سطور من الذاكرة\العدد مائة وثمانية وثلاثون - ذو الحجة - 1435 هـ
الوجه الآخر - 11- عيسى قاسم
الخميس 25 سبتمبر 2014

 سلسلة تتناول شخصيات شيعية معاصرة الْتبست حقيقتها على أهل السنة، فتكشف عن المجهول من معتقدها وفكرها، ونظرتها إلى السنة وأهلها.

11- عيسى قاسم

إعداد: هيثم الكسواني - كاتب أردني

 

 

 

خاص بالراصد

يُعتبر الشيخ عيسى أحمد قاسم أكبر علماء الشيعة في البحرين حالياً، والأب الروحي لجمعية الوفاق التي تمثل أكبر تيارات شيعة البحرين. وعلى الرغم من أن قاسم يُعتبر من رؤوس الفتنة في البحرين، ومِن المحرّضين على الشغب إلاّ أن أنصارَه يحيطونه بهالة من القدسية، ويمنعون الآخرين من مجرد انتقاده، ما يجعلنا نخصص هذه الحلقة للحديث عن شخصيته، وأفكاره، ودوره في أحداث العنف التي تشهدها البحرين من حين إلى آخر.

أولا: حياته ونشأته

أُختلف في تحديد سنة ولادة عيسى قاسم، لكنها -في كل الأحوال- محصورة بين 1937 و1943م([1]). ومِن المعلومات القليلة المتوفرة عنه في مرحلة شبابه أنه مارس التعليم في الستينيات من القرن الماضي، ثم توجه إلى مدينة النجف بالعراق، حيث درس هناك على يد عدد من علمائها، ومنهم محمد باقر الصدر([2])، مؤسس حزب الدعوة العراقي.

ومع الشروع في قيام المجلس التأسيسي لوضع دستور دولة البحرين عاد قاسم إلى بلاده للترشح لهذا المجلس، واستطاع أن يفوز، وفي سنة 1971 رشح نفسه للمجلس الوطني، وفاز، وظلّ عضوا فيه إلى أن تم حل المجلس.

 وكان عيسى قاسم في تلك الفترة من أبرز مؤسسي جمعية التوعية الإسلامية (1971م(، وتولى رئاستها. كما عمل هو وغيره على تأسيس الفرع البحريني لحزب الدعوة، الذي يُرجح أنه انضم إليه في منتصف الستينيات، أثناء وجوده في النجف للدراسة.

وظل قاسم رئيساً لحزب الدعوة في البحرين طيلة عقد السبعينيات إلى أن تم حله في سنة 1984م، وفي هذه الفترة دخل حزب الدعوة في منافسة شرسة مع التيار الشيرازي، التابع للمرجع الشيعي محمد مهدي الشيرازي.  

وتوترت علاقات البحرين بشيعتها خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي نتيجة اندلاع الثورة الإيرانية سنة 1979م، وتبني نظام الخميني مبدأ تصدير الثورة، ومحاولة شيعة البحرين استلهام النموذج الإيراني والانقلاب والإطاحة بحكم آل خليفة([3]).   

وفي بداية التسعينيات توجه عيسى قاسم إلى مدينة قُم الإيرانية ومكث فيها تسع سنوات، والسبب الذي يورده أنصاره لسفره إلى إيران هو مواصلة دراسته الدينية، حيث درس هناك على يد عدد من علماء حوزتها أمثال محمود الهاشمي وكاظم الحائري وفاضل اللنكراني([4])، في حين يرى آخرون أنه سافر بناءً على صفقة مع الحكومة البحرينية التي أصرّت على إبعاده([5]).

وفي سنة 2001م، عاد عيسى قاسم إلى بلده التي كانت قد بدأت مرحلة جديدة من الحكم، في أعقاب تولي الشيخ حمد بن عيسى مقاليد السلطة سنة 1999م خلفا لوالده، حيث أصدر الشيخ حمد عفوا عن المعتقلين السياسيين، وسمح لمن هم بالخارج بالعودة، كما سمح بإنشاء الجمعيات السياسية([6])، إلى غير ذلك من الإصلاحات التي استفاد منها الشيعة، وعيسى قاسم.

ثانيا: علاقته لإيران

شكلت الثورة الإيرانية التي قادها الخميني في سنة 1979م ضد نظام الشاه وتولي رجال الدين السلطة بارقة أمل لشيعة العالم، ومنهم شيعة البحرين، وعلى رأسهم عيسى قاسم، الذي لم يكن يؤمن بولاية الفقيه على النحو الذي آمن به الخميني وجسّده، ذلك أن عيسى قاسم كان رئيسا لحزب الدعوة في البحرين، ومعروف أن "الدعوة" تشكل على أساس الشورى والانتخابات مع الاستفادة من المرجعية كواجهة للعمل الإسلامي([7]). 

وبعد سنوات قليلة على الثورة الإيرانية بدا أن عيسى قاسم يجري تعديلات فكرية على قناعاته بما يتناسب مع الوضعية الإيرانية المتزايدة في نفوذها وقوّتها، لا سيما وأن حزب الدعوة قد بدأ يضعف ويتمزق في ظل الحملة الأمنية عليه، ويسوده اللغط حول الموقف الواجب اتخاذه من الثورة الإيرانية وولاية الفقيه([8]).

ويلخّص الأستاذ أحمد فهمي تحولات عيسى قاسم فيما يتعلق بإيران بقوله: "الأمر ببساطة أن الشيخ قاسم خلع قناع (الدعوة) الصدرية، وارتدى قناع (ولاية الفقيه) الخمينية"([9]).

ثالثا: اللوثات الشيعية

كغيره من علماء قومه، يردد عيسى قاسم انحرافات الشيعة دون بذل جهد لتنقية تراث الشيعة مما فيه من انحراف وبدع، ففي بداية عام 2008م، ألقى عيسى قاسم خطبة في العاشر من المحرم (ذكرى عاشوراء) بمنطقة الدراز (شمال العاصمة البحرينية) وخاطب فيها جموع المعزين قائلاً: "دليلكم بعد الأئمة، هم الفقهاء العدول، ومن ردَّ عليهم رد على الأئمة عليهم السلام، ... ومن ردّ على الأئمة، رد على رسول الله، والراد على النبي راد على الله". ومضى في افتراءاته قائلاً: "بالنتيجة، من رد على الفقيه العادل، الذي يجب عليه تقليده أو طاعته، فهو راد على الله سبحانه وتعالى"([10]).

رابعا: القداسة وحب الزعامة!!

ولعلّ القداسة التي يحيط بها الشيعةُ بها علماءهم وشيوخهم الكبار كما في السطور السابقة تفسر دفاع شيعة البحرين الأعمى عن عيسى قاسم رغم ما يصدر عنه من انحرافات عقائدية، وجعله فوق النقد، رغم أن شيعة البحرين دأبوا على ذم وتحقير كل من يخالفهم ومن ضمنهم كبار المسؤولين، بل وأفراد الأسرة الحاكمة.

وقد جاوز بعض أتباعه الحدّ في مدحه إذ شبهه أحدهم (وهو النائب عن جمعية الوفاق في مجلس النواب البحريني حيدر الستري) بعليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، الذي هو أول الأئمة المعصومين عند الشيعة، مؤكدا أن القيادة الشرعية الحقيقية بالنسبة للشيعة في البحرين تتمثل في شخص عيسى قاسم.

وأضاف الستري قائلا: "أقول دون مبالغة أو مزايدة إن سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم هو عليُّ هذا العصر في البحرين، ومن اشتاق لرؤية علي بن أبي طالب (ع)، ومن يتوق أن ينظر إلى عليّ (ع)، فلينظر إلى وجه سماحة الشيخ عيسى قاسم، لأنه كما ذكرت هو عليُّ هذا العصر في البحرين في سماحته وحزمه، في رفقه وصراحته، في تواضعه وشجاعته، في زهده وعبادته، في وعيه وبصيرته، وفي تنمره في ذات الله والتزامه بقضايا دينه ووطنه وجعلها فوق كافة حاجاته ومصالحه الخاصة مهما بلغت أهميتها وخطورتها"([11]).

وعندما انتقد النائب السني جاسم السعيد كلام عيسى قاسم حول الرادّ على كلام المرجع ثارت بوجهه ثائرة الشيعة، معلنين أن انتقاد قاسم "خط أحمر"، وتكرر الأمر عندما قامت السلطات البحرينية بتفتيش منزله في مايو/ أيار 2013 لتعقب مسلحين أطلقوا النار على رجال الشرطة، إذ ثارت ثائرة الشيعة هذه المرة أيضا، ليس في البحرين فحسب، بل وفي إيران والعراق ولبنان أيضا.

ومما يثير الاستغراب أن التضامن لو اقتصر على الدول والهيئات الشيعية لكان مفهوما، لكن التضامن جاء مع قاسم من الولايات المتحدة، التي يلقبها الشيعة ليل نهار بـ "الشيطان الأكبر"، فقد قام رشاد حسين، المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي لدى منظمة التضامن الإسلامي بزيارة خاصة إلى الشيخ عيسى قاسم في 23/5/2013، على خلفية تفتيش منزله، في الوقت الذي رفض فيه المبعوث الأمريكي لقاء ممثلين عن جمعيات سنيّة كالأصالة "حيث إن الرجل جاء ليسمع وجهة نظر واحدة، ويعبّر عن تضامنه بشكل ضمني مع قاسم"([12]).



[1] - أحمد فهمي، البحرين بركان على جزيرة، مركز البيان للبحوث والدراسات، 1432هـ، ص 248 – 249.

[2] - الموقع الرسمي لقاسم على شبكة الإنترنت/ مكتب البيان للمراجعات الشرعية.

[3] - أسامة شحاده وهيثم الكسواني، التجمعات الشيعية في الجزيرة العربية، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009، ص 131 – 134.

[4] - موقع مكتب البيان.

[5] - أحمد فهمي، مرجع سابق، ص 254.

[6] - أسامة شحاده وهيثم الكسواني، مرجع سابق، ص 134.

[7] - أحمد الكاتب، الشيرازي: المرجعية في مواجهة تحديات التطور، منشورات الزمان، الطبعة الأولى، أيار/ مايو 2002م، ص 45 – 46.

[8] - أحمد فهمي، مرجع سابق، ص 252 – 253.

[9] - أحمد فهمي، مرجع سابق، ص 254.

[10] - موقع مفكرة الإسلام بتاريخ 29/1/2008.

[11] - أحمد فهمي، مرجع سابق، ص 255، نقلا عن صحيفة الوقت بتاريخ 22/8/2009.

[12] - عمر الحسن، التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية البحرينية، مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية، 2013، ص 25.

 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: