الصوفية والتصوف في السودان.. قراءة آنية
السبت 28 يونيو 2014

 

 محمد خليفة صديق– كاتب سوداني

 

 

خاص بالراصد

مدخل تاريخي:

يعود دخول التصوف إلى السودان حسب رؤية بعض المؤرخين إلى منتصف القرن السادس عشر الميلادي، ومنذ ذلك التاريخ ظل التصوف والصوفية على ارتباط بالمتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية في الحقب التاريخية المختلفة للسودان ودول الجوار.

يرى بعض الباحثين أن الحركة الصوفية في السودان مرت خلال مسيرتها بثلاث مراحل، المرحلة الأولى: لا تتوفر معلومات عنها لانقطاع الأخبار، وهذا يعني أن السودانيين لم يشهدوا في هذه الفترة حركة صوفية، بل كانوا على الإسلام السُني الذي دخل مع بواكير دخول الإسلام للسودان على يد الصحابي الجليل عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه، وهجرات القبائل العربية بعد ذلك. والمرحلة الثانية: أخذت فيها الطرق تظهر وتنمو وتأخذ اتجاهات جديدة على نحو ما نجد في الطريقة الشاذلية. ثم جاءت المرحلة الثالثة والتي ظهرت نتيجة لمؤثرات الحجاز القوية التي بدأت في أواخر القرن السابع عشر الميلادي وشهدت هذه المرحلة ظهور طرق مثل السمانية والختمية والإسماعيلية، وقد اهتمت هذه الطرق اهتماماً كبيراً بنشر تعاليمهم ومبادئهم وأورادهم الخاصة.

وكان قيام دولة سِنار أو السلطنة الزرقاء (1504-1821م)على أنقاض مملكة سُوبا المسيحية نقطة تحوّل وفاصلة حضارية مهمة بدلالاتها الفكرية والثقافية في اتجاه تكوين المجتمع السوداني الجديد، فقد كان قيام هذه الدولة الإسلامية بعد سقوط الأندلس مباشرة، رسالة واضحة أن إفريقيا تفتح ذراعيها للإسلام، بينما تطارده أوروبا بمحاكم التفتيش، وسيحتفل العالم الإسلامي بهذه الدولة في عام 2017م في سنار عاصمة الثقافة الإسلامية، والذي سيكون بمدينة سِنار عاصمة هذه الدولة الإسلامية بوسط السودان.

وقد شجع سلاطين سنار توافد العلماء لبلاد السودان وأجزلوا لهم العطاء والهبات ليعلموا الناس مبادىء الدين، وليستقروا بأرض سنار، فانخرط الناس في حلقات ومراكز العلم الفقهي ونهلوا من رسالة ابن أبي زيد القيرواني ومختصر خليل وغيرها من كتب المذهب المالكي، فظهرت في كثير من تراجمهم وسيرهم عبارات تعكس هذا المنهج أو الاتجاه العلمي.

وكان السُودانيون يُعرَفون قديماً بالسِنارية أو السنانير، حيث كان لهم رِواق بالأزهر الشريف لطلاب العلم هناك، يُعرف برواق السنارية. وقد تميزت العاصمة سِنار بموقع إستراتيجي في ملتقى الطرق بين إثيوبيا وشرق إفريقيا، وغرب وجنوب السودان، مع محاور التجارة عبر نهر النيل وعن طريق ميناءي سواكن وعيذاب على البحر الأحمر مع شبه الجزيرة العربية وحواليها.

لم يظهر التصوف في بدايات دولة سنار الإسلامية، بل كان الناس على الإسلام السني، وقد ظهر التصوف بعد تشجيعه من بعض سلاطين سنار المتأخرين، بعد ظهور نزعات قبلية عميقة، فأراد هؤلاء السلاطين أن ينتشر التصوف، حتى يصرف الناس عن التعصب القبلي والعنصري.

وفدت الطرق الصوفية للسودان من عدة مصادر هي الحجاز ومصر وشمال وغرب أفريقيا. وقد سبقت مرحلة دخول الطرق كمؤسسات منظمة ذات تعاليم وأذكار وأوراد جماعية ومشتركة، مرحلة اتجاه فردي في التصوف ساد قبل مجيء الشيخ تاج الدين البهاري، أول داعية للطريقة القادرية، التي تشير معظم المصادر إلى أنها أقدم الطرق دخولاً إلى السودان.

قام شيوخ الطرق بوصفهم فقهاء ومتصوّفة بالعديد من الأدوار والوظائف في مجتمعاتهم ومن أمثلة ذلك دور: المرشد، والمعلم، والإمام، والمأذون، والطبيب، والوسيط المتشفع في فض النزاعات والصراعات والحروب ونصرة المستضعفين لدى الحكام والسلاطين. كما كان الناس يستشيرونهم ويستفتونهم في أمورهم وشئونهم الحياتية المختلفة ويلجأون إليهم لإطعامهم عند الحاجة. وكان لشيوخ وزعماء الطرق الصوفية علاقة بالسياسة اتخذت أشكالاً وصوراً متباينة خلال فترات الحكم المختلفة التي شهدها السودان بدءاً بفترة سلطنة سنار، والتي كانت في نصفها الثاني "العصر الذهبي" للطرق الصوفية ومشايخها في السودان، نظراً لما كان لها ولهم من منزلة علمية ودينية ومكانة اجتماعية ونفوذ سياسي.   

التصوف في العهود الحديثة:

بمجيء فترة الحكم التركي المصري للسودان (1821 - 1880م) اختلفت أحوال الطرق الصوفية وسائر السودانيين، إذ شهدت تلك الفترة ظهور إدارة سياسية بسطت نفوذها على كل أجزاء القطر وتبلور السودان بحدوده السياسية الحالية. فقد أحدث الحكم التركي المصري تغييراً وتحولاً اجتماعياً وسياسياً كبيراً في المجتمع السوداني.

ثم جاء عهد الثورة المهدية (1876 - 1899م) حيث قام محمد أحمد المهدي قائد الثورة بإبطال الطرق الصوفية بالمنشور الذي أصدره في أواسط سنة 1301هـ وأوائل سنة 1884م، وكان هدفه من إلغائه للعمل بالمذاهب وإبطاله للطرق الصوفية وقف الخلاف بين المسلمين، وقد أشار إلى ذلك بقوله: "تعددت الطرق واختلفت حتى ظن أن كل شيخ يقوم بتأسيس دين جديد وأن غيره من زعماء الطرق خارج عن الدين وحتى ضل القوم ضلالاً مبيناً وأصبحوا يوجهون أنظارهم لمشايخهم بدلاً من ينبوع الدين والعرفان الأصيل القرآن الكريم والسنة المطهرة".

يرى البعض أن حظر الطرق الصوفية لم يكن مطلقاً، وإنما انحصر في الطرق التي اتخذت موقفاً معادياً للمهدية وعلى رأسها الختمية التي عُرفت بتعاطفها مع الحكم التركي المصري، الذي سعى لاستمالة قيادتها ليكسب تأييد الأتباع كما عرفت الطريقة أيضاً بمعاداتها للمهدية ليس لعدم إيمانها بفكرة المهدية، بل لعدم اعترافها بمهدية الإمام محمد أحمد المهدي.

وبعد نهاية المهدية على يد الإحتلال الإنجليزي في 1899م اتبعت حكومة الاحتلال تجاه الطرق الصوفية والمتصوفة سياسة يشوبها التشكك وعدم الثقة. وصدر منشور من السكرتير الإداري لحكومة الاحتلال دعا فيه كل حكام المديريات إلى مراقبة ومتابعة نشاط الطرق الصوفية بدقة وكتابة تقارير عنها.

غير أن قيام الحرب العالمية الأولى في عام 1914م أدى إلى تغيير هذه السياسة بسبب تخوّف الإنجليز من أن تؤدى الى وقوف الصوفية السودانيين مع تركيا في جانب الألمان، نتيجة للدعاية الإسلامية التي كانت تتبعها تركيا باعتبار أن الحرب دينية بين المسلمين وغير المسلمين.

وللرد على تلك الدعاية طلب الإنجليز من الزعماء الدينيين وشيوخ الطرق استخدام نفوذهم لإقناع أتباعهم بأن الحرب ليست دينية، وأن الإنجليز يعملون لمصلحة الإسلام.

وسعت الحكومة لاستمالة الطريقة الختمية، ومنحت زعيمها السيد علي الميرغني العديد من الأوسمة والألقاب التقديرية، فضلاً عن بعض الأراضي والمشاريع الزراعية، غير أن الإدارة البريطانية في السودان خشيت من تعاظم نفوذ السيد علي الميرغني، فانتهجت سياسة لحفظ التوازن بين الزعماء، فقرّبت كذلك الزعيم الديني والسياسي السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، ومنحته مشاريع وأراضي في الجزيرة أبا، وأنحاء أخرى من منطقة النيل الأبيض، وانتهجت الحكومة أسلوباً مماثلاً مع زعيم الطائفة الهندية الشريف يوسف الهندي. ويتضح مما سبق أن بعض زعماء الطرق ذوي الثقل أسهموا بدور فعال في دعم الحكم البريطاني في السودان.

ومن أهم الطرق الصوفية بالسودان الطريقة الختمية، وهي الطريقة التي أسسها محمد عثمان الميرغني الشهير بالختم المولود بالطائف في قرية السلامة في سنة (1208هـ/ 1793م) في أسرة عريقة، فجده لأبيه هو عبد الله المحجوب من كبار الصوفية ومؤسس الطريقة الميرغنية. أخذ الميرغني الطريقة النقشبندية، والجنيدية، والقادرية، والشاذلية، عن مشايخ عديدين إضافة إلى طريقة جده الميرغنية، قبل أن ينتهي به الأمر إلى الأخذ عن السيد أحمد بن إدريس صاحب القدح المعلّى في تربيته الصوفية.

وقام الميرغني موفداً من شيخه ابن إدريس برحلات دعوية إلى السودان، وصعيد مصر، والحبشة، وأرتريا، قبيل الغزو التركي المصري للسودان، في وقت كانت فيه دولة سنار تعاني من الحروب وعدم الاستقرار الإداري والسياسي. وقد نجح الميرغني في استقطاب العديد من الأتباع في مناطق شمال وشرق السودان، ومازال للطريقة وجود سياسي، حيث تمثل محضنا للحزب الاتحادي الديموقراطي.

أما الطريقة التجانية فقد دخلت السودان عن طريق غرب أفريقيا، على يد عالم من الهوسا هو عمر جانبو الذي أخذ الطريقة عن الشيخ محمد الصغير بن علي، أحد تلاميذ الشيخ التجاني، وقام بنشر تعاليم الطريقة بدارفور وكردفان، وتذكر المصادر أن هذا الشيخ عاش بالفاشر بغرب السودان في ضيافة السلطان علي دينار، وذلك عقب نهاية الدولة المهدية في عام 1885م، ثم ساءت علاقته بالسلطان علي دينار مما اضطره إلى الهروب إلى الأُبيض بوسط السودان في عام 1908، ومنها إلى أم درمان ثم الحجاز حيث توفي ودفن بمكة.

من الطرق ذات المنشأ السوداني: الطريقة البرهانية، التي أسسها محمد عثمان عبده البرهاني، المولود في 1902م، والذي استطاع أن ينشر الطريقة في السودان ومصر، وانتشرت الطريقة في أكثر من سبع وثلاثين دولة في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا وأوروبا، وهذه الطريقة لها ضلالات مشهورة، مما حدا بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف في عام 1974م لإصدار حكم بضلال الطريقة وكفر صاحبها ورِدة كل من انتمى إليها عن قناعة واختيار، كما حكم المجمع بحظر ومنع تداول الكتابين اللذين ألفهما محمد عثمان البرهاني وهما: تبرئة الذمة وبطائن الأسرار، كما وأصدرت السلطات المصرية حكماً بحظر الطريقة البرهانية في مصر (صحيفة اللواء الإسلامي في عدديها الخميس 20 محرم 1409هـ، والخميس 27 محرم 1409هـ)، وفي سنة 1398هـ - 1979م، قامت وزارة الداخلية بالحكومة السودانية بإلقاء القبض على أتباع الطريقة البرهانية وحرقت مؤلفاتها، ولكن ظهرت الطريقة مرة أخرى بعد سقوط نظام الرئيس جعفر نميري عام 1985م، ولها الآن مراكز ومساجد في عدد من ولايات السودان.

ويُعد مسجد الطريقة في منطقة السوق الشعبي جنوبي الخرطوم واحداً من أكبر مساجد العاصمة الخرطوم، ومركزا للطريقة، ودفن مؤسسها الشيخ محمد عثمان عبده في مسجده، ويحج إليه سنويا آلاف المريدين من السودان وأوروبا إلى قبره. وللطريقة عدة زوايا بألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول. ويقود الطريقة الآن الشيخ محمد بن إبراهيم، وهو حفيد الشيخ محمد عثمان عبده.

وبجانب هذه الطرق تنتشر عشرات الطرق الصغيرة والفرعية في السودان، مثل الطريقة السمانية والقادرية والطريقة المكاشفية والطريقة العزمية، وهي طريقة مصرية الأصل، والطريقة الإسماعيلية بالأُبيض، والطريقة الهندية بوسط السودان، وتعتبر الطريقة الرُكينية آخر الطرق تأسيسا في السودان، وقد بدأت في سهل البطانة وسط السودان ثم انتقلت إلى الخرطوم مطلع التسعينيات.

ولعل التأثير القوي تاريخياً للطرق الصوفية في الحياة السودانية، جعل مختلف الأنظمة والقوى السياسية حريصة على استثمار قوتها تلك في معاركها السياسية، ما جعل الطرق الصوفية في السودان ليست بعيدة عن الممارسة السياسية، بل ارتبط نشوء الأحزاب السياسية التقليدية في السودان بهذا التوزيع، فتحدر الحزب الاتحادي الديمقراطي عن الطائفة الختمية، وتحدر حزب الأمة عن طائفة الأنصار. غير أن بعض المراقبين يرون أن الانشطارات التي عاشتها الطرق الصوفية وتوزيعها داخل ولايات السودان، وتوزع استخداماتها بين اتجاهات سياسية متعددة، سيجعل دورها يقتصر على الجانبين الثقافي والاقتصادي، ولن تلعب دورا سياسيا مهما في المرحلة القادمة.

الصوفية والتشيع في السودان:

اتخذ التشيعُ التصوفَ في السودان وسيطاً لنشر المذهب الذي لم يعرفه السودان، إلا في السنوات الأخيرة، ويُعد الشيخ النيّل أبو قرون من رموز الصوفية الذين دخلوا في المذهب الشيعي الإمامي، وليس كل الصوفية في السودان، على توافق مع المذهب الشيعي، بل يقف كثير من المتصوفة ضد هذا المذهب الدخيل، ومن ذلك المجمع الصوفي العام الذى أصدر كتاباً بعنوان: (دلائل تشيع النَّــيِّل أبو قرون)، وهو عبارة عن تجميع لما كتبه علماء المجمع الصوفي العام، حيث يرى الكتاب في مقدمته: "أن أشد الفتن والأخطار التي أبتلي بها أهل السنة في السودان على وجه العموم، وأهل التصوف على وجه الخصوص في هذه الأعصار المتأخرة، تسرب عقائد الشيعة الروافض (المنتنة) إلى هذه البلاد عبر أُناسٍ من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، نشأوا وترعرعوا في بيئة صوفية.. بل وفي بيوت عريقة من بيوتات أهل التصوف الأخيار.. ولكنهم وبعد أن آل الأمر إليهم، بعد رحيل آبائهم.. بدلوا.. وغيروا.. وابتدعوا.. وانحرفوا عن جادة أهل السنة.. وسلكوا طريق أهل البدعة.. فمالؤوا الأعداء وعقوا الآباء".

واعتبر الكتاب أن من هؤلاء المعنيـين، المدعو:  النَّــيِّل أبو قرون .. الذي مافتئ يبث البدع والضلالات في أوساط الشباب والأحداث ممن لا خبرة لهم بطرق العلم .. مظهرًا للناس موالاة الصوفية .. مخفيًا لتشيعه ورفضه تقية..  غير آبه بما جرى له من قبل .. وذلك عندما استــتيب من قبل جماعة من العلماء برئاسة شيخنا الجليل الشيخ محمد علي الطريفي رحمه الله تعالى.

ورأى الكتاب أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يملي على الجميع وبخاصة ولاة الأمر في هذه البلاد (حكاماً وعلماء)، الأخذ على يدي هذا المبتدع، بتنفيذ حكم الله فيه.. ذودًا عن حياض هذا الدين، ووأدًا لهذه الفتنة في مهدها .. وكل ذلك امتثالًا لقوله صلى الله عليه وسلم:  (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)، ولا ظلم أشد من انتقاص قدر الصحابة الكرام.

كما استنكر المجمع الصوفي العام زيارة الشيعي النيل أبو قرون إلى منطقة أم مرحى، إحدى مناطق الطريقة السمانية بتنظيم من المجلس الأعلى للتصوف، ووصف في بيان له الزيارة بأنها موقف شاذ وتصرف معيب يطعن التصوف في خاصرته، ويسيء إلى جماهير الصوفية وإلى منهجهم القويم، منهج أهل السنة والجماعة.

وقال البيان إن تنظيم المجلس الأعلى للتصوف زيارة مخزية للشيعي المدعو النيل أبو قرون إلى منطقة أم مرحى مركز الإشعاع الديني والعلمي والروحي، والتي تعد ملكاً للجميع، ووصف المجلس الأعلى للتصوف للشيعي النيل أبو قرون بعبارة منكرة من الجميع باعتباره مجدداً للفكر الصوفي، ومساندته في مواجهة أهل السنة والجماعة في خطوة تعد شقاً للصف الصوفي وخرقاً لإجماع الصوفية على ضلال الشيعة الرافضة وضرباً لتماسك بنيانهم وتشويهاً لسمعتهم ناصعة البياض.

وقال البيان: "نحن الطرق والسجادات الصوفية والجمعيات والروابط العلمية والاتحادات الشبابية المنضوية تحت لواء المجمع الصوفي العام داخل السودان وخارجه، نعرب عن استنكارنا المشدد لهذا التصرف غير المسئول الذي ارتكبه بعض رموز المجلس الأعلى للتصوف، ونعلن تبرؤنا التام من المدعو النيل أبو قرون وأنه لا يمت بأي صلة للتصوف والمتصوفة، كما أننا ندعو أهل الحكمة والتعقل بالمجلس لحسم مثل هذه التصرفات، ونصح تلك العناصر بالالتفات إلى منهج الدعوة وتصحيح المسار، وندعو أيضاً كافة البيوت الصوفية للوقوف بقوة ضدهذا الفعل الشنيع، وعدم السماح لهؤلاء الشيعة بتدنيس بقاعهم الطاهرة. وأخيراً نوجه رسالة إلى أولي الأمر بضرورة القيام بواجبهم بحماية عقيدة المسلمين وإيقاف المد الشيعي الرافضي وكافة التيارات المتشددة الهدامة والتي تشكل خطراً على الدين والوطن".

كما دعا الشيخ صلاح الدين الخنجر عضو الأمانة العلمية بالمجمع الصوفي العام في مقال له بصحيفة السوداني أخيراً يطالب فيها السلطات والمجتمع بمواجهة المد الشيعي ممثلاً في راعيه بالسودان الشيعي الضال النيل أبو قرون – حسب وصفه- ، ونادى الشيخ الخنجر بمحاكمة أبو قرون وجلده في ساحة عامة لتطاوله على الصحابة الكرام عليهم الرضوان، وتمجيده للمنافقين ورأسهم ابن أبي سلول ودفاعه عنهم.

وقدم الخنجر في مقاله الأدلة والبراهين التي تؤكد رعاية أبو قرون للتشيع بالسودان والدعم اللامحدود الذي يجده من إيران في سبيل نشر هذا المذهب، بغرض تشويه عقيدة أهل السنة والجماعة وبذر الفتنة بين السودانيين، حيث أوضح أن أبو قرون سبق واستتيب رسمياً من قبل مجمع الفقه الإسلامي، كما أصدرت هيئة البحوث بجامعة القرآن الكريم برئاسة الشيخ محمد علي الطريفي ونائبه المفتي البروفيسور الشيخ حسن أحمد حامد – عليهما الرحمة – بتشيع النيل أبو قرون وضلال مذهبه وأصدرت كتيباً بهذا الشأن، كذلك فتوى هيئة علماء السودان والتي أثبتت أيضاً تشيعه وضلال مذهبه، ثم سب أبو قرون للصحابي الجليل سيدنا معاوية بن أبي سفيان ووصفه بالإرهاب وإشاعة الدعاوي الباطلة، وكذلك وصفه للصحابيين سيدنا عمرو بن العاص وسيدنا المغيرة بن شعبة بأنهما تجاوزا الدين والأخلاق، ثم نعيه لنجل الخميني قائد الثورة الإيرانية عقب موته، وكذلك إصداره لكتاب (مذكرات أحبابي) والذي يسب فيه الصحابة الكرام وقد ردت هيئة علماء السودان على هذا الكتيب والذي صودر من الأسواق، هذا إضافة إلى مقطع صوتي شهير يسب فيه الصحابة، ومؤخراً تبرؤ ابنه محمد منه ومن تشيعه والذي أعلنه للملأ.

كما أكد الشيخ السماني الشيخ برير الأمين العام للمجمع الصوفي العام أنهم في المجمع لن يتوانوا في مواجهة المذهب الشيعي بالسودان، وأنهم ليس لهم عداء شخصي مع النيل أبو قرون، وإنما موقفهم هذا من أجل الحفاظ على العقيدة السليمة عقيدة أهل السنة والجماعة التي تبجل آل البيت والصحابة معاً، وأن الدين لا يتهاون أبداً مع من يسب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت أن من سب الصحابة يجلد، وأضاف الشيخ السماني أن أبو قرون متى ما تاب من أفكاره هذه وتراجع عنها أمام الملأ وأوقف النشاط الشيعي فإنهم سيقبلونه، وإلا فإنهم في المجمع الصوفي العام يتبرأون من فكره هذا ومن كل من يتشيع.

أمريكا والتصوف في السودان:

أوصت ندوة عقدها مركز نيكسون للبحوث لتقديم النصح والمشورة للإدارة الأمريكية في كيفية فهم التصوف وتفعيل دوره في السياسة الخارجية الأمريكية بدعم التصوف من خلال إعادة إعمار المزارات والأضرحة ونشر الكتب الصوفية، ونشر المدارس الصوفية ودعم الطرق الصوفية، مبررين دعم الصوفية لأنها تتسم بالتسامح مع الأديان والمعتقدات الأخرى بعكس الوهابية أو غيرهم من المسلمين.

ويشير بعض الباحثين الى أن اهتمام المؤسسات الأكاديمية الغربية والمؤسسات الحكومية بشكل جدي بالصوفية جاء لرغبة الغرب بإظهار الجانب السلبي (الاستسلامي) في بعض طرق الصوفية، وهم بذلك يحققون هدفين:

الهدف الأول: تغريبه عن أصوله الصحيحة لأنهم يرون الإسلام الخالي من الشوائب هو القوة التي تعوق سيطرتهم على مصير الأمة الإسلامية بمقدراتها، ويحاولون تأصيل الروح الاستسلامية المنهزمة في نفس المسلم.

الهدف الثاني: إعطاء صورة سلبية للإسلام لدى غير المسلمين لتشويه صورته حتى لا يدخلوا في الإسلام الصحيح".

وظهر الاهتمام الأمريكي بالطرق الصوفية في السودان جلياً بعد عدة زيارات قام بها القائم بالأعمال الأمريكي في السودان السفير جوزيف استافورد، حيث زار معظم مقرات هذه الطرق داخل وخارج العاصمة الخرطوم، وعبّر عن إشادته بالطرق الصوفية في السودان، ونقل تحيات الرئيس الأمريكي أوباما للطلاب الذين يدرسون بالمسيد، وهو الإسم الشعبي لتجمعات الصوفية.

ويرى البعض أن العلاقات غير الجيدة بين السودان وأمريكا، ربما جعلت السفير يشعر بنوع من الفراغ، ما جعله يلجأ للدبلوماسية الشعبية، طالما أن الدبلوماسية الرسمية لم تنجح في تطوير العلاقات بين الدولتين للأمام، وذلك رغبة منه في تحقيق مكاسب لدولته، على الأقل في محو أية صورة سيئة في وجدان الناس عن بلاده، بجانب رغبته في توسيع علاقاته مع أطياف المجتمع، مما يساعده في عمله الرسمي، من حيث الوقوف على طبيعة الولاءات الموجودة في المجال الذي يتحرك فيه.

بينما يرى آخرون أن هذه الزيارات قد تدخل في إطار الطموح الشخصي لاستافورد. وبما أن الجاسوس الرسمي أو المعلن هي الصفة الأشهر في تعريف الدبلوماسي أيّا كان، تشير بعض المصادر إلى أن أنشطة السفراء عادة تكون متابعة من الجهات المعنية، للوقوف على طبيعة أنشطته، كما أن السفارة الأمريكية في أي بلد، عادة ما يكون بها مسؤول من الاستخبارات الأمريكية، الـ (سي آي إيه).

التصوف السوداني.. محاولات التجديد:

لإنهاء صورة الزهد والدروشة التى دمغت مسيرة التصوف بالسودان، ظهر مايسمى بالتصوف الجديد في السودان، ممثلاً في تجربة الشيخ الأمين بمدينة أم درمان، والمنتمي إلى الطريقة المكاشفية. ويستهدف التصوف الجديد، الشباب والطبقة الثرية، ويستخدم الشيخ الأمين في الخطاب لغة مزيجة بين لغة عرب بادية كردفان الدارجة، ولغة الخرطوم العامية؛ وهو ما يجعله أقرب إلى مزاج السودانيين.

ورغم وجود قناة فضائية متخصصة في مديح النبي صلى الله عليه وسلم، وتمجيد التصوف في السودان، يطلق عليها قناة “ساهور” وإذاعة الكوثر إف إم المتخصصة في الشأن نفسه، إلا أن الشيخ الأمين لا يسعى إلى تقديم دروس ومواعظ عبر التلفزيون، وكعادة متصوفة السودان، ليس للشيخ الأمين نشاط دعوي مباشر خارج زوايا الطريقة، سواء أكان داخل السودان أم خارجه، ونشاط الزاوية عنده، لا يتجاوز أن يكون حلقة للذكر أو درساً، كما ظهرت ميول ونشاط سياسي للشيخ الأمين في السنوات الأخيرة حيث يدافع عنه بعض رموز الحكم الحالي في السودان، كما ظهر الشيخ الأمين مع مبعوث الرئيس السوداني عمر البشير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مطلع شهر يونيو الجاري بأبو ظبي، حيث للصوفية حظوة هناك خاصة مع وجود نشاط الحبيب علي الجفري اليمني الأصل.

واتجه التصوف السوداني نحو توسيع علاقاته الخارجية، حيث وقع المجمع الصوفي العام والمجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر مذكرة تفاهم للتعاون العلمي بين الجانبين، بعد زيارة وفد المجمع الصوفي العام للتنسيق والتعاون في المجالات العلمية وتدريب الدعاة، والتقوا عدداً من الرموز الدينية على رأسهم الدكتور علي جمعة الذي أهدى المجمع مكتبة علمية كبيرة، إضافة إلى نائب رئيس جامعة الأزهر، وقد تم في اللقاء الاتفاق على تكوين المجلس الصوفي العالمي، واعتماد السودان عضواً دائماً ومؤسساً فيه عبر المجمع الصوفي العام، كما التقى وفد المجمع بنقيب الأشراف الدكتور أحمد عمر هاشم ورئيس العشيرة المحمدية الدكتور محمد مهنا الذي قدم منحة مجانية للدراسة الجامعية لـ 100 طالب سوداني، إضافة لفرص واسعة في مجال التدريب الدعوي بالأزهر الشريف، وتنسيق زيارات علمية متبادلة من الجانبين بحضور عدد من أبرز العلماء الأزهريين إلى السودان يتم خلالها تنظيم برنامج دعوي واسع.

وحديثاً ظهرت مؤسسات لجمع شتات الطرق الصوفية وتوحيدها في كيان واحد، الا أن هذه المجهودات باءت بالفشل، ومن أبرز تلك المؤسسات: المجمع الصوفي العام، وهو مسجل كجمعية دينية بوزارة الإرشاد والأوقاف السودانية، ويضم مجموعة من مشائخ الطرق الصوفية والعلماء والدعاة والمفكرين، يقولون إنهم يعملون لخدمة التصوف والدفاع عنه والتصدي لحمل قضاياه والذود عنه.

وبجانب المجمع الصوفي العام، توجد مؤسسات أخرى تضم عددا من الطرق ورموز الصوفية منها رابطة علماء التصوف، والمجلس الأعلى للتصوف، المسجل لدى مسجل المنظمات الطوعية بمفوضية العون الإنساني في يوليو 2013م، والذي يرأسه الخليفة الطيب الجد العباس قاضي المحكمة العليا السابق.

وقد حاولت حكومة الإنقاذ الحالية ضمان تأييد الصوفية لها، فأنشأت المجلس القومي للذكر والذاكرين، بعد مؤتمر جامع للصوفية داخل وخارج السودان، وفتحت له فروعاً في كل ولايات السودان، للاهتمام بالصوفية والتصوف ومؤسسات الصوفية مثل الخلوات والمسايد والزوايا، والسعي لإصلاح التصوف، غير أن المجلس لم يحرز نجاحاً يذكر سيما في الجانب الأخير، وظل التصوف كما هو، بل أسندت الأمانة العامة للمجلس القومي للذكر والذاكرين أخيراً لصوفي ينتمي للطريقة العجيمية هو الصافي جعفر. وفي محاولة أخرى لإرضاء الصوفية، عينت حكومة الإنقاذ قبل عدة سنوات لأول مرة وزيراً صوفياً في منصب وزير الدولة بوزارة الإرشاد والأوقاف هو محمد مصطفى الفكي الياقوتي، المنتمي للطريقة السمانية.

ورغم كل ما سبق يظل النشاط الصوفى على المستوى السياسي والفكرى محدوداً، ويُسجل الوجود الصوفي في السودان تراجعاً يومياً كما يظهر في مناسباتهم مثل المولد النبوي، وظهر بعض أبناء مشايخ الطرق والأسر الصوفية المشهورة الذين يتبرأون من مسالك آبائهم، كما يلاحظ أن معظم الجامعات السودانية تخلو من تنظيمات صوفية، في حين تعج تلك الجامعات بتنظيمات الطلاب السلفيين والحركيين والمنتمين للأحزاب السياسية السودانية.

المـراجـع:

1-  سينر وآخرون، فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية، تقرير صادر عن مركز نيكسون في واشنطن في مارس 2004م، ترجمة د.مازن مطبقاني، وأصدره مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض.

2-  "ماذا يحدث في مركز نيكسون؟ التخطيط للانحراف بالصوفية إلى منزلق الفكر الغربي لضرب الإسلام"، مقال منشور بصحيفة عكاظ ، 14 ذو القعدة 1424هـ.

3-  وليدالطيب، الطرق الصوفية في السودان.. خريطة معلوماتية، مقال بموقع الإسلاميون.

4-  صفاء الصالح، الطرق الصوفية في السودان، تقرير منشور على موقع bbcarabic.com.

5-  محمد إبراهيم أبوسليم، الحركة الفكرية في المهدية، الخرطوم، 1970م.

 

 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: