سطور من الذاكرة\العدد الحادي والتسعين - محرم 1432 هـ
بختيار البويهي ينشغل بالصيد واللهو عن نصرة المسلمين
الثلاثاء 7 ديسمبر 2010

هيثم الكسواني

 خاص بالراصد

شتان بين من يهبّ لنصرة المسلمين وحمايتهم، وبين من يُقبل على ملذاته وشهواته، ويُضيّع مصالحهم، ويتركهم نهباً لأعدائهم، وتعود بنا الذاكرة إلى القرن الرابع الهجري، فقد دب الضعف في ذلك الوقت، في دولة الخلافة العباسية، ودخل البويهيون الشيعة عاصمةَ الخلافة، بغداد، في سنة 334هـ، وأصبح الشيعة البويهيون هم الحكام الفعليون للدولة, وأصبح الخليفة  مجرد واجهة يحكم البويهيون المسلمين من خلاله.

وفي سنة 356هـ، أصبح عز الدولة، بختيار، زعيما للدولة البويهية في بغداد، بعد وفاة والده، معز الدولة، الذي يعتبر المؤسس الفعلي لدولة البويهيين، يقول الإمام ابن كثير عن هذه السنة: "ولما مات معز الدولة قام بالأمر بعده ولده عز الدولة، فأقبل على اللهو واللعب والاشتغال بأمر النساء"([1]).

ويذكر ابن كثير جانبا آخر من لهو عز الدولة وفساده، وهو تعلقه بالغلمان، وعدم استطاعته فراق "أمرد" يعشقه، سلب منه في إحدى المعارك، وفداه بأموال طائلة، يقول ابن كثير: "ولما كسره ابن عمه ببلاد الأهواز، كان في جملة ما أخذ منه أمرد كان يحبه حباً شديداً لا يهنأ بالعيش إلا معه، فبعث يترفق له في رده إليه، وأرسل إليه بتحفٍ كثيرة وأموالٍ جزيلة وجاريتين عوادتين لا قيمة لهما، فرد عليه الغلام المذكور، فكثر تعنيف الناس له عند ذلك، وسقط من أعين الملوك، فإنه كان يقول‏:‏ ذهاب هذا الغلام مني أشد علي من أخذ بغداد من يدي، بل وأرض العراق كلها"‏([2]).‏

كان لسلوك عز الدولة، ولهوه، وفساده، آثار سيئة على أحوال المسلمين منها:

1-     نشر البويهيين للتشيع والبدع في بغداد، يقول ابن كثير في أحداث سنة 358هـ: "في عاشوراء عملت الروافض بدعتهم، وفي يوم غدير خم([3]) عملوا الفرح والسرور المبتدع([4])".

2-          اضطراب الأحوال وحصول غلاء عظيم بالعراق، حتى فقد الخبز بالكلية.

3-     استغلال ملك الروم "نقفور" هذه الفوضي للإغارة على أراضي المسلمين، دون أن يجدوا من يردعهم. يقول ابن كثير في أحداث سنة 358هـ : "وعاثت الروم في البلاد فساداً، وحرقوا حمص، وأفسدوا فيها فساداً عريضاً، وسبوا من المسلمين نحواً من مائة ألف إنسان، فإنا لله وإنا إليه راجعون"‏([5]).‏

وصارت في كل عام تتكرر استفزازات الشيعة للسنة، بدعم من البويهيين، وتتكرر في الوقت نفسه اعتداءات الروم على أراضي المسلمين. يقول ابن الجوزي في أحداث سنة 359هـ: "فمن الحوادث فيها أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ما هي عادتهم من تعطيل الأسواق وإقامة النوح واللطم‏.‏ وورد الخبر في المحرم بأن الروم وردوا مع نقفور فأحاطوا بسور أنطاكية وملكوا البلد وأخرجوا المشائخ والعجائز والأطفال من البلد وقالوا لهم‏:‏ امضوا حيث شئتم وأخذوا الشباب من النساء والغلمان والصبيان‏.‏ فحملوهم على وجه السبي وكانوا أكثر من عشرين ألف رجل وكان نقفور ملك الروم([6]) قد عثى وقهر بلادا كثيرة من بلاد الإسلام وعظمت هيبته"([7]).

وبلغت اعتداءات الروم على المسلمين في سنة 361هـ، مبلغا عظيما، فعز الدولة البويهيى الشيعي منشغل بالصيد واللهو عن حماية ثغور المسلمين، وواليه ليست لديه القوة للدفاع عنها، يقول ابن كثير: "في عاشر المحرم منها عملت الروافض ببغداد البدعة التي تقررت من النوح على الحسين بن علي، رضي الله عنه، وقبّحهم.

وفي المحرم منها أغارت الروم على الجزيرة وديار بكر، فقتلوا خلقاً من أهل الرها، وساروا في البلاد كذلك يقتلون ويأسرون ويغنمون إلى أن وصلوا نصيبين ففعلوا كذلك ببلاد بكر، ولم يغنِ عن أهل تلك النواحي أبو تغلب بن حمدان، متوليها، شيئاً، ولم يكن عنده دفاع ولا له قوة، فعند ذلك ذهب أهل الجزيرة إلى بغداد يستنصرون ويستصرخون، فرثى لهم أهل بغداد، وأرادوا إدخالهم على الخليفة المطيع لله، فلم يمكن ذلك، وكان بختيار بن معز الدولة مشغولاً بالصيد، فذهبت الرسل وراءه.."([8]).

وعلى الرغم من أن عز الدولة بختيار كان هو صاحب السلطة والقرار في الدولة العباسية، والخليفة العباسي ضعيفا لا يملك من أمره شيئا، ولا يملك المال الذي يستولي عليه البويهيون، إلاّ أن بختيار توجه بمكره إلى الخليفة المطيع لله، محملا إياه المسؤولية، ويطلب منه أموالاً يستعين بها على مقاومة الروم، فبعث إليه الخليفة يقول له: "لو كان الخراج يجبى إليَّ لدفعت منه ما يحتاج المسلمون إليه، ولكن أنت تصرف منه ما للمسلمين به ضرورة، وأما أنا فليس عندي شيء أبعث به إليك"([9]).

 وورد عند ابن الأثير أن المطيع قال لبختيار‏:‏ "إن الغزاة والنفقة عليها وغيرها من مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبى إلي الأموال، أما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء من ذلك وإنما يلزم مَن البلاد في يده، وليس لي إلا الخطبة، فإن شئتم أن أعتزل فعلت‏"([10]).‏

وإزاء ذلك، أغلظ بختيار للخليفة في الكلام وتهدده، "فاحتاج الخليفة أن يحصّل له شيئاً، فباع بعض ثياب بدنه وشيئاً من أثاث بيته، ونقض بعض سقوف داره وحصل له أربعمائة ألف درهم، فصرفها بختيار في مصالح نفسه، وأبطل تلك الغزاة، فتغمم الناس للخليفة، وساءهم ما فعل ابن بويه من أخذه مال الخليفة وتركه الجهاد في سبيل الله"([11])‏.‏

ولعل في زماننا هذا نوع مشابهة لما حدث قديماً حين سقطت بغداد سنة 2003 وأكفّ الشيعة في العراق وإيران تصفق للمحتل!!

 

للاستزادة:

1-  ابن كثير، البداية والنهاية، ط1، مؤسسة المعارف ودار ابن حزم (بيروت) 1426هـ، 2005م.

2-    ابن الجوزي، المنتظم في التاريخ، ج 14، نسخة الكترونية.

3-    ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 5، نسخة الكترونية.

 



[1] - البداية والنهاية 2/2353.

[2] - المصدر السابق، أحداث سنة 367هـ.

[3] - اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، وفيه يزعم الشيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بأن يخلفه علي.

[4] - المصدر السابق 2/2356.

[5] - المصدر السابق 2/2356.

[6] - يقول فيه ابن كثير: "كان هذا الملعون من أغلظ الملوك قلباً، وأشدهم كفراً، وأقواهم بأساً، وأحدّهم شوكة، وأكثرهم قتالاً للمسلمين في زمانه، استحوذ في أيامه، لعنه الله، على كثير من السواحل، أو أكثرها، وانتزعها من أيدي المسلمين قسراً، واستمرت في يده قهراً، وأضيفت إلى مملكة الروم قدراً‏.‏ وذلك لتقصير أهل ذلك الزمان، وظهور البدع الشنيعة فيهم وكثرة العصيان"‏ البداية والنهاية 2/2346.

[7] - المنتظم في التاريخ، ج 14، نسخة الكترونية.

[8] - البداية والنهاية 2/2359.

[9] - البداية والنهاية 2/2360.

[10] - الكامل في التاريخ، ج 5، نسخة الكترونية.

[11] - البداية والنهاية 2/2360.

 
 
 
 
الاسم:  
عنوان التعليق: 
نص التعليق: 
أدخل الرموز التالية: