربون الرأسمالية والاقتصاد الحر، والعمل بمختلف الطرق على إسقاط كل مؤسسات الدولة التي تمثل رمزا للسلطة كالجيش والقضاء والشرطة والمؤسسات التشريعية.
أما الثاني: فهو تلك التصريحات التي أدلت بها بعض العناصر المحسوبة على اليسار المصري والتي بمجملها تدعو بلا مواربة إلى إسقاط مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش في سياق محاولات إسقاط ما يدعونه بالسلطة القهرية.
ومن الأمثلة على ذلك تلك التصريحات التي أدلى بها سامح نجيب القيادي بالثوريين الاشتراكيين – أحد الكيانات اليسارية المصرية – حيث قال إن الاشتراكيين الثوريين يستهدفون إسقاط الجيش وإحداث انقسامات بين صغار الضباط والعساكر من جانب، والقيادات من جانب آخر زاعمًا أن "إسقاط المؤسسة العسكرية وإسقاط الدولة هو السبيل لإنجاح ثورة 25 يناير".
وقال نجيب إن الجيش المصري لا يحمي مصالح الشعب وإنما يحمي مصالح أعداء الشعب كإسرائيل والبنتاجون والمملكة العربية السعودية وأن إسقاطه هو السبيل لإسقاط الدولة الذي هو الهدف الأكبر والأساسي حتى يتسنى بناء دولة جديدة.
ودعا نجيب الشباب إلى الانضمام لحركة الاشتراكية الثورية وتوقع وقوع عدد أكبر من "الشهداء" إذا تحقق هذا السيناريو مستطرداً: "المعارك الكبيرة لسه جاية.. واللى إحنا شايفينه لحد دلوقتى بروفات لإضراب جماهيرى عام.. وأتوقع أن الاعتصام الجاي فى التحرير هيكون فيه ناس أكتر بوعي أعلى وفهم أكبر للعملية الثورية".
وتوقع "نجيب" أن ينقلب الشعب على الإسلاميين رغم نجاحهم فى الوصول إلى البرلمان لأنهم وفق رأيه سيستمرون فى اتباع منهج اقتصادي رأسمالي وفقاً لما هو سائد فى العالم الآن وقال: "متفائلون لأن مصر أصبح فيها مئات الآلاف من الشباب الراديكالى الفقير.. بس إحنا لسه محتاجين تدخل من الطبقة العامة".
وغير تصريحات نجيب يوجد عشرات التصريحات الأخرى الصادرة عن مالك مصطفى وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وكريم الشاعر وغير هؤلاء من عناصر اليسار المصري والتي بالنظر إليها يمكن تفسير انتشار ظاهر البلاك بلوك التي أثارت الذعر في مناطق مختلفة من القاهرة وبعض المحافظات حيث الهدف هو إشعار المواطنيين بأن ثمة ثورة عارمة وعنيفة ضد السلطة الحالية.
أما الثالث: فهو أن العديد من الأدبيات الصادرة عن اليسار المصري كانت تؤصل للعنف على اعتبار أنه أحد أشكال تحقيق الثورة الاشتراكية التي يجب أن لا يتنصل منها اليسار.
وقد صدر عن الثوريين الاشتراكيين مثلا العديد من الكتابات التي تؤكد هذا المعنى حتى من قبل وقوع ثورة يناير 2011 ومن ذلك مقال نشر تحت عنوان "الثورة والعنف" في يوليو 1999م على موقع مركز الدراسات الاشتراكية.
وتضمن المقال عبارات صريحة تتحدث عن مشروعية العنف ومن ذلك لقول: "من الطبيعي أن تتضمن الثورة بعض العنف لسبب بسيط هو أن الطبقة الحاكمة لن تتنازل عن ثروتها وسلطتها بالطرق السلمية. ولنفس السبب يكون رفض الثورة على أساس أنها تتضمن عنفا مرادفا لرفض إمكانية التخلص من الرأسمالية. ورغم ذلك، فمهما كان حجم العنف الذي تمارسه الثورة فهو لا يساوي شيئا إذا ما قورن بالعنف الذي يمارس حتى تستمر الرأسمالية".
ومنها: "لا يمكن لنظام يقوم على استغلال الغالبية العظمى من قبل الأقلية أن يستمر بدون العنف. ولا يمكن لنظام يقوم على الصراع التنافسي من أجل الربح، بين شركة وأخرى وبين شركات دولة ما وشركات دولة أخرى، أن يتجنب الحروب. والسبيل الوحيد لإنهاء هذا العنف الدائم هو أن تستخدم الطبقة العاملة عنفها الجماعي المتمثل في الثورة للإطاحة بالرأسمالية. ولكن مع ذلك يظل ضروريا أن نفند الصورة التي صنعتها الرأسمالية عن الثورة وكأنها حمى جنونية من سفك الدماء".
ويضيف المقال "إن الثورة عنيفة، فهي فرض قسري لإرادة قطاع من السكان — أي الغالبية العاملة — على قطاع آخر — وهم الأقلية الحاكمة. ولكن بالذات لأنها تتعلق بفرض إرادة الغالبية على الأقلية (وليس العكس)، لهذا السبب بالذات تتضمن الثورة نسبيا قليلا من العنف".
كما شمل موقع الدراسات الاشتراكية مقالا آخر تحت عنوان "دور العنف في التاريخ" نشر في سبتمبر 2009 تحدث عن الدور الذي يلعبه العنف في تاريخ البشرية وفي حاضرها.
وتضمن المقال عددا من الأسئلة حول العنف كان من بينها السؤال الرابع الذي كان يدور حول دور العنف في الثورة الاشتراكية وكانت إجابة كاتبه كالآتي: "نأتي إلى النقطة الأخيرة، التي ربما تكون أهم نقطة، وهي مسألة الدور الذي نتوقع أن يلعبه العنف في الثورة الاشتراكية. فكثيرون ممن يقولون عن أنفسهم إنهم اشتراكيون يكرهون العنف كراهية التحريم ويؤكدون أن الإنسانية ليست بحاجة إلى إراقة الدماء حتى تحرر نفسها من ظلم واستغلال الرأسمالية".
ويضيف هؤلاء أنه إذا كانت الرأسمالية قد احتاجت إلى العنف وفرض الإرادة بالإجبار لكي تولد وتستمر عبر القرون الأخيرة فذلك لأنها تقوم على استغلال الأقلية للأغلبية. أما الاشتراكية فهم يؤكدون أنها لا تحتاج إلى ذلك كله لأنها تتوافق مع مصالح أغلبية المجتمع الساحقة، والأغلبية لا تحتاج إلى العنف من أجل فرض مصالحها على أقلية محدودة هذا فضلاً عن أن الاشتراكيين ينبغي أن يرفضوا العنف بشكل تام لأن إراقة الدماء هي شر مطلق ولا يمكن أن نتخيل أن يؤدي سفك الدماء – مهما كانت مبرراته – إلى تحرير الإنسانية من العبودية!!
هل هذا التفكير صحيح؟ هل يمكن فعلاً أن تكون الثورة الاشتراكية بيضاء بدون نقطة دم واحدة؟ وهل العنف شر مطلق كما يقولون؟ بالطبع لا، فكل هذه التصورات لا تزيد عن كونها أوهاما وأكاذيب تخدم مصالح الطبقات الحاكمة. والاشتراكي الثوري الروسي ليون تروتسكي (توفى عام 1940) كان كثيرًا ما يتندر على أولئك الذين يرفعون شعارات أخلاقية مجردة مطلقة بدون النظر إلى الظروف والملابسات. تروتسكي كان يؤكد في هذه المسألة أن الأخلاق تتشكل "نتيجة للتطور الاجتماعي وإنه ليس هناك شيء ثابت بشأنها وأنها تخدم المصالح الاجتماعية". "فإطلاق النار مسألة لا أهمية لها في حد ذاتها أما إطلاق النار على كلب مسعور يهدد طفلاً فهذه فضيلة ومن يقتل في شروط استثنائية بغرض الدفاع عن النفس فإن المحكمة تبرئ ساحته.
إن ما يؤكده تروتسكي هو ما ذكرناه من قبل في هذا المقال: إن العنف مجرد وسيلة لتحقيق أغراض معينة وحتى نستطيع اتخاذ موقف أخلاقي محدد من أي ممارسة للعنف علينا أن نعرف الظروف والملابسات والأهداف. فاستخدام العنف من أجل الإطاحة بالنظام القهري الاستغلالي لا يمكن إلا أن يكون صحيحا ومبررا أخلاقيًا. وكل من يعارض هذا النوع من التفكير هو نصاب لا أكثر ولا أقل – يعبر عن حبه الشديد للإنسانية ورغبته الكاملة في تحريرها ثم يرفض تمامًا أن يعطيها الحق الأخلاقي في استخدام السلاح الوحيد الذي يمكنها بواسطته أن تحرر نفسها".
وأعتقد أن العبارات لا تحتاج إلى تفسير أو شرح فهي تؤكد مدى علاقة التلازم بين الثورة الاشتراكية "الشيوعية" وبين العنف كوسيلة لتحقيقها.