سطور من الذاكرة\العدد السادس والأربعين ربيع ثاني 1428هـ
صفحات من تاريخ المعنيين الدروز
الأحد 22 أبريل 2007

 صفحات من تاريخ المعنيين الدروز

 
الأسرة المعنية هي إحدى السلالات التي حكمت مناطق واسعة من لبنان، وهي أسرة من أمراء الدروز خلفت الأسرة الشهابية في الحكم في مناطق لبنان.
ويرجح عدد من المؤرخين أن الأسرة المعنية من أصل كردي، نزلوا بين الدروز واتخذوا مذهبهم، وأصبحوا أمراء عليهم، وزعموا لهم بأنهم من سلالة معن بن زائدة، الذي كان من ولاة العباسيين، ومن أجواد العرب.
ويعتبر الأمير فخر الدين المعني الثاني (1572ـ 1635م) أبرز أمراء هذه الدولة وقد حكم المناطق الممتدة بين يافا وطرابلس بين عامي 1590ـ 1625م([1]).
وقد كان لفخر الدين مواقف مخزية في محاربته لدولة الخلافة العثمانية، واستعانته بالدول الأوربية، وتأليبها ضد العثمانيين، لتحقيق مصالحه واستقلاله بدولته الدرزية، وهو النهج الذي اتخذه من قبله التنوخيون الدروز خلال فترة الغزو المغولي والصليبي للعالم الإسلامي([2]).
ويعود أول اصطدام للدروز بالدولة العثمانية إلى سنة 930هـ (1523م)، بعد تمردهم على حاكم دمشق، وقتلهم لجنوده، فكان أن قاتلهم، وأوقع بهم الهزيمة.
وعندما تولى فخر الدين السلطة، كان عصر سلاطين العثمانيين العظام قد بدأ بالأفول، كما أن الدولة العثمانية كانت منهمكة في حروبها مع الدول الأوربية، فدخل فخر الدين في حروب محلية لتوسيع نفوذه في بلاد الشام، الأمر الذي جعل العثمانيين يتوجسون منه([3]) وازداد توجسهم نظراً لتحركاته الخارجية.
وفي سنة 1613م توجه فخر الدين باتجاه أوروبا بينما كان القتال مندلعاً بين قواته وبين العثمانيين، وأثار وجوده في أوروبا اهتماماً كبيراً من قادتها "وكثرت التكهنات حول الغرض من زيارته ونتائجها المحتملة على المطامع الأوربية في المشرق وفي الإمبراطورية العثمانية عامة، فنشطت المطامع ذات الطبيعة الصليبية"([4]).
وكان فخر الدين قد وقع اتفاقيات مع الإمارات الأوروبية، تضمنت بعضها بنوداً عسكرية ضد الدولة العثمانية، وقد استقبله دوق توسكانا، الغراندوق قزمان الثاني بالترحاب، وأنزله في قصر فخم([5]).
"وكان فخر الدين قد عقد سنة 1608م اتفاقاً مع الغراندوق فردينان الأول. وقبل ذلك بسنة عقد فردينان اتفاقية مع علي جانبولاذ، وأصبح للفلورنسيين سوق في حلب. وفضلاً عن المزايا التجارية كان فخر الدين يأمل أن يحصل على السلاح لتعزيز مركزه في تعامله مع السلطات العثمانية وأعدائه المحليين مقابل منح الفلورنسيين امتيازات تجاريه، ومنح سفنهم حق اللجوء إلى مرافئه وبيع القمح إلى توسكانا بالرغم من الحظر السلطاني على تصدير القمح إلى أوروبا"([6]) .
"وفي أوائل سنة 1614، أرسل قزما الثاني أمير توسكانا بعثة إلى لبنان للاستقصاء، وإعداد تقرير عن الأحوال في بلاد فخر الدين... وكون قزما أرسل بعثة لاستقصاء الوضع الاقتصادي والعسكري والسياسي في لبنان يدل على مطامحه التي كانت تتجاوز التبادل التجاري([7]).
وحاول فخر الدين خلال السنوات الخمس التي قضاها في أوروبا (1613ـ 1618) الحصول على مساعدات عسكرية من إسبانيا وفرنسا والفاتيكان ضد العثمانيين، ولكن مسعاه فشل لأن الظروف الدولية في ذلك الوقت كانت غير صالحة([8]) ، و "العالم المسيحي لم يكن في وضع يسمح له بتحقيق الوحدة المطلوبة للقيام بمثل هذا المشروع"([9]) .
وإضافة إلى محاولته إقامة تحالفات مع الإمارات الأوربية ضد الدولة العثمانية، أقام فخر الدين صلات مع الدولة الصفوية([10]) الشيعية التي كانت قائمة في إيران، والتي قامت بالاعتداء واحتلال عدد من الدول الإسلامية التابعة للدولة العثمانية.
وبحكم علاقة فخر الدين بالدول الأوروبية، فإنه كان يعطف على الإرساليات الأوروبية، ويسمح لها بإنشاء مراكز في فلسطين ولبنان، وبسط يد الحماية لجميع النصارى في بلاد الشام، حتى صار الأوروبيون يسمونه (حامي النصارى في الشرق)([11]) "وكان عطف الأمير على الموارنة([12]) وتحالفه معهم من أبرز مميزات سياسته الداخلية، وكان أيضاً عاملاً في هجرة الموارنة من مناطقهم إلى مناطق المسلمين، وانتشارهم في أكثر من ثلثي لبنان الحالي، مما قوى مركزهم السياسي في لبنان بعد ذلك"([13]).
واستمر الدروز في عدائهم للعثمانيين والولايات الإسلامية حتى بعد القضاء على الدولة المعنية، ففي سنة 1253هـ (1837م)، قام الدروز بتمرد على والي مصر، محمد علي باشا، وكان ذلك في جبل الدروز بحوران بسبب تجريدهم من السلاح، وتجنيدهم في الجيش، وبقي هذا التمرد مشتعلاً بعد أن انضم إليه دروز وادي التيم، رغم محاولات محمد علي القضاء عليه، إلى أن أرسل حملة قوية سنة 1256هـ (1840م)، فقضى على تمردهم([14]).
وعندما استشرى الضعف في الدولة العثمانية، بدأت الدول الأوروبية تستميل الأقليات إلى جانبها، فوقفت فرنسا بجانب الموارنة، ووقفت بريطانيا إلى جانب الدروز واستطاعت استمالتهم في عام 1841م، إذ امتنعوا عن دفع الضرائب، فجردت الدولة العثمانية حملة لتأديبهم، فتدخلت بريطانيا لدى السلطان العثماني، الذي أصدر أوامره إلى والي الشام مدحت باشا، بحل مشكلة الدروز سلمياً، وجاء في رسالة السلطان: "إن الإنجليز لا يسرون بما تتخذه من التدابير لتأديبهم".
وهذا التدخل البريطاني شجع الدروز على التمادي في اعتداءاتهم، ومن بين المناطق التي كانت تتعرض للاعتداءات، حوران، حيث ندد مبعوث حوران في مجلس المبعوثان العثماني (البرلمان) باعتداءات الدروز، مطالباً الدولة باتخاذ إجراءات رادعة، وأنهى خطابه مطالباً الحكومة بإرسال قوة عسكرية إلى حوران "لصيانة العرض والدين والمال وتأمين الرعية من الخوف"([15]) .
 
للاستزادة:
1ـ الفرق الإسلامية ـ الدكتور محمد أحمد الخطيب.
2ـ عقيدة الدروز عرض ونقد ـ د. محمد الخطيب.
3ـ الدروز في التاريخ ـ د. نجلا أبو عز الدين.
4ـ موسوعة ويكيبيديا.
 


[1]) ـ موسوعة ويكيبيديا.
[2]) ـ يمكن العودة إلى زاوية فرق من العدد التاسع من الراصد لمعرفة المزيد عن فرقة الدروز، وإلى زاوية سطور من الذاكرة من العدد 34 وهي تتناول الدروز التنوخيين.
[3]) ـ الفرق الإسلامية ص 216.
[4]) ـ الدروز في التاريخ ص 250.
[5]) ـ المصدر السابق ص 250.
[6]) ـ المصدر السابق ص 252.
[7]) ـ المصدر السابق ص252 ـ253.
[8]) ـ عقيدة الدروز ص 95: نقلا عن تاريخ الموحدين الدروز لعباس أبو صالح.
[9]) ـ الدروز في التاريخ ص 251.
[10]) المصدر السابق ص 266.
[11]) ـ عقيدة الدروز ص96.
[12]) الموارنة أكبر الطوائف المسيحية في لبنان حالياً، وتنتسب إلى القديس مارون الذي عاش في القرن الرابع الميلادي. ورئيس الجمهورية اللبنانية من هذه الطائفة.
[13]) ـ عقيدة الدروز ص 96.
[14]) ـ المصدر السابق ص 96.
[15]) ـ المصدر السابق ص 97.
 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: