رغم أننا قد تحدثنا أكثر من مرة عن طبيعة العداء الإيراني للأمة الإسلامية والعربية، إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين لمعاودة الحديث عنه مرة أخرى، وقد لا تكون المرة الأخيرة، والسبب في ذلك أننا لا نزال نجد أصواتاً محترمة هنا وهناك تعاود الحديث بين الفينة والأخرى عن تعسف العرب في التعامل مع إيران !! وأنهم لا يمنحون إيران الفرصة لعقد صفقة معها !! وأن العرب قد حسموا أمرهم وأعلنوا الحرب والقطيعة مع إيران !! وأن الواجب على العرب تحديد بوصلتهم باتجاه إسرائيل فحسب !!
وتحتوى هذه المزاعم التي تطلقها بعض الأصوات المحترمة كماً هائلاً من الأماني والخرافات والأساطير، كما أنها تنبئ عن سطحية وسذاجة عجيبة في فهم طبيعة إيران ، وتؤشر على أن حال أمتنا بعمومه ليس بخير ولا عافية، فهذه الأصوات - التي تنطق بالصواب في كثير من المواضع - إلا أنها هنا – وفي مسألة إيران – تجانب الصواب وتتنكب عنه، وتبحث عن الباطل فتسير في ركابه، مما يجعلنا نقع في دوامة من الفوضى المستدامة، حين نصحح أخطاء الآخرين بصواب مصحوب بباطل، مما يتولد عنه حق مصحوب بباطل جديد، مما يستدعي أن يعالج آخرون هذا الباطل الجديد بعلاج لا يخلو من باطل أيضاً، وهكذا نبقى ندور في حلقة مفرغة!!
إنّ تحديد بوصلة العداء باتجاه إسرائيل موقف صحيح لا شك فيه، لكن الخبرة علمتنا أنّ تعطيل بقية الأشياء وتأجيلها بحجة الصراع مع إسرائيل كان خياراً بائساً لم يجر على الأمة إلا الويلات، فالتنمية والحرية والنهضة وئدت بحجة الصراع مع إسرائيل، رغم أننا لم نرَ صراعاً للأنظمة السياسية مع إسرائيل، وإنما رأينا: صراعاً مع الشعوب ، وسرقة للمال العام، وإهداراً للثروات، وتعطيلاً للتنمية السياسية والاقتصادية والثقافية بتلك الذريعة.
واليوم نجد أن جميع الفرقاء السياسيين ينادون ويعملون لرفض تجميد وتعطيل الحياة والإصلاحات على كافة المستويات والمجالات، وتجد أطراف المعارضة على مختلف توجهاتها توجه بوصلتها تجاه إسرائيل وتتبنى في الوقت نفسه الكثير من القضايا التي ترى أنها لا يجب أن تؤجل لحين إنهاء الصراع العسكري أو السلمي مع إسرائيل؛ فبعضها يدعو لنشر الثقافة الجنسية بحجة عدم كبت الشباب مما يعيق النهضة، وبعضها يسعى لترويج ثقافة الضحك حتى لا نبقى شعوباً عابسة، وبعضها يسعى للانبطاح أمام كل فكر وافد عَلنا نُصيب نجاحاً، وبعضهم يسعى للصدام مع السلطات حتى يرفع سقف الحريات، وآخرون يركزون على إشاعة الثقافة الحزبية لتستقيم الحياة السياسية، وهكذا، في اهتمامات متنوعة لا يرونها تعيق بوصلة عدائهم لإسرائيل.
لكن هؤلاء جميعاً بعلمانييهم ومؤمنيهم يتخندقون في خندق واحد للدفاع عن انتقاد إيران، بحجة توجيه البوصلة تجاه إسرائيل فقط، ولأن إيران تقود محور الممانعة لإسرائيل!!
رغم أنهم يعلمون سياسات إيران التخريبية في الدول العربية والإسلامية، كما كتب أحدهم يقول: " لا يمكن النظر بصورة وردية للدور الإيراني، فتأزم الوضع عراقياً ولبنانياً ويمنياً هو خدمة مجّانية تقدّم لإسرائيل".
إن موقفنا بكل وضوح هو أن العداء والصراع مع إسرائيل لا يعنى التغاضي عن التخريب الإيرانى المتعمد في الدول العربية والإسلامية، وأن مقاومة هذا التخريب الإيراني هو في صلب مقاومة الصهيونية التي هزمتنا بتفكيكنا وتمزيقنا.
وأننا نرفض تصرفات السياسة الإيرانية التي تراعى مصالحها السياسية الوطنية والقومية على حساب الأمة والدول المجاورة، عبر تجييش ولاء التجمعات الشيعية في المنطقة خلف المصالح الإيرانية من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على استمالة بعض الأطراف السنية من الحركات الإسلامية والقومية بحجج شتى؛ كدعم المقاومة والتصدى للإمبريالية لتكون أدوات مسخرة لمصالحها الضيقة، هي تصرفات عدائية لا تقل عن عدوان إسرائيل على أمتنا.
إن إشغال الأمة في حروب متكررة في اليمن عبر الحوثيين بعد أن تم تحويلهم للتشيع الإثني عشري لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن التهديد بتدمير لبنان وقطع الأيدى والاستهانة باغتيال رئيس الوزراء وغيره دون حرص على القصاص لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن تعطيل الحياة السياسية في العراق لمنع قائمة العراقية الفائزة من تولى الحكم، لأنها لا تتوافق تماماً مع المصالح والسياسات الإيرانية، لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن محاولة الاستيلاء على دولة جزر القُمر من خلال التلاعب بالدستور ومحاولة تمديد ولاية الرئيس المتشيع عبد الله سامبي لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن التعاون مع المحتل الأمريكي في العراق وأفغانستان لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن بقاء التهديدات الإيرانية لدولة البحرين بكونها ولاية إيرانية لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
وإن استمرار إيران في استفزاز العرب والاستهانة بهم عبر احتلال جزر الإمارات وفرض تسميتهم الفارسية للخليج لا يتوافق ولا يتماشى مع تحديد البوصلة باتجاه إسرائيل.
ونقول لهذه الأصوات المحترمة لقد رأيت وسمعتم كيف أن إيران رفضت كل المحاولات العربية والإسلامية والرسمية والشعبية لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية، وكيف أن إيران غدرت بالعراق في سنة 1990م، وكيف أنها غدرت به مرة أخرى في سنة 2003م بل كانت سبباً لسقوطه، وتآمرت على أفغانستان، فمتى تتعلمون وتتعظون ؟؟
في الختام، نعم لتحديد البوصلة باتجاه إسرائيل، لكن يجب أن توجه هذه الرسالة لإيران وليس للعرب، فرغم السباب الإيراني لإسرائيل وأمريكا إلا أن الذي تحاربه إيران فعلياً هم العرب والمسلمون فقط، وهذا ما تشير إليه بوصلتها في الواقع!!