الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبين
تأليف: حسن الأمين
يصلح كتاب "الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبين" لمؤلفه حسن الأمين، أن يكون نموذجاً لقراءة التاريخ على الطريقة الشيعية وهي القراءة بعين واحدة! ولخدمة غرض خبيث هو تزوير التاريخ وتفصيله لصالح طائفيته الشيعية ، فالكتاب الصادر عن مركز الغدير في لبنان سنة 1996 أشبه بمحاكمة شيعية لعدد من قادة السنة ودولهم، وفي مقدمة ذلك القائد نور الدين زنكي ودولة السلاجقة.
والكتاب الصادر في 320 صفحة، من قبل واحد من أكبر مؤرخي الشيعة المعاصرين، نموذج للانتقائية في المصادر التاريخية، واعتماده بشكل شبه وحيد على ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، وأحيانا سرده للمعلومات بدون عزو ولا توثيق.
وفيما يلي نعرض شيئاً يسيراً من الأفكار التي بثها المؤلف في كتابه ومجّد فيها الشيعة وحلفاءهم (الدولة الفاطمية ـ البساسيري) وفي المقابل انتقاصه من أهل السنة وقادتهم ودولهم (السلاجقة ـ المرابطون ـ نور الدين زنكي).
1ـ الدولة الفاطمية
في الوقت الذي سببت فيه الدولة العبيدية الفاطمية شرخاً كبيراً في جسم الأمة الإسلامية، وحاربت مذهب أهل السنة ودولة الخلافة العباسية، وفرضت مذهبها الشيعي الإسماعيلي بالقتل والاضطهاد ، يكيل المؤلف لها المديح في مواضع عديدة، ويخترع لها المبررات تلو المبررات، فهو أولاً يستنكر تسميتها بالدولة العبيدية (نسبة إلى جدهم عبيد الله المهدي) ص8 ويعتبر أن هذه الدولة "كانت مصدراً من أكبر مصادر التجميع لا التفريق: لقد كان نشوؤها ضرورة من ضرورات العالم الإسلامي في ذلك الحين الذي تمزقت فيه قوى المسلمين، وتفرقت كلمتهم..." ص 311.
وفي معرض دفاعه الدائم عنهم وعن خياناتهم، خاصة في فترة الحروب الصليبية، يذهب المؤلف إلى أن "الدولة الفاطمية كانت قد انتهت سلطتها، قبل وصول الصليبين بربع قرن، وأن الذي أنهى سلطتها وحلّ محلهاهم الجماليون الذين قامت بهم الدولة الجمالية التي صارت هي صاحبة الأمر والنهي، والتي حجرت على الخلفاء الفاطميين في بيوتهم، ومنعتهم من أي تصرف في شؤون الدولة" ص 305 ـ 306.
وقد نسي المؤلف أو تناسى أن موالاة الفاطميين لليهود والنصارى كانت سياسة ثابتة، حتى عندما كانت الدولة في أوج قوتها، وهو ما أوضحناه في الراصد عدة مرات فقد كان دأب حكام الدولة العبيدية الفاطمية اتخاذ اليهود والنصارى مستشارين ووزراء، والسماح ببناء المعابد والكنائس، وبالمقابل اضطهاد أهل السنة، والتضييق على مؤسساتهم ومذهبهم.
2ـ دولة السلاجقة
الدولة السلجوقية هي إحدى الدول السنيّة القوية التي قامت في العراق وفارس وأنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، ووقفت بوجه الصليبيين، والروم قبل ذلك، وأنقذت الخلافة العباسية من مؤامرة البساسيري والفاطميين ـ كما سيأتي ـ ونصرت مذهب أهل السنة، ورغم ذلك فقد كان للسلاجقة أخطاء ومفاسد عديدة أبرزها كثرة اختلافهم على الحكم، وتعاون بعض حكامهم مع الصليبيين.
إلاّ أن المؤلف ـ وبحكم شيعيته ـ لا يكاد يرى من السلاجقة إلاّ المساوئ، فهو لا يرى من معاركهم وحروبهم سوى النهب والدمار، ولا يصورهم إلاّ بهذه الصورة. بل ويشطح خياله ليصور أن أهل السنة في العراق، وفي بغداد تحديداً كانوا رافضين لقدوم السلاجقة الظالمين، وكانوا يفضلون عليهم البويهيين([1]) الشيعة الذين ـ بحسب المؤلف ـ "لم يكونوا يؤثرون فريقاً على فريق" ص40، دون أن يقدم عزواً أو مرجعاً يفسر هذا الكره السني للسلاجقة السنة، والسرور من دولة البويهيين الشيعة .
وفي الوقت الذي تشير فيه معظم المصادر التاريخية إلى أن الخليفة العباسي لقي الاحترام والتقدير من السلاجقة وزعيمهم طغرل بك بعد انتصارهم على البويهيين والبساسيري، إلاّ أن حسن الأمين ينقل لنا أخباراً غريبة من قبيل قوله أن "هيبة الخلافة انتهكت من السلاجقة في أول يوم وصلوا فيه إلى بغداد، وذلك بإهانة رسل الخليفة ونهبهم وتجريدهم حتى من ثيابهم" ص50.
ويقول في موضع آخر: "وهذا الخليفة الذي تآمر مع السلاجقة على البويهيين، عامله السلاجقة بالمهانة منذ اليوم الذي دخلوا فيه بغداد" ص54.
3ـ نور الدين محمود
نور الدين محمود واحد من قادة المسلمين البارزين، ومن أبرز الذين دافعوا عن ديار المسلمين، وحموا مذهب أهل السنة، وعرف عنه التقوى وحسن السيرة، إلاّ أن لهذا القائد الكبير شأن آخر عند حسن الأمين، فهو ينكر جهاد نور الدين وسعيه لتكوين دولة قوية يواجه بها الصليبيين، ويقول: "لم يكن في ذهن نور الدين تطلع إلى تحديد الجبهة الإسلامية من الفرات إلى النيل، ولم تكن هذه الفكرة ـ فكرة الجبهة الإسلامية المتحدة ـ هي المحرك الأول الذي جعل نور الدين محمود يتجه ببصره شطر مصر. بل المحرك له على ذلك هو أمر شخصي بحت حيث ينتصر لمستنجديه على منافسه لقاء مكاسب شخصية هي الاستحواذ على ثلث دخل البلاد" ص 310.
ويواصل المؤلف انتقاصه من شأن نور الدين وبطولاته، فيقول: "وكل ما جرى أن ثلث دخل مصر أغرى نور الدين، بإرسال عسكر إلى مصر لنصر شاور على ضرغام، بقيادة أسد الدين شيركوه، وإذا كان العسكر قد استطاع إعادة شاور إلى السلطة، فإنه لم يستطع التغلب على غدر شاور، ورجوعه عمّا قرره لنور الدين واستنجاده بالصليبيين، على أسد شيركوه الذي آثر السلامة فرجع إلى الشام.
وهذا كله من دون عزو لمرجع تاريخي معتبر ، ولكن من كانت منهجيته التاريخية على طريقة اليهود : اكذب ثم اكذب ثم اكذب وستصدق الكذبة ! فستكون هذه نتائجه التاريخية!!
4ـ المرابطون
بالرغم من أن كتاب حسن الأمين مخصص للحديث عن "الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبيين"، إلاّ أنه يخصص فصلاً عن دولة المرابطين السنيّة التي قامت في المغرب العربي، وقدّمت العون والنجدة للمسلمين في الأندلس، الذين كانوا يواجهون خطر الإبادة والطرد من الفرنج فيتناس خدماتهم للإسلام، فيصورهم بصورة البدو والأعراب الذين لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً ص 175.
أما قائد المرابطين العظيم، يوسف بن تاشفين، فالمؤلف يهمل ذكر نصرته للمسلمين في الأندلس وإنشائه لدولة إسلامية قوية، ويركز على الخلافات التي نشبت بينه وبين المعتمد بن عباد وملوك الطوائف، ويجعلها الأساس في حديثه عن هذه الدولة.
ويبدي المؤلف شماتته بدولة المرابطين التي زالت على أيدي دولة أخرى هي الموحدون، عدة مرات، ويقول في إحداها: "ابتدأوا أمرهم ـ أي المرابطون ـ بذبح ألفي مسلم صبراً، وانتهوا بالاستنجاد بالإفرنج! ومع ذلك فهم أصحاب دعوة إسلامية!!" ص 197.
ويا ليته كان صادقاً وأميناً فيعزو أو يوثق دعاويه العجيبة ،أو عادلاً ومنصفاً فيذكر خيانات أسلافه وأهله .
5ـ البساسيري
رسلان البساسيري هو في الأصل مملوك تركي من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، ثم صار من جملة الأمراء عند البويهيين، وبعد أن صارت له المكانة والقوة، تآمر على الدولة الخلافة العباسية وحاول إسقاطها بالاتفاق مع خليفة الفاطميين، المستنصر.
ورغم اعتراف حسن الأمين بالدور الذي لعبه البساسيري لإسقاط دولة الخلافة العباسية لصالح العبيديين الفاطميين، إلاّ أن حديثه عنه عادة ما يأخذ أسلوب الثناء والإعجاب، والسبب في ذلك باختصار أن البساسيري حاول إسقاط دولة سنية لتحل محلها دولة شيعية إسماعيلية.
يقول المؤلف عن البساسيري: "...ثم ترقت به الحال وتقدم عند الخليفة القائم، وقلده الأمور بأسرها، وخطب له على المنابر،وهابته الملوك ثم جرت بينه وبين وزير الخليفة الملقب رئيس الرؤساء مناضرات، فخرج البساسيري من بغداد، وأخرج الخليفة منها، وخطب للمستنصر الفاطمي وقتل رئيس الرؤساء شر قتلة، واستولى على بغداد سنة كاملة" ص 59 ـ60.
ويثني المؤلف ـ للأسف ـ على البساسيري في مواضع عديدة، مدّعياً أن أهل السنة وقفوا في صفه منها قوله "فهذا البساسيري لما عدل بين الناس، ولم يتعصب لمذهب، كان السنيّون والشيعة في مناصرته على السواء، ومضى السنيّون على أصالتهم الفطرية يؤيدونه على الظالمين وإن كانوا من أتباع مذاهبهم" ص 71، ومنها قوله: "وأحسن السيرة في الناس، وبشهادة ابن الأثير: لم يتعصب لمذهب، وأجرى الجرايات على المتفقهة" ص75.
وهكذا لا تنتهي كذبات هذا المدعو حسن الأمين ، وما هو والله بالحسن ولا الأمين .
[1]) ـ البويهين دولة شيعية كانت مسيطرة على دولة الخلافة العباسية فترة طويلة، وقد كانت نهايتهم على أيدي السلاجقة.