ميدل ايست أونلاين 25/9/2011
في ظل الربيع العربي وثوراته انشغلت معظم أجهزة الأمن العربية بتأثيراته وتداعياته، لكن غرفاً أمنية أخرى كانت مشغولة بالتحذيرات الغربية عن تحركات مريبة لحزب التحرير في دول عربية متعددة. الباحث عبدالعزيز الخميس يشرح المخاوف الغربية من حزب التحرير؛ حجمها ومستقبلها.
اعتاد العرب العابرون لشارع ادجوار رود غرب لندن مشاهدة طاولات مليئة بالمنشورات التي يروج لها شباب ملتحون ينتمون لحزب التحرير.
ولطالما وقعت مشادات بين هؤلاء الشباب وشباب سلفيين او إخوان قادمين من العالم العربي، ناهيك عن المعارك التي تحصل بينهم وبين عنصريين اوروبيين يسخرون ممَّا يقوله هؤلاء الشباب عن إقامة الخلافة في عقر دار قصر وندسور البريطاني وإزاحة الملكة ليعلن بدلاً عنها خليفة اسلامي يحكم أوروبا وما جاورها.
لكن المتحاورين مع اصحاب طاولات ادجوار رود او الهايد بارك لم يكونوا كلهم غير مهتمين بالدعوات للانضمام لحزب التحرير خاصة وان الهدف ـ كما يبدو لهم ـ سامٍ وهو إعلان الخلافة ووحدة الأمة الإسلامية.
بدأت قصة حزب التحرير على يد تقي الدين النبهاني وهو فلسطيني درس في الأزهر وتوفي عام 1977 وعمل قاضياً في محكمة مقدسية.
شاهد النبهاني سقوط الأقصى أمام عينيه؛ فاهتم لذلك وحزن وجهد بحثاً عن سبيل لاستعادته فوجد ضالته في الدعوة إلى عودة الخلافة الاسلامية التي انتهت على يد كمال اتاتورك في تركيا.
مر الحزب بنوازل كثيرة؛ فاعتقل العديد من انصاره وحورب في جبهات مختلفة، واصبح غير مرغوب فيه لدى العديد من الدول بسبب توجهاته المعادية للوطنية ومناداته بأهداف تبدو مستحيلة.
وتعرض الحزب إلى حملة أمنية أوروبية بسبب التصريحات التي رأى فيها الغرب معاداة للسامية وتهديداً للسلام العالمي.
ففي أستراليا ووجه خطاب أحد مسؤولي الحزب في مؤتمره الأخير رفضاً شعبياً وحكومياً.
وفي الدانمارك أثارت تهديدات ممثل الحزب فادي عبد اللطيف للدانماركيين ورئيس وزرائهم اندري راسموسين عاصفة من الاستياء.
أما في الشرق، يحاول حزب التحرير أن يكسب نفوذاً داخل في أوساط الشباب المسلم، ويروج قادته لأنهم حققوا نجاحاً كبيراً في ذلك، وأن نفوذهم سيمكنهم من إسقاط الزعماء الفاسدين واستعادة عز الخلافة الاسلامية.
لكن ذلك الزعم يكشف عن ضعفه للمتعمق في أحداث الربيع العربي؛ فلم يسجل حزب التحرير حضوراً يذكر في الثورات وبقي محدود التأثير.
إلا أن تلك المحدودية لا تعني تقهقر الحزب إلى الوراء إذ أن المراقبين الأمنيين الغربيين ما زالوا يتخوفون منه خصوصاً وأن نشاطه يهيئ في نظرهم الشباب المسلم لتقبل الأفكار المتطرفة والانضمام لاحقاً إلى تنظيمات جهادية.
ولا يعرف عن الحزب قيامه بنشاطات إرهابية فدعوته لا تقوم على العمل المادي، لكن بعض المنتمين له سابقاً او المتأثرين بأفكاره تركوه والتحقوا بمجموعات تابعة او متأثرة بفكر القاعدة.
ولعل خبر القبض على اللواء علي خان الذي كان يتولى مهام كبيرة داخل الجيش الباكستاني بل كان في غرفة قيادته في راولبندي مر مرور الكرام على الكثير من المهتمين بشؤون الأحزاب الاسلامية، لكن نظرتهم ستتغير بلا شك إذا عرفوا أن القبض عليه تم لانتمائه إلى حزب التحرير الذي يراهن على التغلغل داخل الجيوش وتغيير أنظمة الحكم بواسطتها.
بريطانيا المقر
ينظر المراقبون إلى بريطانيا على انها الساحة التي يصف فيها الحزب صفوفه ويعمل دون خشية، أما حزب التحرير فيرى في بريطانيا مقره الآمن ومركز انطلاقه.
ويقول أد حسين أحد أعضاء حزب التحرير السابقين في كتابه "الإسلاموي" إن الحزب "يستفيد من بريطانيا لعدة أسباب وهي انه يستطيع على أراضيها التواصل مع الإعلام الغربي وتمرير رسائله للعالم الاسلامي ويرى فيها ايضاً مركزاً للتجنيد في المساجد والجامعات".
وبعد ان كان الحزب يعتمد على بريطانيا لجمع انصار جدد معظمهم من الآسيويين يقوم الآن بالتركيز على استقطاب الطلبة الخليجيين خاصة المنتمين لمؤسسات عسكرية عبر الجامعات، ويسعى للتبشير بمبادئه في مقراتها.
وعلى الرغم من ان اوزبكستان اتهمت الحزب بالقيام بأعمال عنف على أراضيها الا ان بريطانيا لم تمنعه ولم تدرجه ضمن الحركات الإرهابية، واحتجت ضد الأصوات المطالبة بمنعه بأنه لم يثبت قيامه بأعمال عنف حتى الآن.
لكن المراقبين يتخوفون من تشكيل الحزب ممراً لتجنيد الشباب في صفوف التنظيمات الجهادية المتطرفة.
ويتهم الحزب بأن له علاقة بالانتحاري بلال عبد الله وهو عراقي حاول تفجير سيارة في وسط لندن ثم هاجم مطار ادنبره في اسكوتلندا عام 2007، وقد نفى الحزب هذه العلاقة.
ويشير الاسرائيليون إلى حزب التحرير بأصابع الاتهام لعلاقته بعمر شريف البريطاني والباكستاني الأصل الذي حاول تفجير بار في تل ابيب باسم حماس عام 2003.
النفوذ في العالم العربي
حاول المهندس الأردني ذو السبعين خريفاً عطا خليل ابو رشتة بعد توليه مقاليد أمارة الحزب ان يوسع حضوره في العالم العربي فقام بتغييرات كبيرة في هيكليته وتعيين قادة جدد.
وعلى الرغم من ادعاء منتسبي الحزب انهم تمكنوا من تجنيد الكثير من الانصار العرب الا ان المعلومات تشير الى اخفاق ذريع في ذلك الشأن وأن نجاحهم كان متعلقاً فقط بتجنيد بعض الطلبة الدارسين في بريطانيا.
وقد يكون الحزب واجه عراقيل على طريق تجنيد عدد من الشباب السعودي بعد الحكم بالسجن على المعارض السعودي محمد المسعري الذي تدعي السلطات أنه عضو سابق في الحزب وتسبب ذلك بنفور كبير في أوساط السعوديين والخليجيين عموماً.
ويركز الحزب في عمله على تشكيل خلايا صغيرة يبلغ عدد أعضاء كل منها خمسة وتدار من قبل عضو يسمى المشرف، ويخضع العضو الجديد لفترة اختبار تمتد إلى نحو عامين قبل أن يمنح العضوية الكاملة التي تتيح له العمل كعضو كامل الأهلية.
ولم تمكن سرية هذا الحزب حكومات العربية من تقدير قوته ومراقبة نشاطه ولعله اكثر سرية من تنظيم القاعدة؛ فلا يمنح الحزب فرصة لقادته في الظهور اعلامياً او الحديث لوسائل الإعلام إلا ما ندر ولا يكون ذلك إلا في لندن حيث لا يخشى الحزب من تبعات ذلك الظهور.
ولاحظت تقارير غربية ان الحزب نجح في استقطاب عناصر قليلة جديدة في شمال افريقيا مستغلاً تعطش بعض ابناء تلك منطقة للانضمام إلى عمل إسلامي عالمي يعيد الخلافة.
وتشير تقارير إلى أن الحزب يعمل في اربعين بلداً حول العالم وينشط في استراليا وكندا والولايات المتحدة، لكن هناك دولاً تحظر نشاطات الحزب مثل معظم الدول العربية وروسيا وجمهوريات آسيا الوسطى وباكستان وبنغلاديش والمانيا التي تمنع نشاطاته جزئياً.
ويقدر الأكاديمي الأميركي اريب كوهين عدد اعضاء الحزب الفاعلين ما بين خمسة آلاف الى عشرة آلاف عضو، لكن بعض المقربين من الحزب يدعون ان هذه الارقام غير دقيقة ويضربون مثلاً بمؤتمر الخلافة الذي اقيم في سينايان في اندونيسيا عام 2007 والذي حضره ما يقارب 100 ألف عضو.
وجذب مؤتمره في البيرة الفلسطينية 12 ألف عضو، وكان الحزب قام بتنظيم رالي قاده أمير الحزب نفسه عطا ابو رشته. وقد منح ذلك الرالي الحزب أملاً بتحقيق حضور قوي على الأرض الفلسطينية، لكن السلطات كانت له بالمرصاد ومنعته من تكرار ذلك الرالي في يوليو/تموز الماضي واعتقلت عدداً من اعضائه.
أما آخر مؤتمر له العام الماضي في لبنان فلم يحضره سوى بضع مئات من الاشخاص، بينما عقد مؤتمره الأخير في استراليا في قاعة لا تتسع لأكثر من الف شخص، ويعتقد ان معظم اعضاء الحزب مقيمون في جنوب شرق آسيا مثل اندونيسيا وماليزيا.
ويروج الحزب ان له انصاراً مهمين في الجيوش العربية وفي الشرق الاوسط عموما ويتحدث عن انه شارك في مؤامرة للانقلاب ضد انور السادات 1974، لكن العضو السابق ماجد نواز يقول ان معظم محاولات الحزب كانت فاشلة لاختراق الجيوش العربية.
وكانت وسائل الاعلام في يوليو/تموز 2009 تحدثت عن ان السلطات التركية اعقلت اكثر من مائتين من اعضاء الحزب عبر تركيا.
وفي يوليو/تموز 2010 قامت السلطات الأردنية بالفعل نفسه واعتقلت انصاراً للحزب بينما قامت السلطات اللبنانية باحتجاز العديد منهم لمدة بسيطة لدعمهم للثورة السورية.
في الختام، يتخوف بعض المراقبين من عودة الحزب للعب دور مهم خاصة وان تركيزه على القيادات العسكرية يختصر له عمله التجنيدي لاستقطاب الانصار في العالم الاسلامي.
وتشير التقارير الغربية الامنية إلى أن هناك تخوفاً من إقدام الحزب على اختراق المؤسسات العسكرية العربية خاصة بعد نجاحه ولو لفترة محدودة في تجنيد جنرال باكستاني كان يمكن ان يصل الى منصب رفيع في باكستان وقد يقودها يوما ما خاصة انها بلد تعودت حكم الجنرالات.
وهذا يجعل الغرب يحذر العرب من تغلغل حزب التحرير في اجهزته العسكرية، لكن هل يخشى الافكار المتطرفة للحزب هي ما يخشاه الغرب أم الوحدة الإسلامية؟