الصفويون يدخلون الاستعمار إلى منطقة الخليج
في فترة مبكرة من عمر "الراصد"، وتحديداً في العدد الثاني، تناولنا الاتفاقيات والتحالفات التي عقدتها الدولة الصفوية الشيعية في إيران مع الدول الأوربية، وفي مقدمتها البرتغال وهولندا وإسبانيا والمجر وبريطانيا، ضد الدولة العثمانية السنيّة.
كان من نتائج هذه التحالفات: إعاقة الفتح العثماني لأوروبا، ففي الوقت الذي كان العثمانيون يحاصرون المدن والدول الأوروبية تمهيداً لفتحها، يباغتهم الصفويون الشيعة من الخلف، فيضطر العثمانيون لإنهاء حصارهم على أوروبا، والعودة لحماية حدودهم مع الدولة الصفوية، واسترداد البلدان التي وقعت في قبضة الصفويين خلال انشغال العثمانيين بحروبهم الأوروبية، وفي مقدمة تلك البلدان: العراق، التي سقطت في قبضة الصفويين عدة مرات([1]).
وكان من نتائج هذه التحالفات أيضاً: إدخال الاستعمار إلى منطقة الخليج العربي، فقد مهّد الصفويون من خلال معاهداتهم وتحالفاتهم مع الأوروبيين الطريق للدول الأوروبية للتواجد في المنطقة واحتلالها، بل والتعاون في ذلك، وهو الأمر الذي لابد من التفصيل فيه بعض الشيء، والتذكير بأن الشيعة الذين يتظاهرون اليوم بلعن أمريكا، ورفع شعارات "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، فإن أجدادهم الصفويين هم من أدخلوا الاستعمار إلى المنطقة، وسهّلوا له احتلاله، كما سهّلت إيران في الوقت الحاضر لأمريكا احتلالها لأفغانستان والعراق.
الصفويون والبرتغاليون
ارتبط الصفويون باتفاقيات مع البرتغال منذ وقت مبكر، منذ عهد أول حكام الدولة الصفوية، الشاه إسماعيل (ت 930هـ/ 1524م)، وفي ذلك الوقت كانت البرتغال قوة استعمارية كبيرة، ففي القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كان البرتغاليون قد وصلوا إلى مناطق كثيرة في آسيا وأفريقيا، ولم يكد ذلك القرن يشرف على الانتهاء، حتى كان البرتغاليون قد اكتشفوا رأس الرجاء الصالح، واحتلوا الهند.
وبعد سيطرتهم على مناطق في آسيا، ومنها الهند، تطلع البرتغاليون صوب منطقة الخليج العربي والمشرق الإسلامي، إذ كانوا بصدد إنشاء امبراطورية مسيحية كبيرة في الشرق، إضافة إلى عدم اكتفائهم بالسيطرة على الطرق الرئيسية للتجارة العالمية، إنما العمل على إحكام سيطرتهم على الطرق البحرية الفرعية الأخرى حتى تصبح جميع منافذ التجارة في أيديهم، بحكم أن الخليج العربي هو شريان التجارة الهام إلى نهر الفرات وسواحل الشام([2]).
وبعبارة أخرى اجتمعت لدى البرتغاليين أسباب دينية واقتصادية لاحتلال الخليج، أولها سيطرة الروح الصليبية على الجنود البرتغاليين الذين نشأوا في وقت احتدام الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس، فأشربوا في قلوبهم الرغبة الجارفة في الانتقام من المسلمين([3]).
و "كان للدافع الصليبي كما يتضح أثره في رسائل البرتغال للملك البرتغالي في لشبونة حيث ذكر انه إذا سيطر على البحرين والقطيف يصبح الطريق للأراضي المقدسة من ناحية الشرق ممهّداً للسيطرة البرتغالية على مكة والمدينة، وانتزاع اسم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية كلها"([4]).
أما الأهداف الاقتصادية، فإضافة إلى ما ذكرناه من رغبة البرتغاليين في السيطرة على طرق التجارة الفرعية بعد سيطرتهم على طرق التجارة الرئيسية، فقد كانت بعض مدن الخليج ودوله تعيش نهضة واضحة وازدهاراً وبها ثروات وخيرات كبيرة، خاصة البحرين والقطيف.
قدم الصفويون الخليج للبرتغاليين على طبق من ذهب، ولم يكونوا يأبهون لأغراض البرتغاليين الدينية والاقتصادية، مادامت تحالفاتهم معهم ستؤدي إلى إضعاف الدولة العثمانية، العدو اللدود للصفويين، وإذلال الإمارات السنيّة، وفي سنة 1515م ذهب سفير الشاه إسماعيل الصفوي إلى مملكة هرمز التي كانت تحت سيطرة البرتغاليين، وحمل عدة مطالب واقتراحات للبرتغاليين، أهمها:
1 ـ تقدم البرتغال بعض سفنها لإيران كي تمكنها من غزو البحرين والقطيف.
2 ـ يساعد البرتغاليون الشاه في قمع تمرد قام ضده في مكران.
3 ـ يتنازل الشاه للبرتغاليين عن "جوادر" على ساحل بلوخستان([5]).
4 ـ تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
5 ـ تصرف حكومة إيران النظر عن مملكة هرمز، وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال، وألاّ تتدخل في شؤونها الداخلية([6]).
ويذكر المؤرخون أن البرتغاليين كانوا يفكرون بتأجيل احتلالهم للخليج لانشغالهم بالهند، لكن عرض الصفويين للبرتغاليين عجل بغزوهم واحتلالهم للخليج العربي.
دخل البرتغاليون إلى الخليج في سنة 912هـ/ 1507م، أي بعد سنوات قليلة من تأسيس الدولة الصفوية (تأسست سنة 907هـ/ 1501م) وكانوا قبل ذلك احتلوا جزيرة سوقطرة قبالة اليمن، لكنهم شعروا بعدم جدوى احتلالها، لفقرها من الموارد الطبيعية، ثم حاولوا احتلال عدن، لكنه لم يستطيعوا ذلك فرأو أن يتجهوا شطر منافذ الخليج العربي، ومنها القطيف.
وخشي القائد البرتغالي البوكيرك أن يثير تحركه هذا حفيظة الشاه إسماعيل الصفوي، فأراد أن يكسب ودّه، ويأمن جانبه، وليخيف بهذا التقرب، عرب الخليج، فأرسل البوكيرك إلى إسماعيل رسالة فيها:
"إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة! ستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد"([7]).
الأوروبيون والصفويون
لم يقتصر تحالف الصفويين مع البرتغاليين، بل تعدّاه إلى الجمهوريات الإيطالية، وإسبانيا والمجر وهولندا وبريطانيا، الأمر الذي أوجد لهذه القوى أيضاً موطئ قدم في منطقة الخليج.
خذلان شيعي ومقاومة سنيّة
وفي مقابل تآمر الصفويين مع الأوروبيين ضد الدولة العثمانية وإمارات الخليج العربي، استبسل أمراء الخليج السنّة (أو بعضهم على الأقل) في الدفاع عن بلادهم ضد الهجمة الصليبية البرتغالية، وبرز هنا اسم السلطان مقرن بن زامل، سلطان البحرين (والبحرين آنذاك كانت تطلق على الجزيرة المعروفة إضافة إلى الساحل الشرقي للخليج)، فعندما بدأت البرتغال استعداداتها لغزو البحرين، ذهب السلطان مقرن إلى الحج لطلب المساعدة من أمراء وملوك البلاد الإسلامية([8]) وعندما اندلع القتال، قاتل حتى أسر وقتل.
ويصف الدرورةُ السلطان مقرن بأنه "كان أميراً جليل القدر، معظماً مبجلاً، في سعة من المال، مالكي المذهب، فلما حجّ ورجع لبلاده لاقته الفرنج في الطريق وتحاربت معه فانكسر الأمير مقرن وقبضوا عليه.... واستولوا على أموال الأمير مقرن وبلاده، وكان ذلك من أشد الحوادث في الإسلام وأعظمها، وقد تزايد شر الفرنج على شواطئ البحر وسواحل المحيط الهندي"([9]).
للاستزادة:
1 ـ الصفويون والدولة العثمانية ـ أبو الحسن علوي عطرجي.
2 ـ تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ـ علي الدرورة.
3 ـ تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية ـ د. محمد محمود خليل.
4 ـ عودة الصفويين ـ عبد العزيز المحمود.
[1]) ) ـ الصفويون والدولة العثمانية لعطرجي، وانظر مقال الراصد على الرابط التالي:
http://www.alrased.net/show_topic.php?topic_id=378
[2]) ) ـ تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف ص 182 ـ 184.
[3]) ) ـ المصدر السابق، ص 184.
[4]) ) ـ تاريخ الخليج ص 519.
[5]) ) ـ تاريخ الاحتلال البرتغالي ص 189.
[6]) ) ـ الصفويون والدولة العثمانية ص 49ـ 50.
[7]) ) ـ المصدر السابق ص 186ـ 187 وتاريخ الاحتلال البرتغالي ص 22.
[8]) ) ـ تاريخ الخليج العربي ص 524.
[9]) ) ـ تاريخ الاحتلال البرتغالي 208ـ 209.