هيثم الكسواني
لا تكاد تنتهي مخازي الحاكم بأمر الله، سادس حكام الدولة العبيدية الفاطمية، (386 – 411هـ) صاحبة المذهب الشيعي الإسماعيلي، وقد أشرنا في بعض الأعداد السابقة إلى ادّعائه الألوهية، ودعمه للذين تولّوا كِبر هذه الدعوة، وكذلك محاولته نبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ للعمل على تحويل الحجِّ إلى مصر! حيث مقر الدولة العبيدية.
وقد ذكرت المصادر التاريخية الشيء الكثير عن قسوة هذا الحاكم وبطشهِ، ومبالغته بالقتل والإعدامات، وتقلباته الحادّة، وانحراف عقيدته وسلوكه؛ الأمر الذي أدّى إلى اضطراب الدولة، ثم مقتل الحاكم على يد أخته الكبرى، ست الملك، في سنة 411 هـ.
وفي هذا المقال نشير إلى فعلة مشينة أخرى من أفعال هذا الحاكم ملخّصها أنه بنى داراً، وجعل لها أبواباً وطِباقاً، وجعل فيها قيوداً وأغلالاً، وسمّاها جهنم! ومن سخط عليه أمر بإلقائه فيها، قائلاً لأتباعه: "أدخلوه جهنم"().
وتذكر المصادر التاريخية أن الحاكم بأمر الله كان كثيراً ما يقوم بإحراق معارضيه، أو يحرق جثثهم بعد قتلهم، ويبين الأستاذ محمد عبد الله عنان شيئاً من ذلك، فيقول: "وفي المحرم سنة 393هـ، قُتل أبو علي بن عسلوج وأُحرق، وكان من أكابر المباشرين لشؤون المال"().
وذكر عنان عدداً من الذين أحرقهم الحاكم في سنة 393 هـ، من الذين كانوا في وقت من الأوقات معاونين له أو عمّالاً عنده، ومنهم: أبو غالب بن إبراهيم، وأبو الحسن علي بن عمر العداس، وكان وزيراً للحاكم، وفي المُحرم من سنة 395هـ، قتلَ الحاكمُ عبدَ العزيز بن النعمان، وأحرقت جثته بعد ذلك، وكان عبد العزيز قد تولّى مناصب عديدة منها: القضاء وولاية المظالم وقراءة مجالس الدعوة بالقصر.
ويذكر عنان "أنّ الحاكم أمرَ في سنة 395 هـ (1005 م) بعمل شونة كبيرة مما يلي الجبل ملئت بالسنط والبوص والحلفا()، فارتاع الناسُ، وظنّ كلّ من له صلة بخدمة الحاكم، من رجال القصر أو الدواوين، أنها أعدت لإعدامهم، وسرت في ذلك إشاعات مخيفة، فاجتمع سائر الكُتّاب وأصحاب الدواوين، والمتصرفين من المسلمين والنصارى، في أحد ميادين القاهرة، وما زالوا يُقَبِلون الأرض؛ حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يضجون ويتضرعون، ويسألون العفو عنهم.."().
للاستزادة :
1- الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية – محمد عبد الله عنان.
2- الإسماعيلية تاريخ وعقائد – الشيخ إحسان إلهي ظهير.